صوت صفير البلبلي

> محمد حسين الدباء

> كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور يضيق على الشعراء فهو كان يحفظ القصيدة من أول مرة يسمعها فيها فكان يدعي بأنه سمعها من قبل فبعد أن ينتهي الشاعر من قول القصيدة يقوم الأمير بسرد القصيدة إليه و كان لديه غلام يحفظ القصيدة بعد أن يسمعها مرتين فكان يأتي به ليسردها بعد أن يقولها الشاعر و من ثم الخليفة وكان لديه جارية تحفظ القصيدة من المرة الثالثة فيأتي بها لتسردها بعد الغلام ليؤكد للشاعر بأن القصيدة قد قيلت من قبل وهي في الواقع من تأليفه وكان يعمل هذا مع كل الشعراء فأصيب الشعراء بالخيبة والإحباط خاصة أن الخليفة كان قد وضع مكافأة للقصيدة التي لا يستطيع سردها وزن ما كتبت عليه ذهبا.
فسمع الأصمعي بذلك فقال: إن بالأمر مكرا، فأعد قصيدة منوعة الكلمات وغريبة المعاني ولَبِسَ لبْس الأعراب وتنكر حيث إنه كان معروفاً لدى الأمير فدخل على الأمير، وقال: إن لدي قصيدة أود أن ألقيها عليك ولا أعتقد أنك سمعتها من قبل.
فقال له الأمير هات ما عندك، فألقى عليه القصيدة:
صوت صفير البلبلي
هيج قلبي الثملي
الماء والزهر معا
مع زهرِ لحظِ المُقَلي
وأنت يا سيدَ لي
وسيدي ومولي لي
فكم فكم تيمني
غُزَيلٌ عقيقَلي
قطَّفتَه من وجنَةٍ
من لثم ورد الخجلي
فقال لا لا لا لا لا
وقد غدا مهرولي
والخُوذ مالت طربا
من فعل هذا الرجلي
فولولت وولولت
ولي ولي يا ويل لي
فقلت لا تولولي
وبيني اللؤلؤ لي
قالت له حين كذا
انهض وجد بالنقلي
وفتية سقونني
قهوة كالعسل لي
شممتها بأنافي
أزكى من القرنفلي
في وسط بستان حلي
بالزهر والسرور لي
والعود دندن دنا لي
والطبل طبطب طب لـي
طب طبطب طب طبطب
طب طبطب طبطب طب لي
والسقف سق سق سق لي
والرقص قد طاب لي
شوى شوى وشاهش
على ورق سفرجلي
وغرد القمري يصيح
مللا في مللي
ولو تراني راكبا
على حمار أهزلي
يمشي على ثلاثة
كمـشية العرنجلي
والناس ترجم جملي
في السوق بالقلقللي
والكل كَعْكَع كعِكَع
خلفي ومـــن حويللي
لكن مشيت هاربا
من خشية العقنقلي
إلى لقاء ملك
معظم مبجلي
يأمر لي بخلعة
حمراء كالدم دملي
أجر فيها ماشيا
مبغددا للذيلي
أنا الأديب الألمعي
حي أرض الموصلي
نظمت قطعا زخرفت
يعجز عنها الأدبو لي
أقول في مطلعها
صوت صفير البلبلي
حينها أسقط في يد الأمير فقال: يا غلام يا جارية، قالا: لم نسمع بها من قبل يا مولاي.
فقال الأمير: أحضر ما كتبتها عليه فنزنه ونعطيك وزنه ذهباً.
قال: ورثت عمود رخام من أبي وقد كتبتها عليه، لا يحمله إلا عشرة من الجند.
فأحضروه فوزن الصندوق كله.
فقال الوزير: يا أمير المؤمنين ما أظنه إلا الأصمعي.
فقال الأمير: أمط لثامك يا أعرابي.
فأزال الأعرابي لثامه فإذا به الأصمعي.
فقال الأمير: أتفعل ذلك بأمير المؤمنين يا أصمعي؟!.
قال: يا أمير المؤمنين قد قطعت رزق الشعراء بفعلك هذا.
قال الأمير: أعد المال يا أصمعي.
قال: لا أعيده إلا بشرط.
قال الأمير: فما هو ؟
قال: أن تعطي الشعراء على نقلهم ومقولهم.
قال الأمير : لك ما تريد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى