بوقات المتنبي وحُمار العقاد

> سعيد العوادي

> قرأت مثل غيري من القراء قول المتنبي:
إذا كان بعض الناس سيفا لدولة
ففي الناس بوقات لها وطبول
وعجبت وعجبوا لهذا الاستعمال (بوقات) من رجل شهد له شانئوه بل ومحبيه بكثرة اطلاعه على كلام العرب ومشافهته للأعراب، ثم إطالته النظر في المدونات اللغوية والنحوية فضلا عن حدة ذكائه ووفرة محفوظه حتى عده الأنباري في نزهة الألباء من النحويين الكوفيين، وشهد له أبو علي الفارسي - أنحى أهل زمانه - بعلو الكعب بعد حديث بينهما في صيغة الجموع (فِعلى)، ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان، والشهاب الخفاجي يوثقه، لغة ورواية فيقول عنه: إنه «يجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه».
أفيكبو ذو العلم الراسخ والذكاء والوقاد هذه الكبوة التي لا يزل فيها ناشئة الأدب .?!، ليصير بسببها غرضا لناقديه وحاسديه وما أكثرهم، وتصبح (بوقات) مثلا للبنية الصرفية الضعيفة .. أيعجزه وهو الشاعر الصناجة أن يقول:
إذا كان بعض الناس سيفا لدولة
ففي الناس أبواق لها وطبول
فيستقيم له الوزن ويرتفع بها عن دركة الغرابة ووهدة الضعف?!.
قلبت النظر في طائفة من المعجمات القديمة علِّي أن أظفر بقول أو شاهد أو ذكر لها فلم أجد من يذكرها غير الفيومي في المصباح المنير، قال: «والجمع بوقات وبيقات»، لكنه لم يورد شاهدا واحدا لهذا الجمع.. مما يجعلني لا أطمئن له، ولعله - أقول لعله - بناه على قول المتنبي الآنف.
ويذكر الجرجاني في الوساطة أن المتنبي سئل عن هذا الجمع فأجاب أنه لفظ مولد لم يسمع جمعه بغير التاء مثل حمامات وساباطات .. وهذا تخريج - إن صح عجيب - والجمع (أبواق) منه على طرف الثمام، لكن قول المتنبي: «إن اللفظ مولد»، نبه فيَّ غافلا .. فلم عمد المتنبي إلى اللفظ المولد هذا ?.. كنت في هذه الغمرة فتذكرت مقولة للأستاذ العقاد .. ند عني مصدرها، في هجاء أحد الأشخاص .. فقال: هو حُمار - بضم الحاء - مستكثرا على المهجو أن يوصف بكلمة (حِمار) الفصيحة بكسر الحاء فعدل عنها إلى العامية المبذولة إمعانا في السخرية .. تذكرت هذا وتذكرت (بوقات المتنبي) وسياق كلامه سخرية بهؤلاء البوقات .. ورأيت أن (أبواق) إن كانت تسخر منهم من جهة واحدة .. وهي جهة التشبيه، فإن بوقات تسخر منهم من جهات ثلاث:
- من التشبيه كالأولى.
- من الوزن العامي المبتذل.
- من الجمع التأنيثي.
فنال من هؤلاء نيلا شديدا بكلمة واحدة .. وما يلقاها غير المتنبي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى