سقوط جدار برلين اليمن

> د. علي عبدالكريم

>
 د. علي عبدالكريم
د. علي عبدالكريم
سواء جازت المقارنة أم لم تجز، فقد كان سقوط جدار برلين عام 1990م حدثا مدويا في تاريخنا المعاصر، أتى بعده الياباني فوكوياما ليصفه بأنه يمثل نهاية تاريخ، وأنه إيذان بسيادة الرأسمالية لتطبع العالم بسيطرتها، ثم عاد وتراجع عن نظريته تلك، لكن الحدث مثل تحولا جذريا في الجيوسياسي الدولي ما انفكت تداعياته تلاحقنا حتى اللحظة، ولكن بشيء يخالف توقعات مدرسة فوكوياما.
سقوط جدار برلين اليمن، ماذا حمل وراءه ذلك السقوط المتمثل بسقوط الرئيس السابق علي عبدالله صالح صريعا قتيلا بطريقة بشعة كارثية تعكس روحا انتقامية، غادر من خلالها ما وصف به اليمن وأهله بأنهم بلد الإيمان والحكمة، ونعتقد أن الإيمان والحكمة لا يدعوان إلى التمثيل بالجثث وعدم احترام الموتى، تلك مأساة وكارثة ارتدت مفاعيلها على من أرسى على الأرض مفاعيلها.
صالح لم يكن ملاكا ومن تولى قتله ليس ملاكا أيضا، ذاك أراد أن يظل طول عمره زعيما أوحد، والذي مثل بجثته بعد قتله يصر على أن يستبدله بإمام ومهدي منتظر لا يأتيه الخطأ من هنا أو هناك، كلاهما كان يرى بنفسه المهدي المنتظر، وكل كان يتحين الفرص ليحفر لصاحبه قبرا، لنرى للأسف جراء ذلك المشهد الدامي المقزز الذي رأيناه.
سقوط جدار برلين اليمن، ومعه كارثة الحرب الضروس التي أهلكت الحرث والنسل في بلادنا ولم تحقق أي إنجاز، نأتي لنجد في أحد أكثر المشاهد إثارة وميكافيلية سقوطا مروعا لجدار برلين اليمني، ليضع اليمن من جديد أمام سيناريوهات متعددة، قبل أن نصل إليها سنعرج قليلا لنرى ونغوص عن قرب، بحثا في أغوار اللحظات القاتلة التي عاشها الرجل قبل مقتله، وكيف تم ذلك مع رجل خبر الحياة وعركها بحذاقة يحسد عليها، ترى ما الذي خانه هنا، أين ولت فراسته ليقع ضحية لعدة عوامل لم يعمل لها حسابا، وهو الحصيف الذي تربي داخل عش الدبابير والثعابين وظل يربيها ويلاعبها ويتلاعب بها مددا وردحا من الزمن.
ترى هل فاته القطار ولم يعد يدرك أن للحكم تأثيراته وله قوته ومغرياته، ومن يغادر الحكم ليس كمن يمسك بمقوده، هنا خانته الذاكرة وفاته القطار، فالجدار الذي كان يتكئ ويستقوي به حاكما قد بدأ يعاني من عوامل النخر في أساساته، وأكثر تلك العوامل تأثيرا في خلخلة أساسات الجدار الذي استظل به قد تمثل بحرب 94 التي نخرت أساسات الجسم والجسد للجدار وأحدثت ليس شروخا فقط ولكن فراغا عشعش بداخله الكثير من الثعابين التي لم يعد يراها ناهيك عما ألم بجسد الجدار على المستوى الوطني
العامل الذي لم يعره صالح قرأته الصحيحة، وركز فقط على خطر الإصلاح والأخوان لكنه لم يدرك بأن تموضعه المجتمعي وطنيا تآكل تآكلا كبيرا لم يعره صالح اهتمامه بأبعاده الوطنية والاجتماعية لاتساع رقعة التباينات الطبقية والمناطقية القاتلة، لم يعد يدرك أن ملاعب الثعابين اتسعت عبر مملكة الفساد والإفساد التي باتت خطرا محدقا لا يؤمن شره عند أي منعطف وتشكل منفذا للاختراق، وليس بعيدا أن اختراقات ما قد حدثت في هذا المشهد الذي توج بسقوط جدار برلين.
لم يستوعب مآلات وتطورات الأحوال والأمور والملفات بعد اجتياح الحوثي لعمران وصنعاء وصولا حتى عدن أقصى أراضي الجنوب، ودفع هو وغيره ثمن تسهيل هذا العبور السريع، ولم يدرك أن الأحوال تتبدل والولاءات تتغير ومن كان حليفا بالأمس غير مضمون وما ينجم من غياب وفراغ عن الجاه والمال تملأه مصادر أخرى، وهكذا رأينا ما رأينا من تبدلات بالقبل السبع المحيطة بمدينة صنعاء والسياج الحامي تاريخيا لها ولا بد أن نشير هنا إلى أمر هام مفاده أن تفرد أنصار الله بأمر البلاد لن يقبل وطنيا، وبهذا الشكل المأساوي، ولن يقود إذا ظل متفردا إلا إلى المزيد من الكوارث، ليس أمامهم من حل سوى الحل الوطني الشامل المغادر لخانة الحرب والعمل على استعادة الدولة باعتبارهم جماعة سياسية وطنية لها ما لها، مثل أي مكون سياسي وطني آخر باعتبارهم جزءا من النسيج الوطني اليمني.
وفي الختام حتما علينا القول سيظل هناك سؤال يلح علينا يبحث عن اجابات واضحة ترى ما هي الضمانات التي كانت وراء صفقة التحول والاستدارة التي قام بها صالح تجاه التحالف، ولماذا لم نر تزامنا مع اشتداد المعارك الشرسة ومحاصرته تطورا على الجبهات مصحوبا بإمداد نوعي وغيث كثيف يلعب دورا مفقودا وبات مطلوبا لحظة الحسم والانتفاضة لتغيير موازين القوى على الأرض،
ذلك ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، وإن غدا لناظره قريب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى