ومتى كنا عبيد ؟! وعي المقاومة والرفض في شعر لطفي جعفر أمان (2 - 1)

> د . شهاب القاضي

> (ومتى كنا عبيد ؟!) .. بهذا السؤال، بهذا الاستفهام الاستنكاري، يلون الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان(12 مايو 1928م ـ 16ديسمبر 1971) تجربته الشعرية في كل مجموع متنه الشعري تقريبا، رفضا لكل أشكال العسف والاضطهاد والظلم الاجتماعي والسياسي للأفراد والجماعات، ويدعو للمقاومة والانتفاض والرفض والانتصار لقضايا الإنسان ولقضايا الشعوب . وبالذات شعب الجنوب، لشعبه وبلاده، الذي منحهما إخلاصه فتغنى بالطبيعة والإنسان ونافح الظلم وقواه المستأسدة من الاستعمار وأزلامه المحليين الذين زرعوا في الناس قهرا، فكم قتلوا وكم جرحوا وكم أبكوا وكم شردوا ..وكم ..وكم .وفي يوم الاستقلال الوطني للجنوب وخروج المستعمر البريطاني، ما غنى شاعر، كما غنى لهذا اليوم المجيد، الشاعر الخالد ابن عدن لطفي جعفر أمان.
تحرر شعبي.. ففي كل بيت
ترف نجوم.. ويورق بدر
وفوق شواطئنا الراقصات
مع النور ..فاض من الخلد فجر
وضم مراعينا والحقول
جناح غمير العبير أغر
وحتى الشياه تكاد تطير
وتشدو بحرية .. لا تقر
وحتى الصحارى كأن الربيع
حواها ..وزينها .. فهي خضر
فضائي حر .. وطيري حر
وقلبي حر .. وشعبي حر
أجل .. قد صحونا .. لأول مرة
لنحيا الحياة .. لأول مرة
بلادي حرة.
أحاول في هذه العجالة أن أتلمس في شعر لطفي جعفر أمان، وعي التميز، في الرفض والمقاومة واكتناه مساراتها في بعض قصائده من دواوينه، والتي عبر فيها عن رفضه ومقاومته للظلم الاجتماعي والسياسي والحث على مواجهة الضعف والخنوع والتخلف ورفض الوجود الاستعماري والدعوة إلى مقاومت.
في مواجهة الظلم الاجتماعي:
تظهر قصائد لطفي جعفر أمان في مواجهة الظلم الاجتماعي بأشكال مختلفة من أساليب التعبير الشعري، وتجدها متناثرة في دواوينه على سبيل المثال لا الحصر: طفل متسول، صفية الصنعانية، العمال وغيرها. فموقف لطفي الفني والفكري كل لا يتجزأ. فكما تجده ناقدا للأوضاع الاجتماعية، تجده ناقدا وله موقف مستقل من قضايا شعبه وقضايا العروبة والإنسانية بعامة...يقول في قصيدة طفل متسول:
في وجهك المحزون ياطفلي الصغير
وطني الكبير
وطني باوسع منتهاه
وطني المعذب في حماه
في وجهك المحزون ياطفلي الصغير
ياجرح أغنية حزينة
جشأتك أحشاء المدينة ...
إن شاعرنا يرفض هذا الواقع، يدينه بكل قوة ويصرخ في الطفل:
لا ياصغيري خيرات أرضي لم تكن أبدا قليلة.
ولكنها المدينة، عدن التجارة والأسواق ولغة المال والإدارة الاستعمارية التي مافتئت تنهب خيرات الوطن وتسحق الإنسان وهذا هو ما صنعته مع صفية الصنعانية التي قدمت إلى عدن بحثا عن زوجها إلا أنها تاهت في شوارع عدن وضاعت:
“ياعم ياجمال”
ياسائق الأحلام والآمال
لعدن الزهراء
خذني معك
خذني هنا حملا من الأحمال
لن أتعبك
ياعم ياجمال
في عدن الزهراء لي زوج حلال
خذني معك
خذني معك !
...كذخائر الدنيا إذا انفتحت سخية
عدن الغنية
سكبت مفاتنها المرجية الثرية
وهناك ..في ترف العمارات السنية
وقفت صفية
تتخطف الأضواء لفتتها الحيية
وعلى ملامحها الطرية
صنعاء حية
... يامحسنين ..
لله ....من باب لباب
راحت تجر جمالها الوضاء في أوج الشباب
وهناك في كنف “ المقاهي” واصطخاب العابثين
الظامئين إلى الدم المبذول في شبق لعين
راحت تغني في افتتان
وتهز إردافا حسان
“اخضر .. جهيش ..مليان”
ويثيرها طرب الحياة
فتهز إردافا ..وهات
“ ياقاطفين القات”
القصيدة نقد مؤلم لواقع اجتماعي، مازال غارقا في وهاد التخلف، في نظرته للمرأة، واستغلالها جسديا وسحقها معنويا. وقد تفوق شاعرنا في وصف تلك المأساة وقدم صورة إدانة للعلاقات الرأسمالية والتجارية في عدن ولقيمها الاستهلاكية المزيفة التي تغمر الإنسان والمجتمع بشبكة من العلاقات التي تشيئه وتحيله إلى سلعة.
د . شهاب القاضي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى