أبوبكر سالم بلفقيه.. ظاهرة غنائية صنع للأغنية الحضرمية بصمة واصالة وتاريخاً

> رياض عوض باشراحيل

> من حضرموت الاصالة والفن.. ومن الاهل ومسقط الرأس والوطن.. ومن كل بقعة في ربوع اليمن .. ومن وادي الدور وربا صنعاء وبندر عدن.. ومن تريم المدينة وسفح عيديد. ومن القرن وسعاد والمكلا.. ومن كل حبة رمل وكل ذرة من تراب وطنه الغالي احبها الفارس الاصيل الفنان الراحل ابوبكر سالم بلفقية “أبواصيل” وغنى لها وتغنى بها ، واشتاق اليها في غربته وبثها الامة واحزانه وحنينه وانينة ولواعج قلبه وذكرياته في فنة - تبادله التحية والسلام اشواقا باشواق، وحبا بحب، ووفاء بوفاء في موكب رحيله المؤلم مساء يوم الاحد 10 / ديسمبر / 2017
رحل الفارس الى جوار ربه هانئا مطمئنا بعد رحلة طويلة من الفن والتألق ومسيرة من النجاح والشهرة، وفي وقت لازلنا بأمس الحاجة الية ليترجم لنا نبض مشاعرنا اليوم ويخفف عنا عناء الزمن في هذا العصر ورحيل عبقرية الطرب وعملاق الغناء في جزيرة العرب واحد اعلام الفن العربي الفنان الكبير ابوبكر سالم يعد خسارة كبيرة للاغنية الحضرمية واليمنية والخليجية والعربية عموما. وبهذا الرحيل الجلل تطوى صفحة ناصعة من الغناء العربي الاصيل لظاهرة غنائية متفردة، بيد ان حصاد رحلة مسيرتة الفنية التي امتدت إلى اكثر من نصف قرن من العطاء الفني المتميز بخلود الكلمات وسحر الالحان واصالة الاداء سيظل باقيا وحيا في صفحات التاريخ الناصع وخالدا خلود الاعمال الغنائية الاصيلة عبر الزمن.
وفناننا الكبير الراحل ابوبكر سالم بلفقيه غواص ماهر في بحار الفن، فهو مطرب وشاعر وملحن في ان معا، صوت جميل تفيض به حنجرته يؤثر في المستمع ويحرك وجدانة وعواطفه، ويأسر به الاذن التواقة إلى الفن والجمال، يمتلك اسلوبا مميزا في اداء الاغنية ممثلا لمعاني الكلمات التي يغنيها ومعبرا بحنجرته وموسيقاه عن روحة ممسرحا مضامينها وموحيا بالخصائص النفسية والعاطفية التي تتحدث عنها الاغنية.
صورة من الارشيف للكاتب مع الفقيد
صورة من الارشيف للكاتب مع الفقيد

قدم الفنان ابوبكر سالم خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء الاغنية الحضرمية والعدنية والصنعانية والخليجية وبعض الوان الغناء العربي الاخرى. الا انة تفرد في اداء الاغنية الحضرمية على وجه الخصوص هذه الاغنية التي نبت من ارضها وترعرع في احضانها وتشربت روحة من انقى ينابيعها الاصيلة العابقة بالدان الحضرمي، جسد فناننا الكبير جغرافيا حضرموت وتاريخها وحضارتها في فنة وحمل على كاهله رسالة الاغنية الحضرمية، وأضحى حديثها البؤرة المركزية لحواراته الفنية في مختلف وسائل الاعلام، رفع لواءها عاليا وساهم في تقديمها باصوات عربية متألقة كما دفع ابنه اصيل إلى ميدان الفن من بوابة اغنيتهما المشتركة “ياريحة اهلي” وفاء للتربة والاهل ، كسر اسوارها الضيقة وعبر بها خارج الحدود الجغرافية المحلية ليحلق بها افاقا رحبة في سماء الاغنية العربية من المحيط إلى الخليج راسما بصماته على ايقاعاتها وانغامها وموسيقاها محدثا لها في رحلة تسجيلاته تطويرا شاملا في الكلمة واللحن والموسيقى والاداء انطلق به من محطة بيروت في الخمسينات ثم استقر به العطاء في القاهرة - عاصمة الفن العربي - ليسابق بها غيرها في ميدان الاغنيةى العربية الفسيح
إن فن العملاق الغنائي ابوبكر سالم المشرق في ساحة الغناء العربي يكشف بجلاء حالة التناغم والتماهي مع ارضة حضرموت ورابط لا انفصال له بينه وبينها، حيث بادلها حبا بحب فاستقرت محبتها في فؤاده وصميم وجدانة لتؤكد ان هذا الطود الفني وحضرموت جسد واحد وروح واحد وفن واحد وهذه هي الاصالة بحق والشرعية الحقيقية التي لا يغفلها منصف بعيدا عن كل العناوين والمسميات
إن التكوين الفني للفنان الكبير هو مزيج من الموهبة الصادقة والجهد الذي بذله لتأصيل هذه الموهبة والحفاظ على تدفق عطائها، وقد عرف ابوبكر ان النجاح لا يمكن ان يكون ثمرة من ثمار الكسل والخمول بل هو ثمرة النشاط والجهد والمثابرة والاحساس بالحياة لذلك فإن غربته وبعدة عن وطنة الام حضرموت واليمن فجر ابداعاته في نماذج غنائية فذة من الشعر الانساني الذي يعبر عن احاسيس كل انسان مهاجر ومفارق لاهله ووطنه يعاني ويتألم في غربته فترنم لهم باغنية المحضار “يامسافر عالبلاد” في حب وشجن ورقة وصبابة وجمال قائلا
يامسافر عالبلاد بروحي وقلبي
سير واتركني هنا بالام حبي
قل لاحبابي هناك واهلي وصحبي
يذكروني فإنني على ذكرهم دوب
حين فارق فارقت مغصوب
وكذلك غنائية المحضار “كما الريشة” وفيها دعوة إنسانية نبيلة لكل المهاجرين في الارض والمغتربين عن اوطانهم ان يصبروا ويتحملوا مصير غربتهم بشجاعة، بيد ان الاصيل المغترب ذا المشاعر الرقيقة والحس الوجداني المرهف يلتحم بهم فيخفف عنهم حزنهم ولوعتهم بالغناء لأشواقهم وحنينهم لاهلهم وارضهم من خلال هذا النص الغنائي قائلاً:
ياطير ياضاوي إلى عشك
قل لي متى بضوي إلى عشي
مليت شفنا هذه العيشة
قلبي من الفرقة كما الريشة
رحم الله ابوبكر سالم بلفقية
الفنان الكبير الراحل ابوبكر سالم بلفقيه هامة شامخة وبصمة مميزة لا يشبهها احد حل بصوته في القلوب وسكن الوجدان واشبع العواطف، فاضحى اسمة اليوم تاريخا يحكى مع كل آه او “واه “ من اهاته “واه ويح نفسي لا ذكرت اوطانها حنت “ومع كل مقام طرب وكل ارتفاع وانخفاض وانسيابية في صوته تتعلق بها الاذان وتسحر بها النفوس ولا يمل المرء منها سماعا ولا مشاهده ، ومن روائع تجربة الحب والعشق لابي بكر سالم والتي كتب كلماتها وصاغ الحانها رفيق دربه الشاعر الكبير والملحن القدير حسين ابوبكر المحضار وترجمت إلى عواطف انسانية رقيقة وحالات عشق صادقة بنغم واداء فناننا الراحل ابوبكر سالم فهز ببها اوتار القلوب وحرك بها المشاعر من اعماق النفوس حين صدح شاديا ومغردا
باشل حبك معي بلقية زادي ومرافقي في السفر
وباتلذذ بذكرك في بلادي في مقيلي والسمر
وانت عسى عاد باتذكر ودادي
وان قد تناسيت ياماناس جم مثلك تناسوا الوداد
في خير انت وانا بانلتقي في سعاد
او قوله:
انا بنفسي درست المحبة
واخترت دار المحبة وطن
بطرح الدري في خير جربة
يلقي عمل
نوب جردان يلقي عسل
او قوله:
تهت في الحب من غير رغمي
من عادنا الا صبي ع اللبن
لي حكم في المحبة بظلمي
قط ماعدل
او قوله:
ياطبيب النفس نفسي عليلة
من تذكار الليالي الجميلة
لي صف فيها صباحك وممساك
ياحلا بستان قد طاب مجناك
ومن روائع كلمات ابوبكر سالم والحانه غنى للحياة ورحلة العمر الانساني فيها وللسنين ورحمة المولى جل شانه في لحن شجي ياسر القلوب صادحا.
هي هي هي هي هي السنين
عادها عادها الا عادها الا تزين
والزمن ماتغير بس اهل الزمن ويلاه متغيرين
رحمتك رحمتك يارحمتك يامعين
ومن خلال تجارب الحب والعشق التي عبر عنها الاصيل بنغمة وصوته الذهبي وغيرها من التجارب، استطاع بذلك كلة ان يصون فنة ويرتقي به فيتبوأ مكانا مرموقا يشار اليه بالتميز والتفرد ويصبح من كبار المطربين على المستوى العربي.
ان ابوبكر سالم ليس مجرد شاعر او مطرب او ملحن فحسب ولكنه ظاهرة فنية وعبقرية غنائية وعظيم من عظماء تاريخ الفن لن يتكرر ولن يجود الزمن بمثلة خلال فترة قريبة، لقد اعطى فناننا عطاء كبيرا للغناء والطرب احياة وجدة وطورة بعد ان كساة بثوب العصر واضاف قيمة للفن، لذا فان فناننا مدرسة غنائية مستقلة في اهاب استاذ وفريق فني متكامل في روح مبدع، اعطى حتى اخر رمق في حياته فناً راقيا وابداعا خالدا.
ان المؤرخ المنصف لتاريخ الاغنية الحضرمية واليمنية والاغنية العربية عموما لا يمك ان يكون صورة موضوعية عن تاريخ الاغنية دون ان يقرا قراءة الباحث المدقق تجربة هذه الشخصية الفنية الفريدة والعبقرية النادرة.
وايا كانت الصورة التي سيخرج بها فانة لا يستطيع ان يهمل دور الكلمة الشعرية وسحر اللحن واهميتها في بقاء الاغنية حية خالدة
لذلك فلا مناص له من قراءة تجربة رفيق دربة وتوأم روحة الفنية الذي شكل معه ثنائيا غنائيا ناجحا وصنعا معا للفن قيمة شامخة وخلفا تراثا غنائيا خالدا انة الشاعر الكبير الراحل حسين ابوبكر المحضر وغيرهما ممن جددوا واضافوا للفن وصنعوا للغناء القا ومجدا وتاريخا
وفن ابوبكر سالم هو صوتة الحقيقي وصوته هو فنة وسر عظمته واصالة صوتة تجسيدا لاصالة الثقافة الحضرمية والعربية، فهم نغم شاب وصوت في عزة وقمته لم يسمح لريال الشيخوخة ان تنفذ إلى حنجرته حتى اخر لحخظة من حياته إن هذه الكلمات ليست الا عنوان محبة ووفاء لهذه القمة الفنية الشامخة ومواساة للنفس ولاسرة الفقيد - عليه رحمة الله ولكل عشاق فناننا الكبير في الوطن العربي، وسعى لاشعال شمعة صغيرة تحاول ان تضيء بحرا غزيرا من الابداع والعطاء الفني الشامل
لقد زلزل نبأ رحيل فناننا الكبير افئدة المبدعين وقرائح الشعراء فهطلت قصائدهم المعبرة عن منزلة فناننا وقيمته الابداعية الشامخة في ابياتهم وقصائدهم وهذه شذرت نقطفها ن رثاء الشاعر المتألق صالح عبيد باظفاري لابي اصيل قال باظفاري:
بعد ابوبكر سالم قفل الدان بابه
والغناء قام ماثم والوتر والربابة
والذي كان سالي بات يبكي صبابة
الموت قهار هادم ماحسبنا حسابة
كان للشعر ناظم والقوافي تهابه
عاش للفن لازم رسالته في خطابه
بشوش له ثغر باسم مايحب الكابة
علم بكل العواصم سفير منذ شبابه
معدود احد المعاجم بالطرب ولكلكتابة
قاموس فني وعالم فقه قارئ كتابة
نسال الله رحماه يوم ينشر حسابة
وستتغير الازمان وتتبدل العهود وتتلاحق الاجيال وسيبقى فن ابوبكر سالم بلفقية بشخصيته النادرة وصوته الفريد واداؤه المتفرد ونغمة الساحر ونطقة المثقف والقاؤه المعبر حاضرا في ساحة الغناء، عالقا بقلوب الملايين خالدا في كل زمان ومكان في الحاضر والمستقبل
فالى جنان الخلد ياسلطان الطرب وعملاق النغم والصوت الرخيم بقدرة الرحمن الرحيم
رحم الله ابوبكر سالم بلفقيه
رياض عوض باشراحيل

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى