أبوبكر سالم بلفقيه.. وداعا

> د. علي عبدالكريم

> كسنديانة الهوى والجود ورنَّة العود وأريج روائح شجر الزيزفون وروائح عود الشذى الفواح المكلل بعبق الروح ونفس الترحال إلى عالم الجمال، وهنا بين أحضان السماء، غادرت الروح مربعها إلى باريها، غادرت وهاد مهد الحضارات بلاد الحضارم الموغلة بالحضارة والقدم كالمهر الجامح في بيداء المعارك، كشهب الليالي، تتجلى تضيء، ذلك الصوت الفتى انبرى منذ ريعان الشباب، يغاير ما هو مألوف ليصنع لونا ولحنا وجملة موسيقية تسابق الريح والزمن ليعتلي عرشا بلا منافس إبداعا وتفردا، ليكون ذلكم البلفقيه فعلا مضارعا حاضرا مرفوعا بأعمدة التجدد والإبداع، ليخرج من جعبته ما يشنف الآذان لحنا، والأجساد وقعا، والأرواح لطفا وهمسا، وهنا تتمايل الأجساد مع درجات صوت فريد متعدد الدرجات والألوان.
هو ذلك البلفقيه لم يقتنع بساحات أرض عاد وثمود، وراح صوتا مجلجلا يلامس أطراف الجمال المبكر في مدينة العشق والتجلي عدن، ليرحل منها مغطيا سماء بلقيس اليمن طربا وغناء، وليخترق بعدها حاجز الصوت وجغرافيا المساحات ليظلل عمق الخليج وأطرافه ويجعله رهين رقصاته وألحانه، ولم يكتفِ، بل حلق كطائر الفينيق متجاوزا أعماق الخليج لما وراء البحار والمحيطات صوتا فريدا جديدا لا يقارن، ليصير بلفقيه غابة الألحان وأغصانا من خمائل الكَلِم الجميل مجموعات ألحان تخر لها الكلمات راقصة تصلي تحت أضواء شارات عوده الفريد والحساس بين النوافذ راكعات على مسابح اللحن الساحر الجميل في بحار أبدعها المحضار صياغة، وطوعها البلفقيه لحنا، عبقريتان تبحثان في بحار أبي العلاء لتلتقي في ثنائية اللحن والإبداع بين عود وأداء ولحن اختصت عناية السماء بها عزيزنا الراحل أبوبكر سالم بلفقيه تماما كما اختصت السماء شاعر اليمن الكبير البردوني بالقدرة على استنطاق الكلمات قبل أن يكتبها سحرا مبينا تماما كما كان يفعل راحلنا البلفقيه حين يستجوب الألحان قبل أن يهديها للملأ مزينة ممضية بصوت رخيم، صوت البلفقيه.
العزاء لنا جميعا بوفاة هذا الفنان الأصيل أبو أصيل.
د. علي عبدالكريم

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى