قصة الأسير الثالث عشر في صفقة تبادل بين الحوثيين والجيش والمقاومة بتعز.. عاد من الغربة فاندلعت الحرب واختفى عامين عن أهله وطفلته التي لم يرها

> تقرير / وجدي السالمي

> تبادل أطراف النزاع، جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وإحدى فصائل الجيش التابع للحكومة الشرعية في مدينة تعز اليمنية، صفقة من الأسرى، يوم الإثنين 11 ديسمبر الجاري.
وأفرج كل طرف عن 12 أسيرا، وتمت عملية التبادل في منطقة الكدحة الواقعة في ضواحي مدينة تعز الغربية، وكان من المقرر أن يفرج كل طرف عن 12 أسيراً، إلا أن جماعة أنصار الله أفرجت عن 13 شخصاً، وكان الأسير الثالث عشر، يدعى عبدالكريم راجح من أبناء الوازعية.
في صبيحة يوم الإثنين 11 ديسمبر وصل عبدالكريم البالغ من العمر نحو 35 عاما، وهو يتكئ على أكتاف اثنين من الأسرى، ورجله معصوبة وعينه مفقوءة، كان يرتدي قميصا أبيض جعلته الأوساخ لوناً آخر، جسده هزيل، وبدا في حالة ذهول لا يتكلم ولا يستطيع الوقوف على قدميه فساقه اليسرى مكسورة، وليس لديه فكرة أن المنطقة التي وصل إليها هي في محافظة تعز الشمالية، وأنه قد أصبح بيد الجيش الشرعي، فهو مجرد شبح إنسان بلا ذاكرة.
وبدون أن يعلم شيئاً انتقل عبدالكريم من سجون جماعة الحوثي إلى مستشفى الأمراض النفسية والعقلية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية وسط المدينة.
كما أن عبدالكريم لم يكن ضمن قائمة الأسرى المقدمة من طرف الجيش التابع للشرعية فهو لم يدخل في حساباتها، لعدم معرفتهم باختطافه، أعادته جماعة أنصارالله إلى الطرف الآخر جسدا نحيلا عاجزا، ولم يعد يملك من شخصه الذي كان سوى الهوية التي أضاعت ملامحها فلا يتكلم ولا يتحرك ولا يجيد فعل شيء.
تظهر على جسد عبدالكريم آثار للتعذيب، يبدو أن سجانيه تلذذوا في تعذيبه حتى صار أشبه ببقايا إنسان، فتخلصوا بعد ذلك منه في صفقة تبادل دون أن يعرف هويته أحد، لأنه منسي في سجنه ومنسي في تحرره.
اسمه - كما أفاد بعض الأسرى المحررين - عبدالكريم محمد حسن راجح، وهذا كل ما عرفوه عنه خلال تواجدهم معه في سجون الحوثيين، ولأنه لا يعرف عنه أحد شيئا ولم يكن ضمن قائمة الأسرى التي تقدم بها الجيش الحكومي إلى الحوثيين للإفراج عنها، فقد تفاجؤوا لحظة إتمام الصفقة أن الحوثيين قاموا بتسليمه مع تسريبهم لمعلومة واحدة عنه، حيث أفادوا أنه من مديرية الوازعية جنوبي غرب تعز.
بالتزامن مع إتمام صفقة التبادل كانت ممثلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة تعز (ستيفاني إلير) التي تقيم في منطقة سيطرة جماعة أنصار الله في الحوبان شرقي المدينة، تبلغ مدير مكتب الصحة بتعز الطبيب عبدالرحيم السامعي رسالة مفادها أن هناك من الأسرى المفرج عنهم شخصا يعاني من حالة نفسية، وطلبت منه عبر ناشطين في المجتمع المدني إرسال الأسير إلى مستشفى الأمراض النفسية وعدم إخراجه من المستشفى إلا بعد التواصل مع الصليب الأحمر، هكذا تفيد مذكرة مكتب الصحة الموجهة لمديرة مستشفى الأمراض النفسية والعقلية، الدكتورة افتخار عبدالله قحطان.
عند زيارتنا له وجدناه يجلس على سرير في غرفة صغيرة بابها مخلوع وبلا نافذة في مستشفى الأمراض العقلية، كان يمسك بيد مرتعشة عصاه وهو بحالة صمت وبلا حركة، حاولنا ومعنا أحد الممرضين الحديث معه لكنه لا يتكلم، اقتربنا من أذنه وسألناه عن حالته واسمه، لكن دون جدوى، فملامحه تشير إلى أنه تعرض للتعذيب الشديد، وبحسب التشخيص الأولي الذي تلقاه في مستشفى الأمراض النفسية فهو يعاني من «كسر مع جرح مفتوح في ساقه اليسرى، وبالنسبة لوعيه فهو يعاني من حالة ذهول، قليل الكلام، وشبه صامت، لا يستجيب ولا يتفاعل مع أي أوامر، رافض للطعام، كما يعاني من ضعف عام وهزال، ويحتاج لعناية تمريضية واهتمام مع عمل فحوصات شاملة وكشافة للساق والعمود، وبالنسبة للتشخيص النفسي فقد تعرض لصدمة نفسية بعد حادث.. هكذا قالت مديرة المستشفى في تشخيص عرضته علينا عند زيارتها في مكتبها.

أصبح عبدالكريم راجح عبئا على مستشفى الأمراض النفسية الذي تلقى توجيهات من مكتب الصحة بالمحافظة بقبول المريض بأي طريقة، بعد أن اتصل الصليب الأحمر، رغم أن إدارة المستشفى، كما تقول الدكتورة افتخار قحطان، أبلغت الجهات المعنية بأن المستشفى لا يملك عناية تمريضية، وكل ما لديه هم 4 ممرضين تحت رعايتهم 70 مريضا نفسيا، وليس لديهم خبرة في التمريض العضوي من جروح وكسور وقسطرة وتغذية، وهذا ما يحتاجه عبدالكريم.
وحذرت مديرة مستشفى الأمراض النفسية من أن المريض بحالة متعبة عضويا وقد يدخل حالة غيبوبة وربما يموت، وأنه يحتاج إلى عناية عضوية خاصة قبل إخضاعه للعلاج النفسي. كما أنها لا تخفي خشيتها عليه من أن يتعرض للاعتداء من بقية المرضى النفسيين المتواجدين في المصحة النفسية. تقول مديرة المستشفى «حتى لو تم وضع عبدالكريم في غرفة بمفرده قد يتعرض للاعتداء من بقية المرضى كون الغرف في المستشفى بدون أبواب بسبب الأضرار التي تعرض لها المستشفى من الحرب».
لم يمضِ وقت طويل بعد وضع عبدالكريم راجح في مستشفى الأمراض النفسية وسط المدينة، وتداول صوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وصلت شقيقته (مريم) إلى المستشفى صباح الأربعاء 13 ديسمبر الجاري، وأفادت أن شقيقها عبدالكريم كان عند مغادرته منزله قبل أكثر من عامين يبحث عن مصدر للعيش وتوفير ما يسد رمق أسرته، كان بحالة صحية جيدة ولم يشكُ من أي مرض، كما أنه لم يشارك بالحرب مع أي طرف من الأطراف.
وتتابع حديثها بحزن وألم ودموع عينها تسابق كلماتها، إن شقيها بعد إن ضاقت الظروف بأسرته، لجأ لبيع ذهب زوجته وحمل النقود بحوزته وغادر المنزل للبحث عن مصدراً لرزق، كونه العائل الوحيد لأسرته المكونة من ثلاثة أشخاص، وأسرة والده البالغة من 6 أشخاص.
وتضيف مريم: منذ خروج شقيقها قبل أكثر من عامين لم يتواصل معهم.. كما لم تعلم عنه أسرته شيئا، إلا عندما تم الإفراج عنه ضمن صفقة الأسرى، وكانت مريم وأسرتها يعتقدون أن عبدالكريم قد توفي.
وقبل ذلك كان عبدالكريم مغترباً في المملكة العربية السعودية وصادف عند اندلاع الحرب أنه كان في اليمن ولم يتمكن من العودة للسعودية حيث كان يدخل إليها بطريقة نظامية.
وفي المستشفى لا زال عبدالكريم أشبه بجثة هامدة لا يتحرك ولا يتكلم، لا يعلم أحد غير الحوثيين واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي ما الذي حل به حتى وصل إلى هذه الحالة،حيث يعيش اليوم بانتظار أن تعود له إنسانيته من باب التشافي ويعود مع أهله ويعانق طفلته التي لم يرها من قبل، أو من باب الموت الذي ربما صار أمنيته للخلاص من كل هذا العذاب.
تقرير / وجدي السالمي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى