الحرب في تعز أصابت الأجساد والعقول.. مديرة مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بتعز: 65 مريضا ينزلون في مستشفى يفتقر لأدنى مقومات الرعاية والعلاج

> تقرير / صلاح الجندي

> مثلما تسببت الحرب في تعز بإعاقة مئات المواطنين جراء الإصابات التي أفقدت الكثير بعضا من أطرافهم وشلت حركة آخرين.. تسببت أيضا بإصابة شباب وأطفال ونساء بحالات نفسية وأمراض عقلية تنوعت بين الهستيريا والانفصام والاكتئاب والقلق والاضطرابات والوساوس وكثير من أعراض المشكلات النفسية الناتجة عن وضع الحرب والحالة المعيشية الناتجة عن حصار المدينة وقصفها وتدمير مقدراتها منذ أن دخلتها المليشيا الانقلابية.
المصابون بالحالات النفسية في الحالمة ضحايا مهملون لا تتطرق لهم وسائل الإعلام بشكل واسع ولا يلقون أدنى اهتمام من الجهات المسؤولة والحكومة، لاسيما الأطفال والنساء.
*أطفال بلا رعاية
كل يوم يمضي من عمر الحرب تزداد حالات جديدة إلى أعداد المرضى النفسيين، وتعم المعاناة الإنسانية والنفسية كل الفئات العمرية ذكورا وإناثا، الذين تزداد معاناتهم بسبب ما خلفته الحرب من قذائف ورعب وقتل ودمار أصاب الكثير منهم بالحالات النفسية بنسب متفاوتة.
وخلفت الحرب أطفالا ما بين سن الـ10 - 15 سنة مصابين بحالات نفسية، بسبب الرعب الذي يعيشونه في المناطق القريبة من الصراع، وكذلك المتواجدون في القرى وغير القادرين على الدخول إلى المدينة لتلقي العلاج والجلسات النفسية، ما يدفع بالتالي أولياء الأمور للتواصل مع إدارة مستشفى الأمراض النفسية والعصبية تلفونيا لشرح حالة أمراضهم، وأخذ الإرشادات النفسية، وذلك بسبب الوضع المادي ولعدم توفر مراكز نفسية قريبة منهم.
*مستشفى الأمراض النفسية والعصبية
تعرض مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في مدينة تعز للقصف، بحكم موقعه غرب تعز، الذي كانت مليشيات الانقلاب تستخدمه كمخزن للأسلحة وملجأ لها، الأمر الذي جعل المشفى يفقد نصف المبنى الخاص به.
وأفادت مديرة المستشفى افتخار عبدالله قحطان «الأيام» أن "المبنى تعرض للدمار من قبل مليشيات الحوثيين، وبعد التحرير تعرض لنهب الغذاء الخاص بتغذية المرضى بالكامل، من قبل فصائل من المقاومة التي حررت المركز أول مرة".
وأوضحت أنه بعد التواصل مع مكتب الصحة في تعز، وإبلاغهم بذلك تم وضع حلول، وتم إرجاع بعض الأشياء التي نهبت".
وأشارت إلى أن "أبواب المستشفى أيضا تعرضت للخراب، وكذلك الجدران التي كانت تحمي المستشفى انهارت بسبب بعض فصائل المقاومة عندما دخلوا المنطقة وقاموا بتكسير جميع أبواب الإدارة والمباني".
*إمكانيات ضعيفة
وأكدت مديرة المستشفى أن “المستشفى يحوي الكثير من المرضى، ويعاني قلة الإمكانيات وعدم توفر الميزانية التشغيلية فيه".
وأشارت إلى أن "سعة المستشفى السريرية ما قبل الحرب كانت تصل إلى استيعاب 120 مريضا نفسيا وعصبيا من مختلف المناطق في تعز، وحاليا السعة ما بين 50 إلى 60 مريضا، وأن المستشفى يحتوي على قسمين، قسم خاص، وقسم عام".
وفيما يخص المرافق التابعة للمستشفى قالت مديرة المستشفى: “إن ما تبقى هو اثنان من المرافق الشغالة، وبقية المباني تحتاج إلى صيانة وإعادة ترميم، وحتى المباني الشغالة حاليا لا تؤدي الدور المطلوب، كونها دون أبوب ونوافذ، والأقسام غير مؤثثة بالكامل".
مريض يتلقى العلاج النفسي
مريض يتلقى العلاج النفسي

وأضافت: "نحن نعمل بأبسط الإمكانيات، فالمختبر مغلق، والكهرباء لا توجد، غير طاقة شمسية صغيرة لا تكفي، فلم نتمكن من شراء منظومة للطاقة الشمسية، والماء منقطع، ونعتمد بكل شيء على المنظمات الداعمة، (المنظمة الدوائية الدولية) هي المسؤولة عن مدنا بالماء، غير أن المشكلة الرئيسية عدم توفر الأغذية والأدوية بسبب الموازنة التي لم تصل حتى الآن".
*المستشفى مهدد بالإغلاق
وبسبب حالة اللا دولة والوضع المأساوي الذي خلفته الحرب، يصل إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية العديد من المرضى، ولا تتمكن إدارة المركز من استقبال كل الحالات، ومعظم المرضى الذين يصلون إلى المستشفى لا يجدون قيمة الرسوم البسيط المحددة، والتي تصرف للكوادر التي تقدم الخدمات بدون رواتب، وهذه الرسوم تدفع كحافز بسيط فقط، ولبعض الأغراض التي يحتاجها المستشفى".
وأشارت المديرة إلى أن "البعض يعود بمريضه إلى البيت لعدم تمكنه من دفع هذه الرسوم البسيطة، وتعتبر الحالات التي في البيوت أكثر عددا من المتواجدة في المستشفى”.
وبينت أن "المستشفى حاليا يستوعب 65 مريضا، وأن هذا ـ باعتقادها ـ أقل من نصف عدد المرضى المتواجدين في منازلهم".
وأكدت أن "المستشفى في هذه الأيام يقدم الخدمات على قدر إمكانياته، وهناك نظافة جيدة، وتغذية يتم سحبها كسلفة من التجار، وينتظر المستشفى صرف الموازنة الخاصة به نهاية هذا العام حسب وعود الجهات المختصة، وإذا لم يتم صرف موازنة المشفى سوف يغلق".
*موازنة ضعيفة ومديونية كبيرة
وعن ميزانية المستشفى قالت : “إن الموازنة في الوقت الحالي صفر، ونحن منتظرون الحكومة الشرعية التي وعدتهم بدفع 50 % من الموازنة التي كانت تصرف من بنك صنعاء، رغم أن دفع نصف الموازنة سيشكل كارثة بسبب مديونية المستشفى المتراكمة للتغذية والنظافة والأدوية”.
وفيما يخص المنظمات ودعمها بالأدوية قالت: “الأدوية توصل لنا عبر منظمات بكميات شحيحة جدا، وتصرف بقدر الإمكان للمترددين على المستشفى، وأيضا للمرضى المرقدين الخاضعين للعلاج بشكل مجاني”.
مناشدة عاجلة
ووجهت الدكتورة افتخار قحطان مناشدتها الإنسانية ورسالتها إلى جميع المنظمات الدولية والمدنية وإلى السلطة المحلية والحكومة الشرعية وإلى الرئيس هادي قائلة: "إن المريض النفسي يعاني الكثير، ويحتاج إلى الدعم والعلاج والغذاء، ويعتبر وضعه كوضع كجريح الحرب".
وأضافت: "إن المستشفى لم يحصل على أي اهتمام من السلطة المحلية، وحتى إغاثة الملك سلمان لم يصرف منها أي شيء للمستشفى على الرغم من أن المريض النفسي مثله مثل جريح الحرب".
ونابعت قائلة: “جميع الدول ما بعد الحرب يعملون مستشفيات خاصة بمرضى الدعم النفسي، ونطالب الحكومة والجهات المانحة الخاصة بدعم المستشفى بالتغذية والأدوية وتأثيث المستشفى حتى تستطيع استقبال أكبر عدد ممكن من المرضى”.
*كادر دون راتب
أحد الموظفين في المستشفى شكا الوضع المأساوي بسبب عدم صرف رواتبهم من قبل الحكومة قائلا: “نحن مهمشون ولا يوجد من يهتم بأدنى حقوقنا، رواتبنا منقطعة، وأوضاعنا سيئة، ونتمنى الاهتمام من قبل الحكومة والمنظمات الإنسانية".
شوقي علي أحمد، موظف آخر في المستشفى تحدث لـ«الأيام» قائلا: "رغم ما نقدمه من خدمات للمستشفى وللأمراض، والحالات التي توصل إلينا كالحالات السريرية، إلا أننا بدون رواتب وبدون أدنى اهتمام”.
ويضيف شوقي: “ما نحصل عليه من المستشفى هو حافز بسيط نخجل من ذكر المبلغ، غير أن الذي يجعلنا صابرين على هذا الحال هو المرضى الذين يحتاجون خدماتنا في هذه الفترة، وإننا نعاني منذ بداية الحرب".
ويختم حديثه: "لازمنا في المستشفى بأصعب الظروف ونحن موظفون متعاقدون فلا توجد أي جهة مختصة تهتم بنا".
*المقاومة والمليشيا أحد الأسباب
ليست القذائف والرصاص وحدها من تتسببت في هذه الحالات المرضية، بل هناك عدد كبير من الحالات التي تم أسرها وتعذيبها جسديا، طرفا الحرب من المليشيات الانقلابية والمقاومة خلفت المئات من المرضى النفسيين، وفي زيارة قمنا بها إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية وجدنا العديد من المرضى أصابتهم أسواط العذاب والانتهاكات اللا إنسانية في المعتقلات وآثار التعذيب والانتهاك النفسي تبدو جلية على ملامحهم من خلال النظر إلى أجسادهم وصورهم التي تحكي معاناة قاسية تعرضوا لها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى