العام الجديد وأحلام دون كيشوت

> أحمد حسن العقربي

>
أحمد حسن العقربي
أحمد حسن العقربي
اعتدنا في كل عام أن نهنئ بعضنا، ونقول "عام سعيد"، فهل حقا سنضحي بالسعادة وقد تغيرت أخلاقنا الاجتماعية فارتكبنا كل المساوئ: الرشوة والوساطة الانتهازية والأكل الحرام وثقافة السرقة وإفساد الشباب وارتكاب الجرائم المركبة والغريبة على مجتمعنا.
فأصبحنا في كل عام جديد نتبادل عبارات المجاملة والتهاني، كل منا يتفاءل بحياة سعيدة، لكنها بالحقيقة أشبه بحلم من أحلام اليقظة ووهم من أوهام الخيال غير الواقعية.. ففي مطلع كل عام جديد تلوح علينا بالأفق مظاهر التزلف والنفاق، من خلال ما تتصدره المساحات الورقية في صحفنا الرسمية أو الأهلية، وذلك من خلال نشر التهاني للقائمين على مؤسسات الدولة ومرافقها لكسب ود أكبر رجال الدولة ووزرائها لينالوا رضاهم ويضمنوا البقاء في كرسي المسؤولية، أو طمعا في الحصول على ترقية جديدة، وكل شيء بحسابه من خزينة الدولة على حساب عرق ومعاناة وبؤس المواطن البسيط.. وكأنك يا بو زيد ما غزيت!!
أي سعادة نريد ونحن نقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق؟ أي سعادة ونحن جافيو العواطف الإنسانية وننفر من الانتماء والهوية.. وأي سعادة هذه التي نقيّمها على الأساس المادي؟! أي سعادة ونحن نمارس التحايل والخداع، ونعتبره جزءا من الفهلوة والذكاء والشطارة؟ أهذه السعادة التي ننشدها والتي أصبحت تجلب لصاحبها الكثير من المتاعب في عصرنا المادي؟!ّ وكيف نفسر سلبياتنا من النفاق والبغضاء والتشاجر بين الجيران وزرع الكراهية والتعصب والأساليب الأصولية الانتهازية الدنيئة التي تتسلق بالحبال القصيرة طمعا في مغنم، بل إن هناك من يرى أن السعادة هي في عدم الانتماء للوطن، وأن يعيش في مجتمع شرير، وهذه هي الكارثة والطامة الكبرى.
كلا ليست هذه السعادة التي ننشدها مع كل إطلالة كل عام جديد.. بل ما نعرفها نحن - جيل عدن الحالي والوسط والقديم - هي أن يكون الإنسان كريم النفس متمسكا بكرامته وهي أسمى مبدأ في حياتنا، فلا مجد ولا غنى ولا جاه بغير الكرامة، وإن قلنا لابد من الصبر فالصبر على المهانة مذلة، وإن قلنا إنه عمل الخير فأي خير يأتي من حقير لا يستحق كرامة نفسه فضلا عن كرامة سواه.
إن السعادة التي درجنا عليها، نحن أبناء عدن، هي ليست مغنما ماديا وليست جاها أو مركزا نتودد من خلاله بمسؤول فاسد فاقد الانتماء ضعيف الوازع الديني والأخلاقي.. إنما تلك القيم التي ألفناها نحن أبناء عدن لا يتخلى عنها الإنسان بل ويكافح من أجل نصرتها وفي هذا كل السعادة بل وليس أقرب إلى السعادة سوى تمثلنا للمثل الأعلى في الأخلاق التي تسعدك كاسبا أو خاسرا ناجحا أو فاشلا غالبا أو مغلوبا في كل معركة نخوضها ضد الفساد والفاسدين.
وأحيانا نرى الحنين الجارف إلى الماضي الجميل حيث نرى في وجداننا دائما على أنه العصر الذهبي، نتذكره وقد بللت الدموع وجناتنا وغصت القلوب بالألم، نترحم على ما فات وولى وأصبح أثرا بعد عين، ونتمنى لو يعود بأخلاق الشجاعة والشهامة والروح التكافلية والتضامنية وتوخي الأمانة والصدق والصراحة وصلة الرحم والوئام الأسري المجتمعي.
لكن هيهات أن يعود الزمن الجميل بإدراكنا أنما نعيشه اليوم كما يقول المثل الشعبي “بز بالتقليد يفسخ وهو جديد ما يلتبس ليلة العيد” ولنا أسوة في سيد الباكين على ضياع الماضي الجميل (دون كيشوت) ذلك المجنون العاقل الذي خرج ذات يوما مدججا بدرع جديد صدئ ممتطيا صهوة جواد هزيل، محاربا الأشباح وطواحين الهواء، محاولا أن يعيد للعالم أخلاقه التي ضاعت فلم يلقَ السخرية والاستهزاء، ولكنه عاش في ذاكرة ضمير الأجيال بعد الأجيال دليلا ورمزا على الحلم الإنساني المأساوي الضاحك في آن واحد في أسطورة العصر (الذهبي الجميل).
إن السعادة التي نتبادلها في تهاني العام الجديد أصبحت ليس كما يراها السعيد المثالي الذي يعرض نفسه للأخطار والأهوال في سبيل تحقيق المُثل الطيبة والكرامة وهي المثل الأعلى الذي يسعدنا حينا نخسر كما يسعدنا حين نغنم ونظفر لأننا في هذه الحالة يسعدنا أن نخسر كما يسعدنا حين نغنم، لأن ما نفقده نحن على علم بفقدانه بل نحن نختار الفقدان ونفضله على المغنم والظفر ونؤمن بأننا أضعنا شيئا من أجل شيء آخر حفظناه وأبقيناه وهو أعز علينا وأجدر بالصيانة مما ضيعناه.. إنه الوطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى