الحب والدين والفن في شعر القمندان

> محمد فاضل حسين

> أظهرت الكتابات الشعرية والنثرية للأمير احمد فضل محسن القمندان اهتمامة الشديد، وتفكيرة العميق وتأمله في ظواهر الحب، والدين، والفن محاولاً تفسير اسبابها او باحثاً عن نقاط لتوحيد مساراتها وحلول لمشكلات تقاطعها واختلافها.
والبحث في هذه الظواهر قديم الجذور، ترتبت عليه معارك طاحنة بين رؤى دينية ومجتمعية مختلفة ومتناقضة، تركت موروثا ثقافيا ودينيا متناقضا القى بظلاله على مجتمع القمندان، وكان له اثره الواضح في تفكير وثقافة وسلوك شخصية الامير الشاعر القمندان.
وقد حاول القمندان تكوين تصور في هذه الموضوعات الهامة معتمداً على تجربته الشخصية، وتجارب الاخرين المثبتة لديه، وبما لديه من قدرات معرفية وثقافية، وقدم آراء صريحة وشجاعة وصادقة، ويدون تحفظ او خوف، لعل رأيه وموقفه الصريح والشجاع يكون لكل ذي بصيرة مرشدا، ووسيلة لبعث تفكير مجتمعي اكثر واقعية في هذه الموضوعات.
فالحب عند القمندان هو ظاهرة قدرية، تجري النفس البشرية في مجراها بدون ارادة ولا تستطيع النفس البشرية التحكم به.. وفي ذلك يقول:
إن امر الحب فينا كالقدر
ليس للانسان عذر او مفر
ونجده يتحدث عن تجربته الشخصية معترفاً بعدم قدرته على التحكم بنزعة الحب وسيلها الجارف، ومعترفاً بتأثيرها على تصرفاته وسلوكه وأوضاعه النفسية.. فيقول:
معي الجذبة بقلبي والدمندم
وبي مكربب يلهبني لهابة
ويدخل الدين كطرف اساسي في موضوع الحب بما يحل ويحرم، وتدخل العلاقات المجتمعية بما تضع من شروط وقيود طرفاً آخر لا يقبل اهمية وتاثيرا عن الاول، وهنا تبدأ معارك الصدام الناتجة عن الهوة السحيقة بين رغبات وميول واهواء النفس البشرية وبين جملة الموانع الدينية والثقافية والمجتمعية.
والقمندان شاعر مسلم نشأ في بيئة محافظة وتعلم القرآن وحفظه وهو كثيراً ما يبدأ قصائده بذكر المولى عز وجل والصلاة والسلام على رسوله او يختتم قصائده بذلك. بل ونجده يستمد قسماً كبيراً من الفاظه من القرآن الكريم ويستخدم الرموز القرانية، والقصص القراني ويعلم حدود العلاقات المشروعة او غير المشروعة، كما هو واضح من صفحات شعره.
ولكن القمندان يعترف باضطراب وتناقض خطاه بين مجاراة هوى النفس وفتح باب العشق والهوى على مصراعيه وبين نزعة الوازع الديني الذي يضع حداً للمباح والممنوع، هكذا نجد القمندان يتأرجح وتتجاذبه هذه التيارات المتناقضة.
فإذا ما قويت لديه عواصف الشوق والحب نجده يتخلى عن وازعه الديني او يتناساه: "عاد المحبة يا ورش في القلوب.. يمين ما توب"، بل ويذهب احيانا إلى ان الحب خلقه الله فهو مسنون وبدون قيود "القلب ما طاع يقنع والهوى مسنون".
ويتعرض القمندان للنقد بسبب اشعاره من قبل رجال دين متشددين ومن قبل اسرته، ونجده يرد عليهم باللين احياناً "ناديت مظلوم يا دولة ومنهوب * قالوا نعم تب وانا هلع كيف باتوب"، ويرد عليهم احياناً اخرى بالرفض التام والمعارضة الصريحة لافكارهم.
ويرد القمندان الامر كله لله وحدة، فهو خالق الانسان وخالق الحب والدين "ربك على هذا الهوى بايعين” والله وحدة القادر متى اراد ان يبين لنا ما نحن فيه مختلفون.
أما في مجال الفن والموسيقى والغناء فيعرف الكل بان الأمير القمندان لم يكن شاعراً فحسب بل وفنان أبدع أعذب الالحان واطربها، واحب الناس كثيراً شعره والحانه وتغنى بها عدد كبير من الفنانين والعشاق ولا زالت حتى يومنا هذا تهتز لها المسامع وتطرب لها النفوس على مستوى المساحة اليمنية والعربية.
وقد كانت اعظم انجازات الامير القمندان في مجال الفن ظهور المدرسة الفنية اللحجية إلى جانب المدارس الفنية الاخرى باليمن. وقد قدم مع اسرته الرعاية لجيل من الفنانين الكبار وتتلمذ على يده عدد كبير من رواد هذه المدرسة، واستطاع القمندان أن يجعل من الحسيني في لحج مركزاً للنشاط الفني والثقافي والسياحي، في سابقة لم يكن لها مثيل في اليمن بل في الجزيرة العربية، وبسبب هذا النشاط القمنداني تعرض القمندان لحملات ظالمة من قبل رجال الدين المتشددين الذين دعوا إلى تحريم الفن والغناء والموسيقى لأنها حسب وجهة نظرهم مخالفة للشريعة الاسلامية.
وقد تصدى القمندان لهذه الادعاءات وكتب مقالته المشهورة “فصل الخطاب في اباحة العود والرباب” مقدماً الادلة الشرعية التي تدحض ادعاءاتهم وتبين زيفها، وبجانب مقالته هذه تناول عبر صفحات شعره هذه القضية ورد على هؤلاء المتطرفين.
ودعاء القمندان الناس جميعاً إلى حضور جلسات الفن والطرب والرقص لأن القمندان يرى فيها وسيلة من وسائل راحة البال والنفس وتخفيف ما تعانيه النفس البشرية من متاعب، ووسيلة لتجديد طاقاتها، وهذا الرأي القمنداني يؤكد عليه العلم الحديث، بل ودخلت الموسيقى في مجالات العلاج.
يقول القمندان:
ولا تبات الا سامر سلي مشروح
ماشي تحمل في نفسك سفينة نوح
ويقول:
وعندنا اليوم مولى الكبير خايب
ما تعجب الا المغاني والغواني
ما همني قط في حاسد وعايب
قم حرك العود سمعنا المغاني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى