عدن الحب الدفين

> م. رفقي قاسم

>
م. رفقي قاسم
م. رفقي قاسم
عجيب هذا الكلام (حبٌ ودفين!)، كيف يكون هذا، وكيف يلتقي الضدان؟! فالمحبون عادة يظهرون حبهم الصادق وبه يتباهون ولا يكون دفينا إطلاقا، والحقد والحسد هما فقط من صفاتهما الدفن وإخفاء الحاقدين والحاسدين، وما يكمنون ويكنزون في أنفسهم، ومع ذلك واضح بجلاء للعيان، ورسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات".
وكي نبين قصدنا بما قلنا نراه اليوم واضحا وضوح البيان، ما يحدث اليوم في عدن من حبٍ دفين يزعمون ويقولون إنهم يحبون عدن حباً جمًا، ولكن ما نراه اليوم حقيقة بالفعل أنهم يحبونها، وهذا صحيح لا مراء فيه ولا نفاق، ولكن في واقع الأمر إنهم يحبون أراضيها وبحورها وجبالها امتلاكاً واستيلاء وسطواً، وهذا ليس منذ الأمس واليوم، ولكن منذ قديم الزمن!!.
دعونا نعود معا لنقرأ ما كتبه مؤرخو عدن أمثال عبدالقادر بامخرمة وأحمد القمندان وحمزة لقمان وعبدالله محيرز وغيرهم، وكيف وصفوا جميعا غزوات بلاطجة الجحافل والعوالج والعجم وغيرهم، وكيف أمر خليفة رسول الله سيدنا أبوبكر الصديق الصحابيين عبدالله بن عمرو ووائل بن حجر، ملك مملكة حضرموت الكبرى وعدن كانت جزءًا منها، بمحاربتهم وإجلائهم منها وملاحقتهم إلى مناطقهم والقبض عليهم وعلى مشايخهم وسجنهم في سجونها.
وتكرر الأمر مرة أخرى أيام الدولة الأيوبية، وكان والي عدن حينها ثوران شاه، الأخ الشقيق للبطل صلاح الدين الأيوبي رحمهما ربي وغفر لهما، وحصل للبلاطجة المذكورين آنفا، وقد ازدادوا اتساعاً، نفس ما حصل لهم في المرة الأولى من محاربة وملاحقة، وإن كانت هذه المرة إلى مدى أبعد، وايداعهم سجن عدن ثانية، وقد تغيرت الشخوص بحكم فارق الزمن.
وتكررت الغزوات مرات ومرات، لأن عدن، كما هي اليوم، كانت مطمع رغبات الحكام والمشايخ منذ حباها ربي بهذا الموقع، والتاريخ يشهد على ذلك، وبما سجله المؤرخون، وإلى يومنا هذا، ولكن بأساليب وتدابير أخرى متنوعة حسب الظروف والأطماع والجهل.
انظروا اليوم إلى عدن بعشوائية عقول الحاكمين وأغلبية من فيها سكن، وبالذات منذ رحيل الاستعمار البريطاني، حيث كانت عدن جوهرة المدن وثغر البحور الباسم، وتحديدا منذ كارثة وجريمة سقوط طائرة السفراء المثقفين، والكارثة العظمى تأميم المساكن ظاهرها رحمة بمواطني عدن، وباطنها العذاب، فهم مالكون وساكنون، وبدلا من تحديد إيجارات المساكن بالتوافق بين الملاك والحكام إلا أن الدولة أخذت الإيجارات لها، وحرمت مالكي العقارات لتنفيذ مطامعهم القديمة، ولم يكتفوا بذلك، بل بأواخر أيام أفولهم ملَّكوها من لا يملك للمواطنين، عوضا عن إعادتها للملاك حسب قرار التأميم المؤقت ووضع تصور ومقترح بالإيجارت، وبدلا من تعمير الريف وبناء البنى الخدماتية التحتية الضرورية كالماء والكهرباء والمستشفيات والمدارس والطرقات وغيرها من منافع أخرى للنهوض بها وتنميتها، أصبحت عدن قريةً كبرى لم يلمسها من التقدم والتطور غير القليل من الطلاء ليس إلا.
وبعد خمسين عاما من الجلاء، ونظرا لأغراض في نفوس ذئاب البشر وأحقادهم الدفينة نرى اليوم ما نرى من ثقافة الجهل وعشوائيته في عدن بعد أن كانت سيدة المدن وصاحبة المجد، عُد إلى ابن بطوطة لترى عدن كيف كانت وكيف صارت.
وها هي عدن المدينة الوادعة والملاذ الآمن يتخبطها الحقد والجشع والحسد والفوضى من معظم ساكنيها، أما من سكنتهم فهم جميعا عليها في حسرة قصوى وألم.. حفظك ربي عدن، وصانك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى