ذئب البوادي

> بسام الطعان

> كان في رحلة صيد في البوادِي البَعيدة، وحين لمحَ من بعيد شيئًا أسود مرميًّا على الأرض، أسرع باتِّجاهه، ويا للدهشة التي أصابته؛ شاهد رجلاً في العقد الثالث يتخبط في دمائه وغائبًا عن الوعي، فحمله بسرعةٍ في سيَّارته وعاد به إلى بيته، وظلَّ يعتَنِي به إلى أنِ استَعاد صحَّته وعافيته.
سأله: مَن هو؟
• غريب أنا، ولا أعرف أحدًا في هذه المناطق.
سأله عمَّن فعل به ما فعل؟
• ثلاثة رجال هجموا عليَّ وأرادوا قتلي، ولولا أنهم قد ظنوا أنني متُ لما تركوني.
سأله: لماذا حاولوا قتله؟
• كيلا أتعرَّف إليهم؛ لأنهم سلبوا كلَّ أغنامي التي كنت أجوبُ بها المراعي.
سأله عن المكان الذي جاء منه؟
• هناك في البعيد، في أطراف البلد تنامُ قريتي.
سأله لماذا ترك قريته التي تنامُ في أطراف البلد، وحضر إلى هذه المراعي البعيدة عن دياره؟
• إنَّ القحط الذي أصابنا جرَّاء عدم هُطول الأمطار لثلاث سنوات هو السبب.
أسبوع كامل له طعم العسل قَضاه في ضِيافة الرجل الذي أطعَمَه خُبز النَّجاة، وسَقاه ماء التآخِي والأمان، وككلِّ الكرماء وأصحاب النخوة والشهامة والنقاء، طلب منه الرجل أنْ يبقى عنده؛ فهو قد صار واحدًا من أولاده، لكنَّه غسل وجهَه بماء الشوق إلى أهله، عندئذٍ حمَّله بكلِّ ما يحتاجه من مالٍ وطعام، ولم ينسَ أنْ يُقدِّم له مسدسًا عربون صداقة ومحبَّة، وليُدافع به عن نفسه مستقبلاً، وليته نسي ذلك! ثم ضمَّه بين جوانح قلبه ورُوحه، وطلب منه أنْ يصعد إلى السيارة ليوصله إلى قريته البعيدة.
في الطريق رشَّ كلّ واحد منهما ما تيسَّر له من ورودٍ على الآخَر، وبعد أنْ سارَا لمسافةٍ طويلة وأصبَحَا في مكانٍ خالٍ من البيوت والبشر، وضَع الغريب يده اليُسرى على كتف الرجل:
• لا أعرف كيف أشكرك! لقد أنقذت حياتي مرَّتين: مرَّة حين داويت جراحي، ومرَّة حين أدخلتني بيتك وقدَّمت لي الحياة بكلِّ مباهجها.. صدقًا؛ لو كنت أملك أموال العالم كلها لما بخلت بها عليك.
ثم طلب منه أنْ يوقف السيارة ليقضي حاجة، فاستجاب بكلِّ سرور، وما أنْ توقَّفت السيارة حتى أخرج المسدس من جيبه، صوَّبه نحو الرجل الذي ظلَّ مندهشًا، وقال والحقد يلتمعُ في عينيه:
• بما أنَّني لا أستطيع أنْ أقدم لك شيئًا مقابل صنيعك، وبما أنَّني أخافُ أنْ أراك يومًا ما ولا أستطيع فيه مساعدتك، وبما أنَّني سأخجل من ذلك كثيرًا، فالأفضل لي ولك أنْ تموت كيلا أراك ثانية.
بغمضة عينٍ شرِّيرة، وبقلبٍ تلوَّث فجأةً بكلِّ ألوان الجنون، أفرغ كلَّ الرصاصات في جسَد الرجل الذي طارت من حنجرته آهات وحشرجات، ثم خرَّ صريعًا في السيارة.
أيها الناس، الطيبون والسيئون، الصالحون والمفسدون، الصادقون والكاذبون، أيتها الدنيا المليئة بالغَرائب والعَجائب، كيف يُقتَل الكريم وصاحب النَّخوة والشهامة في عرض البراري!
بهمجيَّةٍ ألقى بالجثَّة من السيارة، ثم انطلق بكلِّ ما فيه من سرعة، وظلَّ ينظُر إلى الجثة من خلال المرآة إلى أنِ ابتعد، وظلَّت الشمس تُرسل أشعَّة غاضبة على غير عادتها في مثل هذا الوقت، وكانت طيور كثيرة تُحلِّق فوقَه وتضرب وجوهها بأجنحتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى