الموت المفاجئ مرض يقضي على أشجار المانجو بلحج

> تقرير/ هشام عطيري

> تشتهر محافظة لحج بزراعة المانجو بمختلف أنواعه، وتأتي في المرتبة الأولى على مستوى محافظات الجنوب، وتحتل المرتبة الرابعة على نطاق اليمن بشكل عام مع محافظات الحديدة، حجة، تعز.
وتواجه شجرة المانجو اللحجي أخطارا تحدق بها وتهددها بالانقراض إن لم تتحرك جهات الاختصاص، وتعالج المرض الذي داهم مزارع المانجو في لحج.
الجهات المختصة إلى اليوم وهي تتجاهل المشكلة، وتقف مكتوفة الأيدي ولم تكلف نفسها عناء البحث عن علاج لهذا المرض الخطير الذي ينخر في مزارع المانجو ويؤدي إلى هلاكها، وهذا بدوره يدفع بالمزارعين إلى اقتلاعها من الأرض وبيع جذورها وأغصانها كحطب لإيقاد النار.
وتبدأ شجرة المانجو دورتها في الإنتاج، بحسب المختصين، بداية يناير، وتأخذ ثمارها تسميات مختلفة منها: (سناره طويل وقصير، بمبي، أبو سبعة، ساحلي، مبروكة، تيموري، البايري المورد قبل الثور، وبيض العجل، بالإضافة إلى الأصناف البلدي).
وتوجد في دلتا تبن عشرات الآلاف من أشجار المانجو المهددة بهذا المرض الغريب الذي يصيب العديد من المزارع، مما يؤدي إلى ذبول أوراق المانجو، خصوصا الأشجار المعمرة.
ومن هذا المحورعرجت «الأيام» إلى مزارع المانجو، لتنقل عن كثب المشاكل التي تعكر حياة مزارعي فاكهة المانجو.
المزارع فضل عبدالله الحوشبي، يتملك العشرات من أشجار المانجو في ضواحي الحوطة، قال: "إن ظهور المرض بدأ بعد الحرب الأخيرة مباشرة، وزادت حدته حاليا".
وأفاد بأن "أعراض المرض يستمر لمدة عشرة أيام حيث يؤدي إلى هلاك الشجرة، ويفتك بها، وينتهي عمرها بعد عشرين عاما من عملية الإنتاج".
وأوضح الحوشبي أنه "رغم جهوده الخاصة في شراء الأسمدة والمواد للحفاظ على حياة الشجرة إلا أن المرض لازال يصيب الأشجار، رغم استشارته العديد من المختصين"، لافتا إلى أنه "إذا استمر هذا المرض في الأشجار سيقضي على البستان المزروع بأشجار المانجو بشكل كامل، والذي يقدر عمره بأكثر من ثلاثة عقود".
وهذا المرض يقوم بمنع انتقال الماء إلى مختلف الأغصان والعروق، مسببا جفاف وذبول الأوراق، حتى يصل إلى مرحلة الوفاة الكاملة.

أما المزارع سهيم الوتيدي فقد قام باقتلاع عدد من الأشجار المعمرة في بستانه الواقع بالقرب من منطقة سفيان، جراء إصابتها بالمرض بعد اكتشافه وجود حالة من الجفاف والذبول لأوراق الشجرة.
ويطالب الوتيدي بـ"تحرك الجهات المختصة في وزارة الزراعة لإنقاذ ما تبقى من محصول المانجو، وسرعة إيجاد العلاج لهذه الآفة التي دمرت مزارع المانجو بلحج". موكدا أنه "أبلغ أحد المرشدين الزراعين بهذا المرض، ولكن دون فائدة، وأن الموسم على الأبواب والمشكلة لاتزال قائمة".
عاقل المزارعين محسن أحمد خميس تساءل عن "دور جهات الاختصاص بوزارة الزراعة في هذا الجانب، التي لم تحرك ساكنا بخصوص هذه المشكلة، رغم البلاغات التي تصلهم من المزارعين"، مشيرا إلى أن "المرض الذي يصيب الأشجار يهددها بالانتهاء، ويهدد سمعة محافظة لحج، التي تشتهر بزراعة المانجو، وهذا بدوره سبب خسائر كبيرة تستدعي تحرك كل الجهات لإنقاذ زراعة المانجو، كون كل شجرة تشكل مصدر رزق لمئات من المزارعين".
في دراسة أعدها أ.د. عاطف محمد إبراهيم، كلية الزراعة - جامعة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية قال فيها: عادة ما تهاجم العديد من الحشرات أشجار المانجو مثلها مثل أي محصول آخر، ويكون الهجوم باثنتين أو ثلاث آفات حشرية رئيسية والعديد من الآفات الحشرية الثانوية بأعداد كبيرة في بعض الأحيان، خاصة في المناطق التي تنمو وتزدهر بها.
و من بين أكثر من 260 نوعاً من الحشرات والفراشات التي أمكن إحصاؤها كآفات أساسية وثانوية تهاجم أشجار المانجو وجد أن نحو 87 آفة منها تهاجم الثمار وتتغذى عليها وحوالي 127 تتغذى على الأوراق و36 تتغذى على النورات الزهرية، و33 منها تثبط البراعم، و25 أخرى تتغذى على الأفرع والجذع.
د. نجيب أحمد محسن، اختصاصي أمراض نبات، يؤكد في تقريره بأن المرض الذي يداهم أشجار المانجو مرض عام يتكون من مجموعة من الأمراض الفطرية بالذات، وهذا المرض أصاب أشجار المانجو، ويحدث في جميع دول العالم ويؤدي إلى تدهور هذه الأشجار، وتذهب مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بأشجار المانجو.
يقول الدكتور نجيب: "إن هناك ثلاثة أمراض رئيسية تصيب المانحو وتقضي عليها، وهو مرض التشوه الذي يحدث للأوراق والإزهار والأفرع في الشجرة، وحتى للثمار، ومرض آخر يؤدي إلى موت الأطراف وموت الشجرة من الأعلى إلى الأسفل، والكارثة الكبرى أن هناك الكثير من المشاكل التي تواجه الفلاحين، وهو أن الشجرة تصاب بمرض من أسفل في المجموع الجذري يودي إلى جفافها خلال فترة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، وهو مرض يسمى بالموت المفاجئ".
وأكد أن "هذه الأمراض إذا اجتمعت كلها قضت على بستان المانجو، وفي كثير من دول العالم يسمى هذا المرض بـ(تدهور الشجرة)، حيث تتعرض لعوامل بيئية ومرضية مسؤولة عنها عوامل فطرية"، لافتآ إلى أن "درجة الملوحة في التربة والمياه هما العاملان الرئيسيَّان لوجود هذه المسببات المرضية، مما يؤدي إلى تدهور هذه الأشجار".
ويوصي الدكتور نجيب الفلاحين قبل زراعة أشجار المانجو على “ضرورة التأكد، عن طريق الفحوصات العلمية، من مدى ملائمة التربة لزراعة الشجرة من خلال دراسة ملوحة المياه في المنطقة، وهل كانت الأرض تروى بمياه السيول، فإذا كانت تروى بمياه السيول فإن الضرر سيقل في الكثير من البساتين، لأن مياه السيول توجد فيها مواد غنية تساعد على زراعة الشجرة وريها بشكل طبيعي".
وينصح اختصاصي أمراض النبات الفلاحين بأن “يتبعوا برنامج مكافحة شامل، وليس مكافحة لغرض رعاية هذه الشجرة ابتداء من يناير حتى ديسمبر في كل عام ، وهذا البرنامج يتراوح بين التسميد وإعطاء مبيدات مواد قاتلة للمكروبات أثناء مراحل النمو والإثمار والتهيئة للموسم القادم".
وكشف بأن "المرض يشكل خطورة كبيرة، قد تنتهي بسببه الكثير من البساتين، وما يحصل في مزارع لحج هو خير دليل على كل المعلومات التي ذكرناها”.

ويحمل د.نجيب المزارع مسئولية تدهور أشجار المانجو قائلا: "إن المزارع يهتم عند نمو الثمار ويهمل الشجرة بعد انتهاء الموسم، والصواب هو أن تربية الشجرة تبدأ من مرحلة الشتلات حتى إلى هيكل معين"، منوها إلى أن “ما يحدث للمزارعين من تدهور أشجار المانجو ليس سببه ضعف الإرشاد الزراعي، ولكن الفلاح هو من يتحمل مسئولية العمل الزراعي".
محمد الشاطري، ناشط مدني ومزارع يبحث عن جهة تقوم بتحديد أسباب المرض واكتشافه معمليا ومطابقته بالمشاهدات الحقلية، أشار إلى أن "بعض المهتمين في قسم الوقاية سواء في إدارة مكتب الزراعة أو كلية ناصر للعلوم الزراعية لم يتمكنوا من الوصول إلى فرضية حول أسباب المرض وطرق علاجه، بل كل جهة تضع فرضية معينة، والقيام بعزل المسبب المرضي يحتاج لإجراءات مدروسة، منها النزول إلى أكثر من عشرة مواقع وأخذ عينات من الأشجار والتربة بدرجات متفاوتة من الإصابة، والمزارعون لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف، والجمعيات الزراعية في سبات عميق”.
وبين الشاطري أنه "تواصل مع بعض المهندسين الزراعيين والمختصين في الحديدة وجمهورية مصر، وأرسل لهم معلومات ودلائل عن المرض، وعددا من النتائج المجهرية، وأغلبهم أكدوا أن إصابة أشجار المانجو ناتجة عن عدة أنواع من الفطريات تهاجم الشجرة في نفس الوقت، عن طريق ردات فعل من أنسجة النبات تجاه السموم التي تفرزها تلك الفطريات، والتي تؤدي غالبا إلى انسداد لأوعية الخشبية وبعدها موت الأفرع ويليها النبات".
وقال الشاطري: "إن أغلب المهندسين الذين تواصل معهم داخليا وخارجيا قدموا له النصائح، ويبحثون عن جهة تقوم بمهمة تشخيص الإصابة وإصدار توصيات المكافحة، لكي يتم فتح التقرير بالجهات المختصة باب البحث عن وسائل دعم ومساعدة المزارعين".

وأضاف: "والموضوع لا يرتبط بالمبيدات فقط، بل إن هناك أسمدة ومخصبات، لأن عوامل الإجهاد للأشجار تساعد على سرعة انتشار المرض في الشجرة، وهناك نوع من المبيدات المقترحة غير متوفر في الأسواق المحلية، وكذلك أسمدة العناصر الصغرى المركزة، ويعاني المزارعون من نقص في الخبرة باستخدام عملية الحقن للمبيدات والأسمدة في أنظمة الوقاية، والمزارع بحاجة إلى تدريب لتطبيق هذا الأسلوب، ونحن نعرف أن كل تلك الأمور تحتاج إلى تكاتف وجهود وتكاليف".
أما م. الزراعي خالد الدربي قال: "قمنا بالنزول لإحدى المزارع لأخذ عينة مصابة من جذوع وأفرع أشجار المانجو المصابة بهذا المرض، وعينات من التربة من تحت الأشجار المصابة، وبفضل تضافر جميع المختصين في قسم (وقاية نبات) من اكتشاف خمسة أمراض ظهرت كمستعمرات في بيئة الأشجار، وأخذت عينة من الأجزاء المشار إليها أعلاه، وتم فحصها تحت المجهر الكهربائي، وسيتم عزل كل مستعمرة على حدة، وزرع كل مستعمرة منفردة لتحديد المسبب المرضي من كل مستعمرة من الخمس المستعمرات التي ظهرت مختبريا، ويجري عليها عدة اختبارات في العزل وتربية كل مستعمرة حتى تظهر النتائج بحسب إمكانيات الكلية البسيطة".
بدورها م. وفاء أحمد ناصر، مدير إدارة الوقاية في مكتب الزراعة، تقول: "إنهم تلقوا بلاغات من قبل المزارعين حول تعرض أشجار المانجو للمرض في دلتا تبن، حيث تم النزول إلى بعض المزارع وعمل مشاهدات ميدانية ولا نستطيع أن نؤكد أسباب المرض، بحكم أن أشجار المانجو تتعرض لتأثيرات كثيرة".
وأشارت إلى أن "المرض قد يكون ناتجا عن ظروف بيئية أو مسبب فطري”، موضحة أنهم "لاحظوا أن الأشجار التي تروى بالسيول كانت أكثر حيوية من الأشجار التي يتم ريها بالمياه الارتوازية، إضافة إلى الإجهاد الذي يصيب الشجرة".
وطالبت بـ"وجود برنامج مسح بالتعاون مع العديد من الجهات الحكومية، لتوفير الإمكانيات للنزول لدلتا تبن، كونهم قاموا بالنزول إلى مواقع قريبة فقط، لغرض المقارنة وأخذ عينات من التربة".
أشجار المانجو مهددة خلال هذا المؤسم بتدهور انتاجها، وهو ما اعتبره بعض المزارعين موسما سيئا لهم، مطالبين بسرعة تدخل الجهات لحل مشكلتهم وتقديم المساعدة حتى لا تنتهي بساتين المانجو التي تشتهر بها محافظة لحج.
تقرير/ هشام عطيري

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى