المرأة في شعر الأميـــر القمندان

> محمد فاضل حسين

> كانت المرأة موضوعاً أساسياً من الموضوعات التني تناولها شعراء العاقبة في اليمن قبل ظهور القمندان. وكانت معظم الكتابات الشعرية لا ترى في كائن المرأة إلا النقص، ولا تضعه إلا في منزلة الاحتقار والذل والضعف، ولا تقيم له وزناً، ولا تقدر له أهميه، ولا تحترم له رأياً أو مشاعراً، وهذا الموقف السلبي إنما يعكس واقع المجتمع بما ساد فيه من رؤى ثقافية وعادات وتقاليد وعلاقات اجتماعية متخلفة وظالمة. وعلى شاكلة هذا المجتمع جاء مجتمع القمندان لا جديد فيه إلا ما حقق الآخرون خارج حدوده.
وبالعودة إلى ديوان الأمير القمندان نجد أن المرأة كانت ضمن موضوعات شعره الأساسية، وجاءت أشعاره مناصرة لحقوق المرأة، مبيناً أهميتها وعظمتها وقدراتها، داعياً إلى حسن معاملتها واحترامها.
ففي قصيدة القمندان البدرية (ص20 / 21 / من الديوان) نرى القمندان يبين ما تمتلك المرأة من قدرات منحها لها الخالق: الجمال، الأنوثة، الجاذبية، اللطف، الرقة.. إلخ. هذه المميزات هي سلاح المرأة تنتصر به في ظروف هذا المجتمع الذكوري الظالم.. وبهذا السلاح العجيب استطاعت المرأة أن تخضع كبرياء الذكور وغطرستهم وتعاليهم مهما كانت درجات سموهم. فالذكور جميعاً أباطرة وزعماء وملوك وقادة ورجال دين وبسطاء وقبائل.. إلخ، يخضعون للمرأة ويحاولون كسب ودها ورضاها، ويبذلون في هذا السبيل أموالهم وممتلكاتهم من أجلها.. وهنا تتضح أهمية المرأة وعظمتها وقدراتها على منح السعادة أو الشقاء للجنس الآخر.
يقول القمندان: (ص21)
حكمت والخيل في الصف مئين داخل المجراد
وتذلل للهوى الهيفاء لينين باش بترو جراد
لم يلاق ولملم منها معين فاستوى كمراد
وصف الطار قواها وطنين قلت أنا آمين
في هذه الأبيات يوضح القمندان كيف يخضع للمرأة زعماء كبار مثل لينين، زعيم الشوعيين في روسيا، ويدعي إلى حريتها (ولهلم) أمبراطور ألمانيا أثناء الحرب الأولى. وكيف تمجد المرأة صحيفة (الطار) الفرنسية التي كانت تصدر أثناء فترة الحرب العالمية الأولى. وفي بقية المقاطع يبين كيف تخضع لها كل بيوت وقبائل لحج، ولهذا لم يجد نفسه إلا أن يقول كلمة (آمين).
بهذا الأسلوب من الإقناع القائم على الدليل القاطع نجد القمندان في قصيدة البدرية وفي قصيدة (نجيم الصباح) أيضاً يحاول تغيير وجهة نظر مجتمعة تجاه المرأة، ويحاول دحض كل التصورات الخاطئة والتقاليد الظالمة، ونزعات إذلالها وتحقيرها والانتقاص منها.
وبناًء على هذه القناعات التي توصل إليها القمندان نجده في كل أشعاره يستخدم ألفاظ التعظيم لمحبوبته، ويرفع من شأنها وقدرها إلى درجات عالية تصل أحياناً إلى حد التقديس.
يقول القمندان عن المرأة في قصيدته أسيل الخدود: (ص87)
ضياء الوجود يابدر شعباني على كل موجود
وطبعك يسود يمين لولا الشرك لا قول معبود
وفي معظم قصائده الأخرى نجده يخاطبها بلفظ سيدي ولا يستحي أن يقول إنه عبد لمحبوبته وخادم لها وملبٍ لطلباتها.
يقول القمندان: (116)
قل لي ليشي يا سيدي طبعك ليش صبح مقلوب
قل لي أيش جرى مني سامحني وأنا باتوب
إن هذا التواضع لشاعر كبير وأمير وحاكم إنما يعكس ثقافة معاصرة تحترم المرأة وحقوقها كإنسانة.. وتكمن أهمية هذا الرأي والتوجه لدى القمندان في ريادته في إطار مجتمع قبلي متخلف..
وجه القمندان عبر أشعاره الغزلية الأخرى إلى إقامة علاقات حب مخلصة، فعلاقات الحب المخلصة هي الخالدة في وجهة نظره “شف كل شيء ما سوى جبر المحبين فاني”، ودعا إلى بند سلوكيات الهجر والجفاء والنسيان، والتنكر وتقلب الطباع.. ودعا إلى احترام الحبيب وبذل كل شيء من أجله، والحفاظ عليه، والوفاء لعهوده، والتسامح معه بكلما يحدث من خلاف أو شقاق، وعدم القبول بالتنازل عن المحبوب مهما كانت الظروف.
بعد الأحبة ولو راحوا جزائر واق.. ما قصدي إلا الوفاق يمين ما رجع وميثاق
ما اترك الزين لو با يحشدوا لي يفاعة * واعمد الحيد عند اهل النكف والمناعة
ووجه إلى ضرورة أن تقام علاقات الحب والزواج بالاعتماد على مبدأ القناعة والرغبة بالآخر، رافضاً العلاقات القائمة على أساس الإكراه والقوة والإيجار والإغراء، بل وحذر من مخاطرها.
وهكذا نجد أن القمندان قد بث عبر أشعاره الغزلية أخلاقيات كريمة وأصيلة، تنتصر للمرأة، واستخدم فنه وشعره وسيلة لإقناع الآخرين ووسيلة للتمرد على كل العادات والتقاليد والأفكار المتخلفة الظالمة للمرأة.
محمد فاضل حسين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى