هوامش على كتاب (جنَّة الأشعار) في الشعر الغنائي اليمني

> مختار مقطري

> النفط نار واحتراق، وكذلك الشعر، لكن نار النفط تتلف ماتحرقه وتأكله أكلا، ونار الشعر تهذب النفوس وتحييها، وكلاهما طاقة، الأول يحرك الآلة الصمّاء، والثاني يحرك الوجدان ويهزه هزاً.
هكذا مضيت أحدِّث نفسي، بعد تصفحي لكتاب رائع المحتوى، أنيق المظهر، عنوانه(جنّة الأشعار- في الشعر الغنائي اليمني) (الجزء الأول) لصاحبه الأستاذ محمد أبوبكر(البكري)، كبير المحاسبين بشركة مصافي عدن، اهداني نسخة منه، صديقي الفنان الكبير عوض أحمد.
ومحتوى الكتاب هو الشعر الغنائي اليمني، إذ جمع فيه صاحبه النصوص الشعرية لعدد كبير من الأغاني اليمنية (أكثر من 500 نص غنائي)، مما يجعل الكتاب إضافة جديدة للمكتبة الفنية اليمنية.
والنصوص مرتبة، في الكتاب، بحسب ترتيب الحروف الأبجدية، وليس بحسب الحجم الأدبي والفني للشاعر أو الملحن أو المطرب، وهذا رائع، لكنه نتيجة عمل شاق بذله صاحب الكتاب.
وفي صفحة الغلاف الأخيرة، تعريف بالأستاذ محمد أبوبكر (البكري) صاحب الكتاب، حاصل على المركز الأول في كلية الاقتصاد(جامعة عدن عام 1989/1988)، ولذلك يزدحم التعريف بمسميات محاسبية، فأي شأن بالشعر والغناء، لرجل تستهويه الأرقام والموازنات والميزانيات والحسابات الختامية، ثم نكتشف العلاقة بين الاثنين، في المقدمة التي وضعها للكتاب، صاحب الكتاب، ففيها لم يدّعِ أنه شاعر، لكني أكاد أجزم أنه كتب ويكتب الشعر، فالعلاقة بينه وبين الشعر بدأت منذ كان طفلاً بالمرحلة الابتدائية، فهو يذكرنا بأشياء جميلة لا يعرفها اليوم تلاميذ الابتدائية، مثل الشريط الملون الذي يوضع على كتف كل طالب، لتمييز طلاب الفصل الواحد، والنشاط الرياضي والأدبي والفني في الطابور الصباحي، حيث يتم الاختيار العشوائي للطالب الذي يقرأ سورة قرآنية، وآخر ليقرأ قصيدة، وآخر ليغني أنشودة، وخوفاً من الإحراج، اضطر الطفل محمد أبوبكر لحفظ آيات من القرآن وأبيات من الشعر، وبالتدريج بدٱ يعشق الشعر الفصيح والعامي، وأنا وهو مولودان في العام ذاته(1958)، وقد بدأت أعرف أسماء شعراء في سنة أولى ابتدائي، فقد كان للفصول أسماء شعراء مثل المتنبي وابن الرومي وحسان بن ثابت وغيرهم، ولذلك بدأت علاقتنا بالشعر مبكرا، فعشقنا المدرسة، وكنا شطارا، أو كما يقول صاحب الكتاب في مقدمته(لأن في ذلك الزمان لا مجال للبلاهة أو البلادة وأي تقصير أو فشل يلتصق بالمرء كعار عليه يلازمه طيلة أيام حياته)، وأنا أرجو من وزارة التربية إجراء مقارنات، لتعرف لماذا كان الكثيرون منا شطارا، وكثير من تلاميذ هذه الأيام غير شطار، مشيرا إلى أن ظهورنا لم تكن تنوء بحمل حقائبنا المدرسية، لأنها لم تكن مشحونة بالكتب الدراسية الثقيلة، فقد كنا نضعها في دولاب خشبي موجود داخل الفصل، قبل مغادرتنا المدرسة.
ووفاء لكل الشعراء الذين أسعدوه بفنهم الجميل، وحفظ منه الكثير، كما يقول الأستاذ البكري، قرر أن يضع هذا الكتاب، وما أجمل الوفاء للشعر والشعراء، يقول صاحب الكتاب (وعرفانا بعظمة بعض الشعراء، وكي لا يتم نسيانهم وكأمانة في أعناقنا بتذكرهم قررت أن أقوم بتجميع بعض أعمالهم الشعرية في هذا الكتاب)، فهو الوفاء إذن، على أن الوفاء غالب في هذا الكتاب، فهو يُفتتح بكلمات شكر جميلة لعدد من قيادات شركة المصافي، قدموا له الدعم، وفي مقدمتهم د. نجيب منصور العوج، المدير التنفيذي لشركة مصافي عدن ورئيس لجنة الخدمات لخليجي(20)، وعدد آخر أسهموا في طباعته وتنسيقه ومراجعته وإخراجه إلى حيز الوجود، بالإضافة لرسالة شكر رقيقة وقصيرة، لكنها كبيرة المعنى للأستاذ الفنان عبدالقادر أحمد قائد، الذي بحث مع صاحب الكتاب، عن كلمات من الأغاني اليمنية خاصة القديمة منها. ومن رسائل الشكر الجميلة رسالة شكر خاصة للشيخ أحمد صالح العيسي، رئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم (والذي لعب دورا فاعلا وكبيرا في إنجاح إقامة دورة خليجي (20) في عدن)، وله (خدمات جليلة وأعمال باهرة خدمة للرياضة والثقافة في اليمن)، وقد تزامن صدور الكتاب مع إقامة هذا المهرجان الكروي الكبير.
وفي الصفحات الأولى من الكتاب فقرات جميلة مكتوبة بكلمات رقيقة وأسلوب أقرب إلى الشعر، يقول صاحب الكتاب في الإهداء "إلى اليد الحانية التي أجفف بها عرق المسير، إلى ملهمتي في شتى مجالات ونواحي الحياة، إلى هواة الشعر وعشاقه)، وفي فقرة “لمن هذا الكتاب” يقول إن الكتاب ليس لمن يقرأ أو يجيد القراءة وليس للمثقف العربي، بل إن هذا الكتاب “وضع خصيصا لكل من يتذوق ويهوى ويعشق الشعر بهوس وجنون"، وحسبنا ما فعل صاحب الكتاب، عندما ابتعد وأبعدنا معه عن تفلسف المثقفين وهذيانهم.
وفي فقرة "ليس للبيع" يؤكد صاحب الكتاب أن كتابه ليس للبيع، لأن الهدف منه “مسح غبار السنين عن ما خطه وصاغه ورواه وأنشده ولحنه وغرد به العباقرة والمبدعين في مجال الشعر، وهذا أقل وفاء بالإمكان تقديمه لهم إذ إن نسيانهم يعد خطأ فادحا لا يُغتفر”، وقد اتسعت دائرة الوفاء هنا، فقد شملت الشعراء والملحنين والمطربين، وبالتالي الموسيقى اليمنية والغناء اليمني، والجمهور كذلك، الذي لن تقدر، سوى قلة قليلة، على شراء الكتاب. كتاب (جنة الأشعار) فكرة وإعداد شاعر وفنان، سرقته الأرقام والمعادلات الرياضية، واستبقته المحاسبة لنفسها، لكنه لم ينس أنه شاعر وأنه فنان، وفي الكتاب دليل دامغ على ذلك، يؤكد أن صاحبه مزج بين الشعر وبين المحاسبة، ولكن لصالح الشعر، لغة النفوس التي يطهرها الفن ويغسلها الجمال، فهنيئا للشعر وهنيئا للمحاسبة معاً، وهنيئا كذلك للموسيقى اليمنية والغناء اليمني.
مختار مقطري

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى