رجــــال في ذاكــــرة التـاريـــخ.. 1- محمد أحمد البيضاني.. الضابط والمؤرخ الذي فارقنا في قاهرة المعز 2- سعيد علي عولقي.. مشوار طويل من الإبداع أنهاه بالعزلة

> نجيب محمد يابلي

> 1- محمد أحمد البيضاني
*الميلاد والنشأة
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي

دخلت حافة القاضي في كريتر (عدن) التاريخ مع مدينة عدن من أوسع أبوابه كحي عامر بالحضرية والحضارية، ذلك أنها (أي حافة القاضي) احتضنت أربعة مكونات أو تنظيمات سياسية:
1 -الاتحاد اليمني بزعامة أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري 2- رابطة أبناء الجنوب بزعامة السيد محمد علي الجفري وشيخان الحبشي 3- حزب الشعب الاشتراكي بزعامة عبدالله عبدالمجيد الأصنج 4 - الاتحاد الشعبي الديمقراطي بزعامة عبدالله عبدالرزاق باذيب.
وفي حافة القاضي كانت ولادة محمد أحمد عبدالله ناصر الشيبه البيضاني عام 1943م، ونشأ كأقرانه من الشباب الكريتريين العدنيين بداية من الكتاب (المعلامة) حيث قرأ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وتلقى مرحلتي تعليمه الابتدائي والمتوسط في كريتر وانتقل بعد ذلك إلى المعهد الفني Technical lnstitute بالمعلا الذي أنشأه على نفقته رجل الأعمال الفرنسي الشهير انتوني بس (A.Bess).
*البيضاني في شرطة الزمن الجميل
التحق محمد أحمد البيضاني بشرطة عدن في العام 1962م، وكان من فرسان شرطة عدن: حامد خان وعبدالهادي شهاب وعبدالملك عبد الستار وصالح عبدالله العقربي وأحمد جامع وهيثم عبدالله ميسري وعلي قايد علي والسيد محمد الغرباني والسيد محمد علي إسماعيل وإبراهيم رمضان وقاسم محمود وزكي حسين ومحسن بلال وفيصل قائد وسعيد سالم أحمد وأحمد قائد علي وثابت محسن ومحمود عايش وعلي سعيد سيف وفضل أحمد خليل وهاشم عبدالله سيف وأنيس نورجي ومحمد عبدالله زيد وعلي ورسمة.
التحق محمد أحمد بيضاني بمدرسة تدريب ضباط الشرطة وتخرج برتبة ملازم ثاني، وتنقل بين أهم أقسام الشرطة وترقى إلى رتبة ملازم، وارتقى درجات السلم إلى رتبة نقيب والتحق بعدة دورات في السلكين: سلك الشرطة المدنية Civil Police والشرطة المسلحة Armed Police.
*البيضاني رائد في تدريب المجندات
مثلما كان محمد أحمد بيضاني ضمن أول دفعة من خريجي كلية عدن العطرة الذكر الذين التحقوا بشرطة عدن كذلك كان البيضاني أول مدرب يقوم بتدريب المجندات، وكانت أول دفعة تتخرج من التدريب عام 1965 وكانت التجربة رائدة على مستوى الجزيرة العربية..
عمل محمد أحمد بيضاني ضابط اتصال بين الجيش البريطاني وقوة شرطة عدنAden Police force برتبة نقيب Captain في إدارة الأمن المشتركة، وسجل العديد من الأحداث التاريخية خلال مرحلة الثورة وأوردها في كتاب قادم (من تأليفه).
*البيضاني وحق اللجوء السياسي قبل الاستقلال
كان قدر الإنسان في عدن قبل الاستقلال وبعده عدم الاستقرار وعبر المناضل الوطني الكبير محمد سعيد باشرين عن ذلك عندما قال على الملا: ناضلنا ضد الإنجليز إلا أننا غادرنا قبلهم.. ويشاركه في ذلك محمد أحمد بيضاني عندما غادر عدن قبل الاستقلال وحصل على حق اللجوء السياسي في كوبنهاجن، عاصمة الدنمارك، وخلال فترة منفاه سافر إلى عدد من البلدان وكان من اوائل الواصلين إلى دبي عام 1969 حيث عمل فيها.
*البيضاني بين حل وترحال وما لذة العيش إلا بالتنقل
غادر محمد أحمد بيضاني إلى جدة بالمملكة العربية السعودية عام 1974م ليستقر به المقادم هناك ذلك انه عمل في القسم التجاري في سفارة أستراليا كمدير تسويق تجاري، وفي العام 1982 أرسل القسم التجاري بالسفارة الاسترالية بموظفه محمد أحمد بيضاني إلى أستراليا حيث التحق هناك بدورة تدريبية مكثفة في التسويق التجاري وزار كل ولايات استراليا وحصل على دورة خاصة في مجال التجارة الاسترالية ومجال القمح.
*البيضاني في هجره ثانية إلى دبي
غادر محمد احمد بيضاني جدة إلى دبي في هجره ثانية عام 2000 وعمل فيها حتى العام 2006م وخلال تلك الفترة شرع البيضاني في كتابة تاريخ عدن الاجتماعي والسياسي باعتباره شاهداً أو أحد شهود العصر الذين عايشوا كل الأحداث الهامة.
*دمشق والقاهرة آخر محطتين في مشوار البيضاني
في العام 2010م شد محمد أحمد بيضاني الرحال من دبي إلى دمشق، العاصمة السورية، حيث واصل فيها الكتابة لمدة سنتين وانصبت كتاباته في اتجاهين: كتابة تاريخ الكفاح المسلح في الجنوب عامة وعدن خاصة، حيث سجل كثيراً من الأحداث التاريخية الهامة في كتاب قادم أسماه (عدن ومذابح الجبهة القومية).. وبحسب «الأيام»: «سيحتوي الكتاب على سرد مفصل ودقيق لروايات وأحداث واقعية عاشها الكاتب وهي أحداث تنشر للمرة الأولى للرأي العام...».
أما الاتجاه الآخر الذي كتب فيه فقد كانت قضايا سياسية واجتماعية اختزلها الكاتب في يوميات على لسان «الحجة فطوم» باللهجة العدنية.
وفي العام 2012م انتقل محمد أحمد بيضاني إلى قاهرة المعز ليستقر فيها ليواصل كتاباته ويتفرغ لعلاجه، حيث تم ترقيده في أحد مشافي القاهرة لمدة شهر واحد، وبعد صراع مرير مع المرض فاضت روح الضابط السابق والكاتب والمؤرخ العدني محمد أحمد عبدالله ناصر الشيبة البيضاني يوم السبت 6 يناير 2018م، عن (75) عاماً، وكان الرئيس علي ناصر محمد في صدارة المعزين بوفاته.
2- سعيد علي عولقي
*الميلاد والنشأة
سعيد علي عولقي من مواليد الشيخ عثمان (عدن) عام 1946م وتلقى دراسته الابتدائية والمتوسطة في عدن وواصل دراسته في مدرسة التدريب التابعة لجيش محميات عدن APL ومن زملاء دراسته اللواء علي عوض واقص (أبو خالد). كانت تلك المدرسة تعرف بالجناح الثقافي وكان من مدرسيها أحمد عبيدو، وولده إبراهيم أحمد عبيدو، ومحمد أحمد مقبل، وأحمد محفوظ عمر، وعثمان عسيري.
إلا أن العزيز على قلوبنا سعيد عولقي أفادني في وقت سابق على إعداد المادة بأن مدرسة الأولاد، التابعة للشؤون الاجتماعية، (واحدة في الشيخ عثمان والأخرى في كريتر)، وكان المسؤولان عن مدرسة الأولاد في الشيخ عثمان الراحلان أحمد الخضر محسن ومحمد غالب، وتميزت تلك المدرسة بفاعليتها الكبيرة من زاويتين: «غذاء العقل» وتمثل ذلك في صفوف دراسة بالغة الجودة، و«غذاء الجسم» وتمثل ذلك في رياضة كمال الأجسام والملاكمة والكرة الطائرة وتنس الطاولة.. وقال لي سعيد عولقي إن من زملائه طه أحمد غانم (المحافظ سابقاً) وعبدالله عبدالكريم (التربوي والشاعر الغنائي لاحقاً).
*سعيد عولقي وآه يا زمن مكتبة «ليك»
حدثني سعيد علي عولقي عن ذكرى غالية وهي ذكرى ارتباطه وولعه وشغفه بمكتبة «ليك» Lake Library، وكان دائم التردد عليها لخصوبة رفوفها بأمهات الكتب والروايات والمسرحيات، ونهل سعيد عولقي الكثير من مكتبة «ليك» التي عُرفت لاحقا بـ«مكتبة مسواط»، وفجأة تتمزق نياط قلب سعيد عولقي وهو يحدثني عن مخزون مكتبة «ليك» الذي انتقل إلى المكتبة الوطنية التي أنشأتها دولة الكويت وتعرضت للنهب من قبل بلاطجة في أحداث عام 2015 وأفرغت من كل محتوياتها.
*سعيد عولقي من مؤسسي فرقة الجنوب للمسرح
مجلة «التواصل» (من إصدارات جامعة عدن) ورئيس تحريرها د. أحمد علي همداني، ومدير تحريرها د. مسعود عمشوش، وسكرتير تحريرها أ. علي عبده الدوش، وأعضاء هيئة تحريرها: أ. عبدالله فاضل فارع ود. عبدالمطلب جبر وأ. محمد سعيد شكري ود. شيرين ياسين يار.
خصصت هذه المجلة العلمية المحكمة عددها الصادر في يوليو 2002م ملفها للأستاذ سعيد علي عولقي، وافترش الملف الصفحات من 170 حتى 256 (86 صفحة) ورد فيها أن سعيد عولقي بدأ كتاباته الفنية والأدبية منذ العام 1965 وهو نفس العام الذي شارك فيه سعيد عولقي كعضو مؤسس في تكوين (فرقة الجنوب للمسرح) ثم كعضو مؤسس لـ«فرقة المسرح الحديث» في العام 1966م.
*العميد باشراحيل يفتح صدره وصحيفته لسعيد عولقي
بدأ سعيد عولقي كتاباته الأدبية والفنية بمساهمات متنوعة في مجلات «أنغام» و«الغد» و«الفنون» و«الحياة» وصحف «الأيام» و«فتاة الجزيرة» و«المستقبل»، وقال لي سعيد عولقي: حثني العميد محمد علي باشراحيل على الكتابة في «الأيام» مرتين أو ثلاثا في الأسبوع لأن «الأيام» يومية.. وقال لي: لا توجد لدي اهتمامات في السياسة وإنما في الأدب والفن لأنه «اللامنتمي»، ويذكرني بكولين ولسن البريطاني.
*سعيد عولقي في الحقل الصحفي
عمل سعيد عولقي في الحقل الصحفي كمحرر صحفي بصحيفة «14 أكتوبر» اليومية منذ عام 1970 حتى عام 1978 وشغل مسؤولية مشرف بقسم التحقيقات بالصحيفة ونشرت له بالإضافة إلى كتاباته في صحيفة «14 أكتوبر» العديد من المساهمات في المجلات الأدبية والفكرية منها (الحكمة) و(الثقافة الجديدة) و(التربية الجديدة).
انتقل سعيد عولقي إلى العمل في وزارة الثقافة والسياحة عام 1978، وأسس قسم الأبحاث والدراسات المسرحية وعمل رئيسا له حتى عام 1979 وعمل في هذا العام في دائرة التأليف والترجمة والنشر في وزارة الثقافة والسياحة رئيساً لقسم التأليف.
*سعيد عولقي مع الفنون و«اتحاد الأدباء»
شارك سعيد عولقي في تأسيس وإصدار مجلة «الفنون» عن وزارة الثقافة والسياحة في بداية عام 1980 وعمل مديرا لتحريرها في بداية صدورها.
انتخب سعيد عولقي في عام 1978 رئيسا لاتحاد الادباء والكتاب اليمنيين (فرع عدن) وأصدر عنه مجلة «المنارة» ورأس تحريرها خلال الفترة (1987 / 1990م).
عُين سعيد عولقي مديرا عاما للإدارة العامة للثقافة بوزارة الثقافة بصنعاء من سنة 1990 حتى سنة 1995م عندما صدر قرار جمهوري بتعيينه مديرا عاما للمؤسسة العامة للمسرح والسينما.
*سعيد عولقي وآخر العطاء
في ملف «التواصل» السالف الذكر، وفي الصفحة (234) ورد موضوع (رواية السمار الثلاثة.. بين واقعية الرؤية ونقد الواقع) للأستاذ محمد ناصر شراء الذي وصف سعيد عولقي بأنه أحد فرسان الكتابة الإبداعية المتنوعة الذين تكشفت لهم أسرارها...»، ويمضي الأستاذ شراء: «وعلى مدى ربع قرن ونيف كتب سعيد عولقي العديد من الأعمال الإبداعية المهمة، غدت اليوم علامات مهمة في إرشيف الإبداع اليمني المتنوع...».
«بدأ اهتماماته الفنية من خلال المسرح ممثلاً ومخرجاً ومؤلفا وصاحب ذلك اهتمام وانشغال بالكتابة الصحفية الفنية أولاً...».
*أعمال سعيد عولقي
- التركة (مسرحية من جزئين، صدر منها الجزء الأول في كتاب فقط عام 1974، ومثل الجزء الثاني منها على الخشبة عام 1991).
- الهجرة مرتين: مجموعة قصصية صدرت عام 1980.
- سبعون عاما من المسرح في اليمن (كتاب بحث وتوثيق للنشاط المسرحي المعاصر في اليمن عام 1983).
- السمار الثلاثة (رواية للعام 1993).
- شقلبان: (مجموعة مقالات كانت تنشر في صحيفة «التجمع» تحت عمود يحمل نفس التسمية عام 1993).
*العزلة تجمع جابريل ماركيز وسعيد عولقي
بقدر ما كان سعيد علي عولقي ظاهرة تستحق الثناء والتقدير لعطاءاته وروحه الطيبة وكنت لا تراه إلا مبتسماً وفطناً صاحب حضور بديهة ومزج بين النكتة في تلطيف الجو والسخرية في تلطيف كتاباته، إلا أنه ودون سابق إشعار اعتزل المجتمع والكتابة ولم يكن الأمر مزاجياً أو تعسفياً وإنما هناك أسباب ودوافع ولم تجد من يسأل عنها، وأقصد أقرب الناس إليه.
دخل سعيد عولقي دائرة العزلة منذ أكثر من عشر سنوات وكأن العزلة باتت قاسماً مشتركاً مع الأديب الكولمبي العالمي جابريل ماركيز المولود في كولمبيا يوم 6 مارس 1927م والمتوفى يوم 17 أبريل 2014 والحائز على جائزة نوبل للآداب والمسكون في قلب الزعيم الكوبي فيديل كاسترو.. ومن أعمال ماركيز:
1 - مائة عام من العزلة عام 1967 نفس عام وفاة القائد الأممي ارنستو تشي جيفارا في بوليفيا على أيدي ركائز الـCIA.
2 - الحب في زمن الكوليرا ، 1985.
3 - وقائع موت معلن 1981.
- يبقى أمام المشتغلين بالأدب أن يجيبوا عن هذين السؤالين:
1 - لماذا مائة عام من العزلة عند ماركيز؟
2 - ولماذا عشرة أعوام من العزلة عند سعيد عولقي؟
*أعمال سعيد عولقي المنشورة في الصحف والمجلات
سبقت الإشارة إلى مؤلفات سعيد علي عولقي وهي منشورة في كتب، وتبقى أعماله التي نشرها في «الأيام» و«التجمع» و«الفنون» و«الغد» و«الحياة» و«أنغام»، وسيتسع لها أكثر من خمسة كتب.
سعيد عولقي متزوج وأب لخمسة أبناء، الدكتور نشوان سعيد و(4) بنات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى