الموضوعات الأساسية في شعر الغزل عند القمندان

> محمد فاضل حسين

> إذا قمنا بعملية حصر وتصنيف للقضايا والموضوعات الأساسية التي عالجتها القصائد الغزلية للشاعر أحمد فضل محسن القمندان، فإننا نجد أن معظم أشعاره الغزلية قد عالجت قضايا فراق الحبيب أو غيابه، أو بعده، ولأسباب مختلفة منها الصد، والاحتجاب، والنسيان، أو التناسي، والهجر، والجفاء والخصام، وتقلب الطباع.. وتناولت ما يترتب على هذه الظواهر من نتائج وردود أفعال نفسية لديه أو لدى الآخرين.
وقد لاحظ الكثير من الباحثين والنقاد في الأدب العربي واليمني أن هذه الموضوعات برغم تشعبها وتعددها إلا أن النتائج النفسية المترتبة عليها متقاربة إلى حد كبير، وهذا التقارب يحدها في إطار مضموني واحد «هو الشوق والحنين»، وهي بذلك تتحد مع مضامين شعر الشوق والحنين في ينابيع نشأته الأولى في العراق العباسية والأندلس.
ولذلك يتساءل الكثير هل الشعر العامي في اليمن، بما حمل من مضامين الشوق والحنين، جاء تقليداً لشعر العراق والأندلس أم إن لدى شعرائه أسبابهم الخاصة؟!.
وفي هذا الصدد يرى الدكتور والباحث اليمني الكبير عبدالعزيز المقالح أن شعر الشوق والحنين في اليمن تميز بصدق المشاعر والانفعالات ورقة التعبير، ووحدة وتناسق الألفاظ والتعابير والصورة مع الحالات النفسية للشاعر، وهذه الصفات تخرجه عن دائرة التقليد التي تتسم دائما بالتكلف والصنعة وضعف المشاعر.
ونعود بعد هذه المقدمة القصيرة والضرورية إلى شاعرنا القمندان وديوانه «المصدر المفيد في غناء لحج الجديد»، فنجد أن حدث الحب لدى الشاعر القمندان حدث قديم ورد في معظم قصائده برواية الماضي وباستخدام الفعل الماضي، وتفاصيل نشأة هذا الحب وحدوثه ومسيرته الأولى التي يكتنفها الغموض. فالماضي لدى الشاعر القمندان جميل تفصل بعض صوره الذكريات لأيام وليالي التلاقي والقرب من الحبيب وحالات الانسجام والود والمسرات والعناق.
يقول القمندان :
ذكرتني الأنس ملا خاطري أشواق
لا كان يوم الفراق والقلب لما ذكر ضاق
ياما قضيت اليالي بالهناء نتساق
ياما اعتنقنا عناق والتفت الساق بالساق
كانوا أحبة صفاء وفي الهوى حذاق
وشهد حالي المذاق وأنس يحلا ويرتاق
اسكب على فرقهم يا دمعي المهراق
فراقهم لا يطاق يحرق القلب حراق
والحاضر عند الشاعر القمندان غير جميل، لأنه عادةً ما يقترن بغياب الحبيب أو هجره أو صده أو جفاه.. إلخ، وهذا الحاضر المقترن بتوقد نيران الفراق وبكل تعقيداته وأشواكه يؤثر كثيراً في الإبداع الشعري، فيكون سبباً في بعث مشاعر الضجر والآه، والهيام، والحسرة، والدموع.. ويكون سبباً في بعث صرخات الاستنجاد والاستعطاف:
ارحم فداك ارحم، شف ربنا يعلم،
بالقلب سبحانه
وشوق عندي جم، وقلب يتألم، وعين هتانه.
هكذا نجد علاقات التفاعل بين الماضي والحاضر في شعر الأمير القمندان، فالحب قوي والانقطاع غير ميئوس، وكثيراً ما تكون نتائج هذا التفاعل إيجابية، فيظهر القمندان متهللاً فرحاً بلقاء تم بعد انقطاع ومعاناة مؤلمة ومرة، ثم تخبو هذه الابتسامة من جديد، وتعود الأجواء القاتمة والحزينة، ويلف الشاعر ويدور ويسأل ويلوم ويعاتب ويشكو ويسهر ويتألم وتنتهي الرحلة إلى جدار أسوار الفراق، ويقف القمندان هناك منتظراً محاولاً فتح الأبواب أو اجتياز الأسوار لا يرتد على عقبيه ولا ييأس ولا يتنازل عن الحبيب متميزاً بالصبر والجلد، واثقاً ثقة لا حدود لها بحبه وأحبابه، راجياً عودة أيام وليالي الأنس الجميلة:
عسى يسهل كماها ربنا الخلاق
ونجتمع بالرفاق
في لحج والخير دفاق
ومع كل بارقة أمل لا صلاح مسيرة الحب واستئنافها نجد القمندان يمد يده إلى الحبيب مسامحاً وطالباً السماح، متناسياً كل آلامه ومعاناته.
يقول القمندان:
مسموح فيما سيته يا ورش مسموح
والفضل لك سيدي والعفو مطلوب
حتى ولا من عينيك الكبد مجروح
يا خاطري ما شأنك ليه متعوب
كانت قضية فراق الحبيب محوراً أساسياً دارت حوله معظم أشعار القمندان، بل إن هذه القضية كانت سبباً ساعد على إنضاج وإخصاب موهبته الشعرية الحقة.
ونعود لنتساءل ويتساءل الآخرون ما هو سبب وجود هذه الظاهرة «الشوق والحنين» لدى الشاعر القمندان؟
هل هناك ظروف شخصية رافقت حياته، وكانت سبباً لميلادها؟ أم إن المسألة لا تعدو كونها ظاهرة تقليد ليس إلا.
والحق نقول إننا لا نمتلك تفاصيل عن الحياة الشخصية للشاعر القمندان، ولكننا نتوقع وجودها للأسباب الآتية:
1 - أن أحداث الحرب العالمية الأولى التي عانت منها لحج والشاعر القمندان بصورة خاصة وبما فرضت من تشرد وانقطاع عن الأحبة في لحج ربما يرجع إليها السبب في وجود هذه الظاهرة الشعرية لديه، خصوصاً وفترة الحرب كانت مقترنة مع فترة الشباب للشاعر القمندان. وهي فترة المراهقة والعشق والهوى.. ولهذا جاء شعره خلال فترة الحرب مهتماً بالموضوعات السياسية. وربما لهذه الظروف غاب الشعر الابتهاجي المحتفل والمصور لمسيرة الحب في خطواته الأولى.
2 - إن مجتمع القمندان بما تتحكم به من عادات وتقاليد وثقافة ودين تحد من اختلاط الذكور والإناث، بل وتضع حواجز كبيرة أمام العشاق، وتمنع وتحرم تواصلهم وتحقيق رغباتهم، مثل هذا الوضع يكون سبباً لانبعاث مشاعر الشوق والحنين، وسبباً لخلق حالات الاغتراب النفسي، ونجد في شعر القمندان ما يؤكد مثل هذا الطرح.
3 - نتفق مع الأستاذ المقالح أن ظاهرة صدق المشاعر ورقتها وقوة الانفعالات النفسية الظاهرة في شعر الكثير من شعراء العامية باليمن، وفي مقدمتهم الشاعر الكبير القمندان، إنما تنفي ظاهرة التقليد والمحاكاة لشعر الشوق والحنين العباسي والأندلسي.
محمد فاضل حسين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى