المهندس عبدالرحمن شكري.. وداعاً

> د. هشام محسن السقاف

>
 د. هشام السقاف
د. هشام السقاف
الصبيحي شجاع بفطرة فطره الله عليها، لكنه ذكي بالسليقة أيضا، ناكر للذات حين يتعلق الأمر بالمصائر الوطنية الكبرى، تعركه الحياة ويعترك فيها مسجلا حضوره الإيجابي لصالح الوطن، وعبر مراحل تاريخية بأكملها دون أدنى تفكير بوضع الذات أو العشيرة فما فوقها قبل الوطن، أو التحرك من خلالها لتسجيل مكاسب لصالحها كما يفعل كثيرون.
بل لم يخطر ببال الصبيحي أن يفعل ذلك حتى وهو في سدة الحكم. رأينا إنموذجا جليا يبهر كل ذي بصيرة عندما كان الشهيدان الكبيران قحطان محمد الشعبي وفيصل عبداللطيف الشعبي يختطان طريقا وطنيا عروبيا يتسم بالواقعية السياسية، بعيدا عن مراهقة اليسار المربوط بخيوط العنكبوت بالراديكالية اليسارية في بيروت والاشتراكية العالمية في موسكو. وهو ما جرّ البلاد إلى مخاضات صعبة لم يكن الوطن الصغير والفقير بحاجة إليها.
كان بإمكان المغدور بهما قحطان وفيصل أن يسجلا حضورا دمويا بصد الانقلاب في يونيو 1969م، لكنهما - ومن موقع القوة - آثرا حقن الدماء وصون النفوس.
ورغم النسيان الذي عانته الصبيحة أرضا وإنسانا في ظل الدولة الوطنية قبل وبعد الوحدة فإن الصبيحي ما كان ليقابل النسيان بالنسيان، ظل حاضرا و صانعا للأحداث في الجغرافيا الممتدة من كرش إلى بوابات المندب، وفي أماكن وجوده الإنساني مصداقا للقول: "الإنسان أينما وجد لا أينما ولد". ففي العدوان الحوثي - العفاشي الأخير كان لقبائل الصبيحة القدح المعلى في صد العدوان ودحره ولازالت أصابعهم على الزناد.
تواترت هذه الأفكار إلى ذهني ساعة أن نعى إلي الناعي المهندس عبدالرحمن شكري أحد كبار مهندسي البناء والتعمير والشخصية الوطنية المعروفة التي قارعت مطامع الاحتلال الأول في 1994م وهو الوجه المعروف عربيا من خلال تبوؤه لرئاسة اتحاد المحامين العرب، وكان حضوره في المشهدين اليمني والعربي محفورا في ذاكرة الوطن وذواكر مجاليه وزملائه في اتحادات المهندسين والمواقع الإدارية والسياسية التي عمل من خلالها فقيدنا الكبير.
لقد استوقفتني هذه الأسرة الرائدة أسرة (آل شكري)، فنزوعها للعلم بدأ باكرا، وارتبطت بالحاضرة عدن بوشائج قوية، ناهيك عن مكانة بارزة لها في عمقها الصبيحي (طور الباحة)، وأصبح لأفراد من آل شكري دورهم اللافت في العمل السياسي والحزبي والنقابي والأكاديمي والعلمي أمثال الشيخ علي بن علي شكري والدكتور حازم شكري والأستاذ الكبير محمد سعيد شكري والدكتور عبدالحميد شكري وفقيدنا المهندس عبدالرحمن، وغيرهم كثير.
كنت قارئا شغوفا لكل قصاصة ورق تصل إلينا من الوطن إلى موسكو، ولعلي تعرفت على الفقيد من خلالها، ثم التقينا لأول مرة في منزل الأخ الحبيب محمد عيدروس يحيى العراشة السقاف عندما أتى لزيارته بمعية المهندس عبدالرحمن البصري - أطال الله عمره - وذلك بعد إطلاق سراح الأخ محمد عيدروس بعد أحداث يناير 1986م. وبعد عودتي النهائية من موسكو كان لقاؤنا في تأبينية محمد عيدروس يحيى، فاحتضنني بحرارة بعد الحفل الذي كنت مقدم فقراته الحزينة، وكانت الدموع تتساقط بغزارة من عينيه، ومما أربكني تماما قوله لي: إذا مت فلا أحد سواك يؤبنني! وضايقتني الفكرة أن أكون مؤبنا للأحباب الراحلين، ولكني قضيت أياما أخرى أبحث عن اسم هذا الشخص الذي أغرورقت عيناه بدموع صادقة، وقال لي ما قال ... فأفتاني الأستاذ هشام باشراحيل - رحمه الله - ببداهته المعتادة بعد أن وصفت له ملامح ذلك الشخص، واستعادة ذاكرتي لقاءنا الأول في منزل محمد عيدروس يحيى.
وتعددت اللقاءات بعد ذلك وفي كل مرة يغمرنا الفقيد الغالي بتيار دافق ودافئ من فيض قلبه الكبير.
رحم الله فقيد الوطن عبدالرحمن شكري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى