التحديات التي تواجه اللغة العربية

> زينب فخري

> تواجه اللغة العربية تحديات كثيرة، وعلى الرغم من أنَّ هذه التحديات كانت محوراً لبحوث ومؤتمرات وندوات لكن لم تجد لها حلاً حتى هذه اللحظة. وما يقلق حقاً أنَّ هذه التحديات آخذة بالازدياد يوماً بعد آخر تاركة الحلول النظرية والافتراضية فوق الرفوف.
وليس بجديد إذا ما قلنا ما يدفعنا لإعادة تأكيد الاهتمام باللغة العربية هو أنَّها لغة القرآن الكريم ولسان نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولسان أهل الجنَّة، وبها خطّت الأحاديث النبوية وأحاديث الأئمة، والصلاة دون قراءة (سور قرآنية) بالعربية لا تجوز؛ فالنهوض بها نهوض بالدين وإعزاز له، ومن المفارقات اللطيفة أنَّها اللغة الوحيدة التي تتّسم بهذه الميزة، أي ميزة الارتباط بالدين.
كما لا يخفى على أحدٍ أنَّ اللغة العريبة تمثل الهوية العربية، وأحد أبرز مقومات شخصية العربي، ولا ننسى أنَّ التراث العربي من: شعر وآداب وعلوم وفنون وحكم وأمثال كلّه مدون باللغة العربية بالإضافة إلى وظيفتها الاجتماعية؛ فبها نتواصل من المحيط إلى الخليج، والحفاظ عليها هو السبيل لبقاء التلاحم بين الناطقين بها؛ لذا البحث في التحديات التي تواجه اللغة العربية أمر لا يعني العراق وحده بل كافة الدول العربية، إنْ لم نقل الدول الإسلامية.
ويمكن تقسيم هذه التحديات إلى قسمين: داخلية وخارجية. فأمَّا الداخلية فتتمثل بالاغتراب الثقافي والتشظي الفكري بين اللغة وأبنائها، فاللغة تمرّ بأزمة حقيقية لابتعاد ونفور أبنائها عنها وشعورهم بالغربة من نحوها وقواعدها وإملائها حتى انزوت في بطون الكتب والمراجع التراثية المقصورة على الباحثين والأكاديميين. ولو نعدّ نرى بحوثاً لغوية أو مجالس أو ندوات تتناول سبل تيسير قواعد اللغة أو مباحث في اللغة كالتي كانت رائجة وسائدة في الخمسينيات وتحت قبَّة المجمع العلمي العراقي أو المجامع اللغوية في العالم العربي وبأقلام أساطين اللغة كالدكتور العلَّامة مصطفى جواد.
وفيما يتعلق بالتحديات الخارجية فهي متمثلة أوَّلاً: بالتطور التكنولوجي الهائل والسريع للغاية؛ فاللغة المستعملة في شبكة المعلومات (النت) على سبيل المثال هي الإنكليزية والفرنسية ولا مكان للعربية في برامجه وتطبيقاته إلا ما ندر، ويستعمل العرب في محادثاتهم اللغتين: الإنكليزية أو الفرنسية أو اللهجات العامية فقط وليس الفصحى أو لغة الصحافة.
فيما أطلق الإعلام الالكتروني المتمثل بالمواقع الالكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي رصاصة الرحمة على اللغة العربية، وأشرت إلى ذلك في مقالة سابقة وبينت أنَّ أغلب المواقع باتت تتعاطى الأخبار والمقالات دون تمحيص وتفحّص سواء من الناحية المهنيَّة أو اللغويَّة! ولتكاليفها الزهيدة انتشرت بفوضى كبيرة وغدت بيد كلّ من هبّ ودبّ بلا رادع أو رقيب على العكس تماماً من صحافة المؤسسات الورقية الرصينة (السابقة والحديثة) التي اتّسمت بوجود أقسام للتصحيح اللغوي، كما أنَّ انتشار ظاهرة ما يسمَّى بصحافة المواطن وتدوين وعرض كلّ ما يجول بالخاطر دون عناية باللغة وبالعبارات جعل اللغة على قاب قوسين أو أدنى من السقوط الكامل في مستنقع العامية والركاكة.
أما التطور العلمي في عدَّة علوم فقد وجه ضربة كبيرة للغة العربية على العكس تماماً من الآداب. فالأجناس الأدبية من شعر وقصة ورواية لم تحتفظ فقط بعربيتها الزاهية بل عملت على تحمل مسؤولية الارتقاء باللغة ونشرها وتحبيبها، على خلاف التخصصات العلمية التي تآلفت مع المصطلحات الأجنبية واستساغتها وبقيت محافظة عليها ولم تجهد نفسها بتعريبها، والكتب المتخصصة في الطبِّ والهندسة والحاسوب ومحاضرات أساتذة الجامعات أكبر دليل على ذلك، ولم تبادر المجامع اللغوية في العراق والدول العربية لحلّ هذه المعضلة بل سجلت تلك المحافل اللغوية تراجعاً واضحاً في مهامها مقارناً بالخمسينات والستينات على الرغم من ازدياد الوافد إلينا من المصطلحات.
ومن التحديات التي تواجه اللغة أنَّ بعض دول الخليج تفرض على الوافدين إليها من أجل كسب الرزق أن يجيد اللغة الإنكليزية؛ بحجّة أنَّ شركاتها عالمية مشهورة ولها فروع في دول الغرب وبرامجها وتطبيقاتها باللغة الإنكليزية، ناهيك عن دول عربية عديدة تُلزم مؤسساتها وجامعاتها بالحديث باللغة الإنكليزية فقط وتحاسب طلبتها المخالفين، أمَّا دول المغرب العربي فحدث ولا حرج..فسطوة اللغة الفرنسية لا تحتاج إلى توضيح؛ فقد أزاحت اللغة العربية وتربعت على عرشها!
ولله در اللغة العربية!
*نقلًا عن صحيفة الزمان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى