( العاقل) .. صاحب السعادة

> محمد العولقي

>
محمد العولقي
محمد العولقي
* لم أره بأم عيني ، يصول ويجول في ملاعب الكرة ، لكنني أحفظ سيرته الإبداعية ، ومسيرته الكروية الظافرة عن ظهر قلب .. عندما قرر تلفزيون (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) نقل مباريات كرة القدم مباشرة من ملعب الشهيد (الحبيشي) ، في مارس عام 1981 ، كان الكابتن الكبير ، واللاعب الخبير (سعيد دعاله) قد اعتزل الكرة ، وهو ساحرها الأول بلا منازع.
* كانت خسارة فادحة لعشاق كرة القدم ، أن تحتجب ظاهرة كروية ، لا تتكرر كثيراً في ملاعب الكرة ، إلا كل ستة وسبعين سنة ، كما هو الحال مع مذنب (هالي) .. يجمع الكثيرون على حقيقة أن موهبة (سعيد دعاله) ، كانت إستثنائية ، نسخة واحدة ، إحتفظ بها متحف نادي (التلال) ، دون سواه.
* منح (سعيد دعاله) كرة القدم (كاريزما) خاصة ، وأثر كثيراً في تحويلها ، من لعبة جماعية تعاونية ، إلى لعبة مهارية تتكلم شعراً ، كلما داعبها بقدميه البارعتين الهامستين بسحر القوافي. * حلق (سعيد دعاله) بكرة القدم نحو القمة ، حيث وكر النسر ، وأضاف لها (فلسفة) ، أساسها الإشهار والإبهار ، فقد نقل كرة القدم من خانة (الهيام) ، إلى خانة (العشق) الدفين ، ذلك العشق اللذيذ الذي يفتك بالعشاق.
* لا شك أن تلفزيون (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) ، خسر الكثير ، لأنه حرم قطاعاً واسعاً من مشاهدة هذا الداهية ، الذي ينتمي لعصر الأفذاذ ، والفلتات ، والظواهر المدهشة.
* كل الذين شاهدوه وعاصروه ، وعايشوا ربيعه الكروي في (عدن) ، يجمعون على أنه حالة خاصة ، تتجلى فيها عبقرية (سعيد دعاله) ، مع شطارته كلاعب ماهر ، يحسن التموضع في كل مربعات الملعب ، خطورته تنبع من (عقله) ، ثم تترجمها قدماه فناً ، تؤكد أن (سعيد دعاله) ، كان فريقاً كاملاً مع الإحتياط ، ولاعب (جوكر) يحسن السيطرة ، على أجواء المباريات ، مهما كانت سخونتها وصعوبتها ، ويجيد تحمل مسؤولية المباريات ، بدلاً عن زملائه ، في اللحظات العسيرة والشاقة.
* تبرز قيمة هذا النجم المشع ، في تعدد تجاربه الداخلية والخارجية ، فما إن يبزغ نجمه ، في مساحة إحترافية ، حتى يغطي على كل النجوم .. تألق في (الصومال) ، وسحر عيون الجماهير هناك ، فكان أول لاعب عربي ، يبطل السحر في الملاعب الإفريقية ، وتعملق في (الزمالك) ، وخطف الأبصار والعقول ، أما مع نادي (التلال) فقد كان (حدوتة) حكاية عدنية ، على كل لسان حتى عندما نقل بوصلته إلى (الشمال) ، إنحنت له الكرة اليمنية ، إعترافاً بفضله ، في إشهار الكرة هناك.
* تجلس معه ، فلا ترى فيه (منغصة) ، أو (عيباً) .. يبدو مهذباً مؤدباً ، حليماً رحيماً ، خفيف الظل وحبيب الكل ، رزيناً وحصيفاً ، صريحاً ومريحاً ، الذي في قلبه على لسانه ، خبيراً كروياً تجاهله وطن ، تعبث برياضته (الجرذان).
* كان (سعيد دعاله) فارس زمانه ، زئبق كروي من الصعب مراقبته والحد من خطورته ، هذا لأنه كان يلعب الكرة بعقله ، ويستخدم قدميه كفرشاتين ، ترسمان أحلى اللوحات الكروية ، بكل إقتدار.
* أبهر عيون البشر في بطولة كأس اليمن الأولى ، عندما عرض بعضاً من لوحاته ، في صنعاء والحديدة وعدن ، كان مشواره في الرمق الأخير عندما قاد (التلال) نحو البطولة ، وكانت بالفعل بطولة (سعيد دعاله) بلا منازع.
* لو أن (سعيد دعاله) في ذلك الوقت ، رشح نفسه لرئاسة الجمهورية ، لفاز بالمنصب باكتساح فقد أطبقت شهرته كل الآفاق ، وكان حينها معلماً بارزاً ، من معالم (عدن) ، لا يقل شأناً عن (الصهاريج) مثلاً.
* كان يراه فرسان ذلك الزمن ، خلطة كروية ساحرة ، فيها الكثير من براعة (كرويف) والمزيد من إنسيابية (بيليه) ، والوفير من حنكة القيادة عند (بيكنباور) .. بصراحة من لم يشاهد (سعيد دعاله) في عز مجده وتألقه ، فاته الكثير من فقرات العرض ، الذي يسلب الألباب والقلوب.
* سمعت أن (سعيد دعاله) بعافية هذه الأيام ، وهو الرجل البسيط الذي يعيش بيننا كنسمة رقيقة لذا إرتأيت رفع معنوياته بهذه الخاطرة ، ربما تدفع (العاقل) ، إلى ترجمة حقيقة ، أنه درة ثمينة ، وتاج (جنوبي) ، على رأس وطن رياضي ، يشهد له محبوه أنه (العاقل) الوحيد ، وسط مجانين إغتالوا مفاهيم كرة القدم.
* على فكرة ، ومالك عليَّ يمين يا كابتن (سعيد) ، لو أني رئيس لهذا البلد ، المثخن بصراعات وحروب الرفاق والفرقاء ، لأصدرت قراراً رئاسياً ، يمنحك حقيبة وزارة (السعادة) ، أما لماذا إستحداث هذه الوزارة ؟ ، فلأنك كنت ولازلت ذلك الفنان الكروي الذي يطعمنا (سعادة) ، بحسن سيرتك وكتاب حياتك الذي يشهد أنك كنت معنا كريماً لاعباً ، و إنساناً يقطر سعادة وبصيرة.
* كروياً ، كنت (تمون) زملاءك داخل الملعب بكرات ساحرة ملفوفة بورق الحلوى ، لا تحتاج سوى (بوسة) لتدخل المرمى .. وإنساناً لا زلت (العاقل) ، الذي تتدفق من صمته ، حكمة وزنها ذهب ، كحال وزنك يا طيب القلب.
* شفاك الله من وعكتك الطارئة يا صاحب السعادة ، ولا عزاء لاتحاد كرة يعرف (علي بلابل) ويجهل بطولات (سعيد دعاله) ، طهور إن شاء الله يا كابتن ..!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى