عمر ضائع

> إبراهيم الحكيمي

> كانت أشعة الشمس الساطعة تعانق الموج ويصنع ذلك تلألؤًا في عينيه الحائرتين، واللتين وقفتا بسكون ترقبان البحر وهو يلفظ إلى الشاطئ كل ما لا يطيق بقاءه في جوفه.
“لا تتوقع ماذا يمكن أن يعلمك البحر” تنهد في حين كان يهمس لنفسه بهذه الجملة بتأمل، ومضى بخطى مثقلة على الرمل الناعم، خلع نعليه وترك لقدميه فرصة احتضانه بتأنّ وخشوع.
يسير بثبات، وصوت الموج الهدّار يعبث بشروده. يحاول أن يطلق نفسه للنسيم الذي كان يتدفق قادمًا من نقطة التقاء البحر مع السماء، لكنه يعجز فيظل يرقب من خلف ضبابة سوداء تأبى أن تتيح له مجالاً للرؤية.
الكثير من الأسماك تموت بداخله، بعد محاولات للتمازج مع البحر تبوء مرة تلو أخرى بالفشل.
ضحكات أطفال بريئة تتردد على وقع ارتطام الموج على الشاطئ وخصور صبايا يتمايلن كأنهن حوريات في لحظة هرج وجنون، مرّ كأنّ شيئًا لم يكن، وهذا البحر الكبير ليس سوى إناء بنظره لم يحتمل مشاركته ما يختلج في نفسه من هموم.
كانت الشمس تجرّ آخر ذيل لها من على سطح البحر، حين اكتشف هو عجزه عن لفظ ما يُعكِّر صفوته، ومضى يصفع وجهه بكفه عندما أدرك المسافة الطويلة التي قطعها مبتعدًا عن محطة الباص. عاد ركضًا هذه المرّة تحت وطأة سخرية البحر من ضعفه وتهاونه في تسليم لحظات عمره للتيه.. واستمر الموج باحتفاله مع الشاطئ تحية للطفولة التي تفانت ولم تدع لحظة تتسرب بدون متعة...

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى