نحو من الأدب واللغة والنحو .. (قوس الشماخ)

> د / سعيد العوادي

> فلما شراها فاضت العين عَبْرةً
وفي القلب حَزَّازٌ من الوجْدِ حامِزُ
هذا البيت تكرر في كتب اللغة منذ العين.. قال ابن دريد في الاشتقاق: “ويقال حمزني هذا الأمر إذا وجدت له لوعة في قلبك” ثم ذكر عجز البيت آنفا.
وقد تردد هذا المبنى والمعنى والبيت الشعري في (الزاهر في معاني كلمات الناس) للأنباري... على أن الجوهري في الصحاح يذكر معنى آخر (للحمز) هو الشدة إذ قال: إن الحمزة والحمازة هي الشدة، وذكر أثرا لابن عباس رضي الله عنهما. (أفضل الأعمال أحمزها) أي: أمتنها وأقواها، ثم ذكر بيت الشماخ.
وذكر المفضل بن سلمة في الفاخر معنى (حزاز)، فقال هو الحرقة والألم وذكر بيت الشماخ، وهو ماذهب إليه ابن فارس في مقاييس اللغة، وابن سيده في المحكم.. لكن ما هذا البيت الذي تعاورته اللوعة والحرقة، وتجاذبه الهم والغم?!
هذا البيت خاتمة لا توطئة، وأقسى الخواتم ما انطوى على لوعة فقد ومرارة ضياع.
هذا الذي سيجده قارئ هذا النص السامق في نصوص العربية إن تنكب كتب اللغة وترسَّم مضان الأدب.
فقد أثبت النص كاملا أبو زيد القرشي في جمهرة أشعار العرب في المشوبات (قصائد المخضرمين)، وتجد البيت المذكور عند ابن قتيبة في أدب الكاتب وثعلب في المجالس، والمرزوقي في شرح الحماسة..
فما قصة القصيدة إذن?
القصيدة للشماخ بن ضرار الصحابي ـ رضي الله عنه ـ يروي فيها قصة صاحبه عامر أخي الخضر الذي تخير فرعا من شجرة ثم تخير منه غصنا فعكف عليه تشذيبا وتجفيفا، ثم مازال يحنيه، حتى استوى قوسا فوترها ثم رمى بها فأعجبه هزيم السهم وأزيز الوتر. فكلف بها وجعلها رفيقه الذي لا يفارقه وأخذ يفاخر بها.. ثم أنه وافى بها موسما من المواسم مختالا جذلا فأبصره تاجر بصير ماكر فساومه فيها فتمنع عليه فأغلى له الثمن فأبى فمازال به حتى لان ورضي فباعها.
فلما شراها فاضت العين عبرة
وفي الصدر حزاز من الوجد حامز
هي فتنة المبدع في ما أبدع والصانع في ما صنع على نحو ما نلقاه، في (بجماليون) في الميثولوجيا الإغريقية.. وفي (سيدتي الجميلة) في مسرحية برناردشو...
ولئن تمنع على القارئ معنى بعض الألفاظ ووجد فيها عسرا إنه لواجد النمير العذب في أحناء النص كله..
وها أنذا مختار لكم أبياتا من ذلك النص الفريد:
و حلأها عنْ ذي الأراكة ِعامرٌ
أخو الخضرِ يرمي حيثُ تكوى النواحزُ
تخيرها القواسُ من فرعِ صالة ٍ
لها شذبٌ من دونها وحواجزُ
فما زال ينحو كلَّ رطبٍ ويابسٍ
وينغَلّ حتى نالَها وَهْي بارزُ
فلمّا اطمأنَّتْ في يديه رأى غِنى ً
أحاطَ بهِ وازورَّ عمن يحاوز
و ذاقَ فأعطتهُ من اللينِ جانباً
كفى ولها أنْ يغرقَ السهمَ حاجزُ
إذا أنبضَ الرامون عنها ترنمتْ
تَرُنَّم ثكلى أَوْجَعتْها الجنائزُ
قذوفٌ إذا ما خالطَ الظبيَ سهمها
وإنْ رِيغ منها أَسلَمَتْهُ النواقزُ
فوافى بها أهلَ المواسمِ فانبرى
لها بيعٌ يغلي بها السومَ رائزُ
فقال لهُ: هل تشتريها فإنها
تباعُ بما بيعَ التلادُ الحرائزُ
فقال: إزارٌ شرعبيٌّ وأربعٌ
من السِّيَراءِ أو أَواقٍ نواجزُ
وبُردانِ من خالٍ وتسعون درهماً
ومعْ ذاكَ مقروظٌ من الجِلْد ماعِزُ
فظلَّ يناجي نفسه وأميرها
أيأتي الذي يُعطى بها أم يُجاوزُ
فقالوا لهُ بايعْ أخاك ولا يَكُنْ
لكَ اليومَ عن رِبْحٍ من البيع لاهِزُ
فلما شراها فاضتِ العينُ عبرة ً
وفي الصّدرِ حُزّازٌ من الوجْد حامِزُ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى