في ذكراه الـ (18).. عندما غنى للوطن رائعته: محبوبتي اليمن.. شجى وأسى ودموع.. بين عمّار وأغنية المحضار

> رياض عوض باشراحيل

> برنامج صناعة مواهب الغناء "عرب آيدول" الذي يبث من قناة "MBC" الفضائية يعد من أفضل البرامج الناجحة عربيا لخدمة مواهب الغناء وتنمية قدراتهم وتطوير مهاراتهم الفنية ومنحهم الفرص الذهبية لإبراز عطائهم ومواهبهم الغنائية للمجتمع العربي. فقد أمتعتنا القناة في الموسم الأخير لبرنامجها بمشاركة الموهبة اليمنية الشاب "عمّار العزكي" الذي قدم خلال حلقات البرنامج خمس أغنيات للشاعر والملحن اليمني الكبير حسين أبوبكر المحضار، أربع منها كلمات وألحان المحضار هي : باشل حبك معي بلقيه زادي، يازارعين العنب، أمتى أنا شوفك، وسر حبي فيك غامض، أما الخامسة “محبوبتي اليمن” فهي من كلمات المحضار وألحان الملحن الراحل الفنان علي سعيد علي..
*المعنى والدلالة
وقد مثلت تلك الأغنيات والألحان عقد من جواهر الغناء والطرب الأصيل وسيمفونية موسيقية محضارية حضرمية يمنية رائعة، سكنت المشاعر وأسرت قلوب الحاضرين بمسرح البرنامج والمتابعين أمام شاشات التلفزيون في كل أرجاء الوطن العربي بل وفي كل مكان في العالم. والحق أن تلك الأغنيات كانت بوابة التألق والنجاح والنصر الذي رسا بالمتسابق اليمني "عمّار" إلى بر الأمان في الحلقة النهائية للبرنامج يوم 25/ فبراير/ 2017م. هذا البرنامج الذي يتوج باللقب فيه المشارك الذي يحصل على أكثر تصويتا من الجمهور وليس على أكثر أعمال ذات قيمة إبداعية وفنية عالية تقيّمها اللجنة الفنية للبرنامج ويحصدها المطرب بما قدمه بإبداع من أغنيات مميزة وحية خالدة.
دموع عمار العزكي أثناء أداء الأغنية
دموع عمار العزكي أثناء أداء الأغنية

والسؤال الذي يبرز الآن.. ماذا يعني أداء خمس أغنيات للمحضار ومعانقتها أوتار صوت المتسابق "عمار" في إطار برنامج واحد؟! وما دلالة ذلك؟!
إن معنى ذلك ودلالته تشير بوضوح إلى قيمة أغنيات المحضار ونجاحها الذي أذكته الموهبة الفنية الأصيلة، والعنصر المتألق في شخصيته الإبداعية، وما تنطوي عليه من عطاء نوعي، وثقافة عالية، وأصالة فنية، وذوق رفيع، ونبل روحي، وعشق مثالي، وجهد مخلص ومميز بالدقة والإتقان والشموخ.. لقد بسّط المحضار الأغنية الأصيلة وغرسها في النفوس واستنزلها إلى قاع المجتمع وجعلها وجبة ثقافية وروحية وإنسانية مهمة لكل الجماهير لذلك نال عشق الناس ومحبتهم. فحصد فناننا عمار التألق والنجاح بهذا الاختيار الناجح حيث كان أداؤه لأغنية "محبوبتي اليمن" في الحلقة الأخيرة عطر الأنام ومسك الختام..
*الوطن وأزماته في أغنية
لقد كانت كلمات الأغنية المحركة للعواطف الوطنية ولحنها الشجي خير معبر عن الواقع الذي نعيشه في وطننا اليمني في ظل ظروف الحرب المدمرة، مما حدا بجماهير الفن أن تربط النص الغنائي الوطني للشاعر الكبير المحضار بالواقع الذي نعيشه في ذلك اليوم والذي لا نزال نعيشه إلى يومنا هذا في ظل أهوال الحرب وآلامها ومعاناة الشعب اليمني منها.. فانهالت القلوب تبكي بحرقة أثناء غناء “عمّار” الذي استيقظ عنده الحس الوطني ولم يستطع السيطرة على عواطفه أثناء الغناء وهو في مسابقة مهمة، وخاصة في المقطع الثاني للأغنية عندما شدا بأنفاس الشاعر الكبير متغنيا ومنتشيا بمحبوبته اليمن قائلا:
وسكنت معها تحت سقف البيت
وكل ما أنت أنا انيت
هنا اغرورقت عينا "عمار" بالدموع بعد أن امتلك عليه إحساسه بأحوال بلده أقطار قلبه، وظل طيلة الأغنية يسكب الدموع الحارة ويتجرع العبرات ويبكي بصدق بتأثير الأغنية التي هزت كيانه وحركت مشاعره كما صرح بذلك بعد الحفل، مما جعل الحاضرين والمتابعين للحفل، وأنا منهم، أن يتأثروا تأثرا بالغا ويسكبوا الدموع الغزيرة والعبرات تقطّع أنفاسهم.
دموع عمار العزكي أثناء أداء الأغنية
دموع عمار العزكي أثناء أداء الأغنية

وكم سما هذا المشهد الذي قطّع القلوب وقدد الأكباد حينها عندما شمخت مطربة الخليج الأولى وعضوة لجنة التحكيم بالبرنامج المطربة الإماراتية “أحـلام” ونهضت بشخصيتها القوية التي تفيض حيوية ونشاطا والممتلئة حبا وحنانا ورقة لتقف بجوار المتسابق اليمني “عمّـار” الذي تهطل دموعه أمطارا أثناء الغناء، وقفت تشد على يديه معينة له، وهبت داعمة ومساندة وكانت نعم المساند والنصير، وكم كان رائعا امتداد هذا المشهد الفني الإنساني الصادق حين اتجهت “أحلام” بعد أن اطمأنت على حال المطرب "عمار" إلى الفنانة اليمنية المتألقة النجمة “أروى” التي كانت في الصفوف الأولى للمسرح تغص مآقيها بالدموع الساخنة والبكاء الحار حزنا على ما آل إليه حال وطنها.
*الانفعال الصادق بالنص الغنائي
هذا الأسى والحزن أيقظه نص غنائي وكلمة عبقرية عالية القيمة أحيت الحس الإنساني والعاطفة الوطنية لدى اليمنيين والعرب عموما فكيف بمطربة مرهفة الإحساس كالفنانة "أروى". وعانقت "أحـلام" الإماراتية “أروى” اليمنية فأيقظت رمزية هذا المشهد الشامخ في نفوسنا عناق الوطنين الإمارات واليمن وهبة شعب الإمارات العربية المتحدة ووقفة حكومته الرشيدة إلى جانب الشعب اليمني ودولته في إطار التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في هذه الأزمة والظروف القاسية الصعبة.
دموع أروى الساخنة على وطنها اليمن
دموع أروى الساخنة على وطنها اليمن

والحقيقة أن تجربة الوطن وأزمته من خلال هذا النص الوطني الغنائي على مسرح “عرب آيدول” المكتظ بالجمهور من الحاضرين والمتابعين عبر شاشات التلفزيون في كل أنحاء العالم.. قد أعطى الانطباع الحقيقي المباشر وكشف الانفعال الصادق بالنص وصدى الأغنية في نفوس لجنة التحكيم ووجدان الحاضرين من المطربين والمطربات العرب ومن الجماهير المحتشدة داخل أروقة البرنامج وخارجه..
أن تجربة الوطن اليمني وصراعاته وأزمته اليوم قد انعكست من خلال هذا العمل الغنائي الوطني على شاشة مشاعر كل المشاركين والمشاهدين والمستمعين وقلوب كل الجماهير في الوطن العربي لأن الجرح اليمني هو ذاته يعاني منه الإنسان العربي في جل أقطاره في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان وليبيا وغيرها.
الوطن يجمع القلوب
وهكذا هو الوطن والشعر الوطني عند العرب يعبر عن خلجات النفوس ويجسد نبضات القلوب ويجمع الناس بينما السياسة تفرقهم، وأن قصة هذا النص الغنائي الذي غناه أيضا بتألق الفنان الإماراتي “حسين الجسمي” وغيره كثر ليس قصة أغنية نستمع لأبياتها وموسيقاها فحسب ولكنها قصة أمة ووطن.. لأن الرموز والأعلام والشخصيات العظيمة في تواريخ الشعوب لا تحمل في حياتها قصتها الشخصية فقط، وإنما تحمل قصة الشعب والوطن الذي خرجت منه هذه الشخصية والعصر الذي عاشت فيه.. وقد أذكى الشاعر الكبير المحضار في شعره وأغنياته حب الأرض وعمق الانتماء والولاء للوطن ووضع يده على قضايا وأزمات وطنه وعبر عنها بعمق وصدق ودقة ووضوح كما عبر في أغنيته “محبوبتي اليمن” التي صدح في حبها وعشقها قائلا:
حبي لها رغم الظروف القاسية رغم المحن
حبي لها أمي سقتني إياه في وسط اللبن
إن عشت فيها لأجلها عانيت
وأن غبت عنها كم لها حنيت
والظاهر أن الحب شي ماله قمن
من قال محبوبتك من؟؟ قلت اليمن
* * *
أحـببتها في ثوب بالي عيف أبلاه الزمن
أحببتها والسل فيها والجرب مالي البدن
وسكنت معها تحت سقف البيت
وكل ما أنّـتّ أنا انّـيـت
وصبرت حتى طاب عيشي والسكن
من قال محبوبتك من ؟؟ قلت اليمن
ونود هنا أن نؤكد بأن الشطر قبل الأخير في المقطع الأول آخره لفظة “قمن” وليس “ثمن” كما يغنيها بعض المطربين .. لأن عبارة “ما له ثمن” تشير إلى معنيين متناقضين، فهي قد تعني ليس له قيمة لغلاه ومنزلته العليا، وقد تعني أيضا ليس له قيمة لتفاهته وإسفافه، والشاعر الحقيقي لا يترك المتلقي تائها في دياجير المعنى، أو يضعه في مفرق الطرق في حيرة من أمره ويغادره دون توضيح هدفه ومعناه، ولكن “ماله قمن” هنا بمعنى ليس له قياس ولا تحده حدود.. وعلى ضوء ذلك ففي أغنيته الشهيرة “باتبع قلبي” للفنان عبدالله الرويشد جاء قول المحضار: “كذب لي يقولون المحبة لها مقياس”، أي إن المحبة ليس لها مقياس وهو مع اختلاف الأسلوب نفس المعنى في قوله: “والظاهر أن الحب شي ماله قمن” أي ماله قياس .. وهكذا هو طبيعة الحب والعشق في الحياة.
وهكذا هو فن الكبار يلمع ويكبر ويتجدد بتجدد الزمن ودورة الأيام وعجلة العصر والتاريخ..
رحم الله حسين أبوبكر المحضار في ذكراه الـ (18).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى