الصورة الشعرية في شعــر الأميـر القمندان (2 - 1)

> محمد فاضل حسين

>
محمد فاضل حسين
محمد فاضل حسين
الصورة هي وسيلة هامة للتنبيه والجذب والإثارة وخلق الانفعالات العاطفية والإحساسات الجمالية لدى المتلقي، وهي وسيلة تساعد على خلق ظروف المشاركة الفكرية بين الشاعر والمتلقي.
ومن خلال القراءة في كتابات عدد من الباحثين في الأدب اليمني يتضح أن الصورة في الشعر العامي في اليمن وحتى نهاية القرن التاسع عشر لم تتجاوز حدود التشبيه البسيط والحسي لأسباب الاعتماد على الاستخدام المباشر للغة وفق المعاني المعجمية للفظ، وتميزت غالباً بالجزئية وضيق المساحة وبندرتها، وكانت في معظمها موروثة.
بيد أن هذا المستوى من الصورة الشعرية شهد تغيراً كبيراً في إبداعات شعراء اليمن خلال القرن العشرين بما حملت من عطاءات شعراء ومن إبداعات استطاعت أن تضاهي مستويات الصورة في الشعر العربي الحديث في مجالات الاستخدام الاستعاري والمجازي للغة، واستخدام الأسطورة والمعادل الموضوعي والوصف.
ونعود إلى الشاعر الأمير أحمد فضل محسن القمندان كشاعر يقف عند بوابة القرن العشرين، لنجد أن إبداع هذا الشاعر يحتل مرثية الريادة في معركة التجديد والتطوير للصورة الشعرية. فكان شاعراً يحب الرسم في الكلمات، بل وأكثر من استخدامه، مما ساعد على اتساع مساحة الصورة وتنوعها لديه، ونجده مكثراً من استخدام الرمز الاستعاري بأشكاله المختلفة ومكثراً من استخدام الوصف لعدد من القضايا والموضوعات التي تناولها في شعره، وهذا قاد إلى نتائج مذهلة ورائعة وعظيمة في مجال الصورة الشعرية، وقاد إلى تحقيق مستويات جديدة في هذا الميدان، وسنحاول هنا تحديد أهم الإنجازات القمندانية في هذا المجال الهام:
- ففي مجال الوصف كتب القمندان قصائد وصف بها أحداث الحرب العالمية الأولى وأحداث الحرب اليمنية عام (1934م)، وكتب قصائد وصف فيها أحول مدن أو قرى اليمن وحال اليمنيين، ووصف طرق المواصلات بين لحج وعدن.. إلخ.
يقول القمندان في قصيدة ألقاها أثناء استقبال سلطان لحج بعد عودته من زيارة أوروبا:
كيف أوربا وما شاهدتموا
اسويسرلند وحش كاليمن
اعراة اجياع اهلها
في شقاء جهل وكرب ومحن
ام رجال احرزوا العلم
وفازوا فتلقوا كل فن
ادريتم كيف فاقونا وهل
قد بذلتم في التحرى من ثمن
كيف طاروا في السماء واستخدموا
البرق حتى اذعن البرق ودن
ويقول في نفس القصيدة واصفاً حال قرى لحج:
عبثاً منه القرى قد اقفرت
ان نصف الناس منها قد ضعن
فإلى الله مناجاة القرى
وشكى الحارات من ضيق السكن
وجاء الوصف في شعره الغزلي بما يقدم من وصف لمحبوبته، وبما قدم من وصف لمعاناته وحاله بعيداً عنها.. بل وكتب قصائد وصفية كاملة مثل قصيدته (أسيل الخدود) الخاصة بوصف محبوبته.. وتوزع وصف المحبوبة في قصائده الأخرى، فيذكر صفة أو عدة صفات لمحبوبته في قصيدة، ثم يذكر صفات أخرى لها في قصيدة أخرى، وإذا جمعنا هذه الأوصاف المتناثرة لمحبوبة القمندان نجدها رايعة القوام، رشيقة القد، نحيلة الخصر، لها عيون كحلاء وشعر أسود طويل، ولها خد شامية، بيضاء، ولها حسب ونسب أصيل. ومعظم أوصافه موروثة من الأدب العربي وأضاف إليها القمنادن الصور المحلية مثل (نقط الجبين) ونقوش الحناء، وأقراط الذهب، وبعض الملبوسات المحلية، وجمع في حالات كثيرة بين الصورة والوصف مما ساعد على تعزيز الصورة ووضوحها.
يقول القمندان:
أسيل الخدود
رخصان بانجناه من الكرم عنقود
ومن عنبرود
أول جنى بندر دواء كل مورود
نسيم البرود
نسنس على الروضة وقع يوم مشهود
متى بايجود
يعطف على خله إذا عاد باعود
وعاد النهود
في صدر ميداني سلا كل مكبود
وعينين سود
على قلوب أهل الهوى سيف محدود

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى