خصائص اللغة العربية الفصحى ومزاياها

> امذيب صالح أحمد

> (10) قيام المعجم العربي على الفبائية جذور الكلمات
إن القدر المشترك بين الألفاظ التي ترجع إلى أصل واحد هو في اللغة العربية ثلاثة حروف ويسمى مادة الكلمة وأصلها، وهو الأساس الذي اتخذ في ترتياب المعاجم العربية، فقد رتبت الألفاظ وجمعتها بحسب إنسابها وأصولها فجعلت الكلمات التي ترجع إلى مادة واحدة في مكان واحد فجمعت في مادة (ض ر ب) جميع مشتقاتها المتولدة عنها، وكذلك في (ق ط ع) و(ع ل م) وغيرها. وليست كذلك معاجم اللغات الأخرى لتعذر ذلك بسبب ضياع أصول الألفاظ واندراس معالم أنسابها، ولذلك رتبوها ترتيبا فرديا لا جماعيا، راعوا فيها ظاهر اللفظ لاحقيقته وأصله، فتباعدت الأقارب، وتقاربت الأباعد، اللهم إلا في معاجم تعرف بالمعاجم الاشتقاقية (etymologique)، ولكن هذه المعاجم لا يستعملها إلا الخاصة من المشتغلين باللغة.
ولقد ظهر في تاليف المعاجم الحديثة اتجاه إلى ترتيبها الفبائيا، على نمط المعاجم اللاتينية، وهي خطوة تتجاوز ما عرف عن هذا الترتيب في معاجم (مقاييس اللغة، وأساس البلاغة، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط المجمعي)، فقد التزم في هذه المعاجم دائما ترتيب الجذور شأن كل نظام معجمي غير الفبائي، كالنظام الصوتي، ونظام التقنية، أما في المعاجم المشار إليها فقد رتبت الكلمات حسب منطوقها، دون نظر إلى الجذر أو الزيادة عليه، ولهذا الموضوع قصة يحسن أن نعرض خطوطها:
إن العربية لم تجهل هذا النوع من الترتيب قديما، فقد فكر فيه لغوي قديم هو كراع، وقد نشر له قريبا كتاب بعنوان “المنجد في اللغة”، وفيه قسم مرتب الفبائيا، ولكن هذا الترتيب لم ينتشر، أو لم يعترف به مؤلفو المعاجم القدامى، فاقتصر ترتيبهم الألفبائي على الجذور، وبحيث يضم الجذر كل الصور الاشتقاقية المتفرعة عنه، مجردة ومزيدة.
وبقى الترتيب الألفبائي الكامل لفهارس المراجع، وإثبات القوافي والنصوص، وهو أصلح ترتيب لمعاجم المصطلحات العلمية التي تختلط فيها الكلمات العربية بالأعجمية، وتعامل كلها باعتبارها كتلا صوتية ذات دلالة على المعنى الوضعي، دون نظر إلى تجريد أو زيادة. أما بالنسبة إلى المعاجم اللغوية فإنه جد معيب.
وقد أحسن الشيخ أحمد رضا عرض هذه القضية في مقدمته لمعجم (متن اللغة) الذي ألفه وانتهت مراجعته عام 1947، قال: “رتبته على أصل المادة المجردة من الزيادات في الحروف، كما هو الحال في سائر معاجم اللغة العربية، قديمها وحديثها، وإذا انقاد غير العربية من اللغات مع مرتبى المعاجم على حروف الكلمة كما هي في أصلها وزوائدها - فإن اللغة العربية لا تنقاد كذلك، لأنها من اللغات المتصرفة التي تدخل في صلبها الزيادات على المادة في المعنى، وتتغير هيئة الكلمة بتنويع الاشتقاق وسعته وكثرته، تنوعا يبعث الشتات في الكلمات المشتقة من أصل واحد، إذا أريد ترتيبها على صورتها، ويدعو إلى تباعدها عن مجالها الذي تألفها بعدا ياباه الذوق، كإكرم وكرم، فالأولى تكون حينئذ في أول المعجم، والثانية في آخره، ومكرم تأتي في مادة أخرى، وكذلك التكريم، وهو مصدر كرم، يجيء في غير مادتها”.
ثم يقول: “وبعد، فإن من يريد أن يجعل اللغة العربية السامية على منهاج غيرها من اللغات الارية، مع تباين ما بينها من الخصائص والمزايا والمقومات، هو كمن يطلب في الماء جذوة نار.
فالعربية كما سبق - لغة اشتقاقية، يتلقاها المتعلم جذورا تلد الصيغ، مجردة ومزيدة، وعلى هذا الأساس تتكون سليقته اللغوية، فهو ليس مضطرا إلى أن يحفظ كل الكلمات ليتمكن من استعمالها، كما هي الحال في اللغات اللاتينية، بل يكفيه أن يعرف قياسها وانتماءها إلى جذرها، ليمكنه أن يستدعيها عند اللزوم فتقفز إلى لسانه وبيانه”.
ومهما احتج أصحاب هذا الاتجاه الألفبائي بصعوبة الاهتداء إلى الجذر الذي يهدي إلى الكلمة، فإن ترتيبهم قد ذرر اللغة، أي: أحالها إلى ذرات مفككة، بما يترتب على ذلك من إضعاف للسليقة اللغوية لدى المتعلم، نتيجة تلاشي الإحساس بترابط الصور المشتقة من جذر واحد.
إن هذا الترتيب الألفبائي لا يصلح إلا في معاجم المصطلحات العلمية التي لا تتعامل مع جذور اللغة، وإنما تقتصر على إيراد الأسماء، دون الأفعال أو الأدوات، وقد التزم قديما في كتب الرجال والتراجم، وفي معاجم البلدان.
أما الدكتور إبراهيم مذكور فيقول في مقدمته للمعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة: “وفي وسعنا أن نقرر أنه استقام لمجمعنا منهج في التأليف المعجمي يتماشى مع طبيعة اللغة العربية، ويحقق ما ننشد من يسر ووضوح. فهي لغة اشتقاقية تقوم على أسر من الكلمات، وليس من الملائم أن نفرق شمل هذه الأسر، وأن نوزع أفرادها بين جنبات المعجم، لا لشيء اللهم إلا محاكاة لترتيب أبجدي صرف يلائم بعض اللغات الأخرى.
وفي هذا التوزيع ما يهدم وحدة المادة، وما يقضي على أصول الدلالات وفقه اللغة، وما يحول دون الفهم الدقيق، وما لا يسمح بتكوين ملكة لغوية سليمة. وفي حدود المادة يجب أن نبوب في عناية، وأن نلتزم الترتيب الأبجدي في دقة، فنيسر في غير بلبلة، ونجدد في غير شطط. ولا أدل على هذا من أن المجمع التزم في منهجه بوضع الكلمات المعربة في ترتيبها الهجائي؛ لأنها ليست لها في العربية أسر تنتمي إليها. وهو لا يمانع في أن تذكر بعض الكلمات العربية غير الواضحة الأصل في ترتيبها الأبجدي، على أن يحال شرحها إلى مادتها الحقيقية”.
“من كتاب العربية لغة العلوم والتقنية للدكتور عبد الصبور شاهين”
“من كتاب المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة"
“من كتاب فقه اللغة وخصائص العربية للأستاذ محمد المبارك”
(11) قدم الكتاب بالعربية
إن القول بأن اللغة الفينيقية عرفت في جزيرة كريت قبل أربعة آلاف سنة أو نحوها هو أقرب الأقوال إلى التاريخ الصحيح، سواء نظرنا إلى تاريخ الملاحة في الجانب الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، أو نظرنا إلى الأساطير المروية عن علاقة الجزيرة بمدينة صور، أو نظرنا إلى تفسيرات الحفريين ولم يظهر ما هو أولى منها بالقبول إلى الآن، أو نظرنا إلى الحروف الفينيقية التي اقتبسها اليونان وأبناء الجزر اليونانية جميعا بعد العصر المقدر لوجود الأميرة "اوربة" والملك "مينوس" ببضعة قرون.
ونحن - إلى هنا - نذكر اللغة الفينيقية والحروف الفينيقية عند الكلام على التاريخ قبل أربعة آلاف سنة، لأننا نعقب بهذا الكلام على تعبيرات العلماء الأوربين الذين يسمون الشعوب السامية بتلك الأسماء، كلما ذكروا شيئا عن تواريخها في تلك الأزمنة الخالية.
أما الذي نؤثره ونستند في إيثاره على الأصول المعقولة فهو تغليب كلمة "العربية" على كلمة الفينيقية أو كلمة السامية على اختلاف مدلولاتها، حيث يرجع الأمر إلى أربعة آلاف سنة من تاريخ هذه اللغات القديمة، أو على الأصح من تاريخ تلك اللهجات كما ينبغي أن تسمى في ذلك الحين لأنها كانت قبل أربعين أو خمسين قرنا لهجات تتفرع على أصل واحد قديم.
فقد كان الفينيقيون يقيمون بين النهرين على مقربة من خليج العرب قبل انتقالهم إلى صور وغيرها من المدن على شواطئ فلسطين.
وقد كانت الحروف المنسوبة إليهم عربية على التحقيق، ولم تكن مقصورة على قبائل الفينيقية في العراق أو فلسطين، ولو لم تكن عربية عامة لما وجدت بصورها الباقية إلى اليوم في الخط المسند الذي لاشك في قدمه وقدم الحضارة اليمانية بل العروبة اليمانية - من قبله - فإن الأبجدية المشهورة باسم الفينيقية، والأبجدية التي كانت تكتب في بلاد اليمن متشابهتان في أكثر الحروف، وما اختلف منها قليلا فهو اختلاف في الأداء دون الأصول، ومثله هذا الاختلاف الذي نشاهده بين كتابة المشارقة وكتابة المغاربة لبعض الحروف العربية إلى اليوم.
وإذا جاز الشك في العلاقة القديمة بين الحضارة العربية وجزيرة كريت فليس هناك محل للشك في علاقة هذه الحضارة باليونان منذ عصر الملك "قدموس" وهو مقارب في حساب التاريخ وحساب الأساطير لعصر الأميرة “اوربة” والملك مينوس على رواية الشاعر هوميروس.
نعم لاشك في هذا، لأن الأبجدية اليونانية باقية إلى اليوم تدل على تاريخ العلاقة القديمة.
فهذه الأبجدية التي يكتبها اليونانيون في عصرنا هذا موافقة بترتيبها حرفا حرفا لترتيب الأبجدية العربية، ولا يختلف هذا الترتيب مرة إلا إذا تقابل حرف من حروف الحلق بحرف من الحروف التي تقاربه في نطق الأوروبيين، لأن الأوروبيين لا ينطقون حروف الحلق كما هو معلوم.
فالأبجدية اليونانية تبتدئ بحروف (الفا وبيتا وجما ودلتا)، وهي حروف الألف والباء، والجيم والدال في “أبجد” على هذا الترتيب. ثم تتقابل حروف "هوز" بما يقاربها مع اختلاف نطق الهاء، ونطق الواو حين تكون حركة مد عندهم وحرفا منطوقا عندنا في بعض الأحيان، ثم تأتي “كلمن” متتابعة كما هي عندنا بغير اختلاف لخلوها من حروف الحلق والمد، وهم ينطقونها “كافا ولا متا ومى ونى” ويتبعونها ببقية حروفنا على النحو الذي أشرنا إليه.
ومن المؤرخين الأوربيين من يتعصبون في نسبة كل ثقافة أوروبية إلى أصل من أصولها العربية أو الشرقية، فهم يدركون هذا الشبه بين الأبجدية عندنا والأبجدية عند اليونان، فيتعرفون به ولكنهم يسألون: ولماذا لا يكون الساميون هم الذين اقتبسوا هذه الحروف من مصدر أوربى قديم؟
وقد ظل السؤال زمنا معلق الجواب أو محتملا للإجابة بنسبة الأصول الأبجدية إلى المصادر الأوروبية، لولا أن أسماء الحروف العربية عرفت بمعانيها وأشكالها ولم يعرف لها معنى ولا شكل يعود بها إلى لغة من لغات الأوربيين، ومن معاني هذه الحروف ما نفهمه في أحاديثنا اليومية إلى هذه الأيام، كالباء من البيت والجيم من الجمل والعين من العين، والكاف من الكف، والنون من النون أو الحوت.
وكلما كشف الحفريون حرفا مكتوبا وعرفوا معناه وعمله في الجملة عاد بهم هذا الكشف الجديد إلى أصل قديم يقدر تاريخه بآلاف السنين، فقد كشف الحفريون من آثار بلاد النبط بعض حروف الجر التي كانت تستعمل في مثل موقعها من الجملة عندنا قبل ثلاثة آلاف سنة. فإذا قدرنا أن حرف الجر عادة هو اسم أو فعل مختزل لا تتعود الألسنة اختزاله قبل انقضاء مئات السنين فلا بد من تقدير زمان سابق لتاريخ تلك الكتابة النبطية بعدة قرون، كانت فيها اللغة العربية لغة تركيب وإعراب بقواعدها التي تطورت مع الزمن حتى وصلت إلى ما هي عليه، وبلغت فيها قواعدها غاية مداها من الضبط والاستقرار.
وها هنا ننتهي إلى بيت القصيدة من تحقيق القول بقدم الغة العربية. فإن قدم اللغة العربية، على أية حال، عراقة تحسب لها كما تحسب لكل كائن حي عريق، ولكن الذي يعيننا منه في هذا المقام هو جانب التمام والنضج بعد طول التطور والتقويم.
فما من قاعدة من قواعد اللغات السامية تابعت نموها ونضجت في تطورها كما نضجت في لغتنا العربية، بعد ذلك التقدم المتطاول من أقدم العصور:
في اللغات السامية إعراب ولكنه قاصر غير مطرد ولا متناسق في مواضعه، ولم يبلغ قط مبلغ "القانون" الذي نعرف فيه حدود الأطراد وحدود الاستثناء.
وفي اللغات السامية اشتقاق ولكن قوالب المشتقات فيها لم تتميز بأوزانها ومعانيها كما تميزت مع تطور اللغة العربية.
وفي اللغات السامية حروف لم تعرف في غيرها من العائلات اللغوية كما يسميها المحدثون، ولكن لغة من اللغات - سامية كانت أو ارية أو طورانية – لم تتحرر فيها المخارج بحروفها ولا الحروف بمخارجها كما تحررت في لغة الضاد، فليس في لغة الضاد حرف ملتبس بين مخرجين ولا مخرج ملتبس بين حرفين.
وفي اللغات السامية نحو وصرف ولكنهما واقفان - فوق المنبت - جذورا كالخشب الذي لا يقبل النمو بعد ما وصل إليه، وما من جذر من جذور نحونا أو صرفنا لم يتفرع ولم يحتفظ بقوة الحياة فيه كما تحتفظ البنية الحية بقوة حياتها، وفي كل عضو من أعضائها.
ومن الواجب أن تتمثل هذه الظواهر العربية الخاصة في أذهان أولئك “المصلحين” الذين يحسبون أنهم يتناولون هذه اللغة بالإصلاح كلما احتاج الأمر إلى التوفيق بينها وبين مطالب العصر الحديث.. فلا محل في البنية الحية النامية لإصلاح التركيب أو تقويم البنية من جديد، وإنما هو "الغذاء" الذي يوافق تلك البنية وتأخذ منه بقدرتها الحية ما يأخذه الأحياء الأصحاء من كل غذاء طيب وطعام مفيد.
وربما اتفق اللغويون على قواعد عامة عملت في تطور هذه اللغات جميعا ولم تختص بها لغة دون سواها.
ومن هذه القواعد العامة أن الكلمات الانفعالية التقليدية أسبق من الكلمات الإرادية الفكرية، ويريدون بالكلمات الانفعالية ما يصدر عن الإنسان عفوا من الأصوات والصيحات التي تعبر عن الفرح أو الفزع أو الدهشة، وما تكون الكلمة منه أحيانا من قبيل المحاكاة الصوتية (Onomatopoeia) كاسم البلبل والكوكو، وألفاظ الدق والقطع والوسوسة وما جرى مجراها.
ويريدون بالكلمات الأرادية الفكرية كل ما يقصده المتكلم ويجرى فيه على القياس والاستعارة، وإطلاق القاعدة الواحدة على المتشابهات لفظا أو المتشابهات لفظا ومعنى.
وأكمل اللغات – على سنة التطور والتقدم - تلك اللغات التي انتظمت قواعدها الصوتية (Phonologic) وقواعدها الصرفية (Morphologic) وقواعد التراكيب والعبارات.
ثم يضاف إلى الظواهر الصوتية في قياس تطور اللغات ظاهرة التمييز والتخصيص في الصفات إجمالا وفي المفردات على التعميم، كالتمييز بين المذكر والمؤنث والجماد، وبين المفرد والمثنى والجمع، وبين جمع القلة وجمع الكثرة، وبين الصفات العارضة والصفات الملازمة، وهي جميعا من المزايا التي تمت للغة العربية على مثال لم تسبقها إليه لغة من لغات الحضارة.
فقيام اللغة على القواعد الفكرية دليل يثبت بها السبق على لغات الارتجال الجزاف في وضع الكلمات، سواء بالمحاكاة الصوتية أو بالتكرار على غير قياس.
وشيوع القاعدة في فعل كل مادة وفي الأسماء والصفات منها دليل على سبق التفكير في التعبير، وتعميمه على الأحداث والمعاني غير موقوف على أصوات الانفعال والمحاكاة، ويتبع ذلك شيوع الاستعارة وأمكان الجمع بين الوضع الحقيقي والوضع المجازى في كلام المتكلم، لتوسيع وبناء الكلمات على المضاهاة بين المدلولات.
"من كتاب الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين" و"من كتاب أشتات مجتمعات في اللغة والأدب للأستاذ عباس محمود العقاد".
(12) جماليات الخط العربي
استطاع الخطاطون العرب بمدارسهم المختلفة أن يتفننوا في تطوير الخط العربي بفضل اللغة القرآنية إلى مستويات من الجمال لم تبلغها خطوط أي لغة أخرى في العالم حتى إن بعض الفنانين التشكليين من العرب والمسلمين المعاصرين قد نقلوه في لوحاتهم في مجال الفن التشكيلي الخالص. و يرجع الأستاذ محمد المبارك جمال الخط العربي إلى تأثير أوزان الألفاظ العربية على جمال كتابة اللغة العربية. يقول: “و إني أذهب إلى أن أوزان الألفاظ العربية أكسبت الكتابة العربية جمالا تزيينيا خاصا ذلك أن الألفاظ التي تكون على وزن واحد تتشابه أشكالها الكتابية، ولا أقول تتماثل لاختلاف الحروف الأصلية، وذلك مثل (كاتب وقانع وشارب) ومثل (مكرمون ومقدمون ومطعمون)، فإذا ركبت هذه الكلمات في تراكيب كلامية كان منها ما يشبه الزخارف العربية ففيها تماثل وتكرر وتشابه وتقارب ثم اختلاف وتنوع فتمتزج المتماثلات والمتشابهات والمختلفات امتزاجا يعطي صورة مرئية في الكتابة ورسم الألفاظ تشابه خصائصها خصائص الفن العربي في الغناء و الرسم التزييني أو الزخارف”. أما الموسوعة العربية العالمية فقد جاء فيها عن الخط العربي مايلي:
يحتل الخط العربي مكانة فريدة بين خطوط اللغات الأخرى من حيث جماله الفني وتنوع أشكاله، وهو مجال خصب لإبداع الخطاطين، حيث برعوا في كتابة المصاحف، وتفننوا في كتابة لوحات رائعة الجمال، كما زينوا بالخطوط جدران المساجد وسقوفها. وقد ظهرت أنواع كثيرة من الخطوط على مر تاريخ العربية، والشائع منها الأن: خطوط النسخ والرقعة والثلث والفارسي والديواني، والكوفي والخطوط المغربية.
إن الخط العربي هو الفن الجميل للكتابة العربية التي ساعدت بنيتها وما تتمتع به من مرونة وطواعية وقابلية للمد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب، على ارتقاء الخط العربي إلى فن جميل يتميز بقدرته على مسايرة التطورات والخامات. فتشكلت علاقة وثيقة بين كل نوع من أنواعه والمواد التي يكتب بها أو عليها، فرأيناه لينا ينساب برشاقة وغنائية، ورأيناه صلبا متزنا يشغل حيزه بجلال يمتد إلى ما حوله، ورأينا الصلابة واللين يتبادلان ويتناغمان فيه. وهو في كل أحواله يشد الناظر ويمتعه بجمالياته الخاصة وتجريديته المتميزة التي عرفها بشكل مبكر وراق، مما جعل له مكانة خاصة بين الفنون التشكيلية. والخط العربي يعتمد فنيا وجماليا على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة. وتستخدم في أدائه فنيا العناصر نفسها التي نراها في الفنون التشكيلية الأخرى، كالخط والكتلة، ليس بمعناها المتحرك ماديا فحسب بل وبمعناها الجمالي الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق جمالي مستقل عن مضامينه ومرتبط معها في أنٍ واحد.
ومن خلال نمطيه الأساسيين المنحني الطياش والهندسي اللذين ينفرد كل منها بجماليات خاصة، مع الزخارف المرافقة لهما، يستطيع الفنان إبداع نوع من الإيقاع نتيجة التضاد بين الأجزاء والألوان، وما يحققه ذلك من إحساس بصري بالنعومة والخشونة والتكامل الفني الناتج عن التوزيع الإيقاعي، مع تحقيق الوحدة في العمل الفني ككل. ومن خصائصه أيضا مخالفة الطبيعة، والتجريد والاستطراد، مما يمنح الفنان الحرية اللازمة للتشكيل. وهذا ما ساعد الفنانين العرب والمسلمين على استخدامه في تشكيل تحفهم على الخامات المتنوعة كالمعادن والخزف والخشب والرخام والجص والزجاج والنسيج والورق بأنواعه، بالإضافة الى الروائع المعمارية، فكان الخط العربي قاسما مشتركا لكل الفنون العربية الإسلامية التي أعارها طابعه الجمالي المنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة.
ويحتل فن الخط العربي مكان الصدارة بالنسبة لفنون الخط في العالم وقد تطورت جمالياته وتنوعت أشكاله ومدارسه كثيرا منذ القرن الأول الهجري مما جعله قاسما مشتركا لكل الفنون العربية والإسلامية بل إن قيمته الجمالية العالية وسموه جعلا الأوربيين يقلدونه لأغراض تزيينية رغم أن قراءته تستعصي على كثير منهم. ولكتابة الخط العربي يستخدم الخطاطون أقلاما من القصب أو أسنانا معدنية بالإضافة إلى الأحبار والألوان وبعض الأدوات الهندسية".
"من كتاب الموسوعة العربية العالمية الصادرة في المملكة العربية السعودية"
"من كتاب فقه اللغة وخصائص العربية للأستاذ محمد المبارك"
*امذيب صالح أحمد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى