مرثية المرحوم الشيخ صالح سالم باثواب في ذكرى وفاته الأولى.. (2 - 2) مسيرة حياة رجل عصامي بنى إمبراطورية استثمارية من العدم

> م / خالد عبدالواحد نعمان

> *توسع نشاطه ومحاولة عرقلته ما بعد حرب 94 م
وإثر عودته إلى اليمن من مهاجر الاغتراب الثانية، حاول الاستثمار في مجال التنقيب عن الثروات الطبيعية المعدنية، واستجلب شركة كندية للتنقيب واستشكاف الذهب في وادي مدن بوادي غبر في حضرموت بعد أن اكتشفته شركة بريطانية هي شركة (هنتج) في منتصف السبعينيات، التي كانت تريد إنتاج الذهب بعد 6 أشهر، ولكن رفضت الدولة آنذاك عرض الشركة وقررت تسليمه للروس لاستكمال تنفيذ المشروع، وظل المشروع بيد الشركات الروسية تحضر الخنادق وترسل أطنانا من صخور المنجم كعينات تكنولوجية، واستمرت لأكثر من 12 عاما، ثم انسحبت ولم يعرف للمشروع أي نتيجة على مدى الفترة التي تولت فيه الشركات الروسية تنفيذ المشروع، وكانت نية المرحوم الحاج صالح باثواب الاستثمار لتنفيذ المشروع على أساس مشروع استثماري يموله من حر ماله، وعند الإنتاج يقتسم مع الدولة عوائد المشروع، ولكن للأسف، تم عرقلة تنفيذ المشروع، وتم البسط عليه من قبل جهات متنفذة، ولم يرَ المشروع النور ولم يعرف عنه بعد ذلك عدا تسريبات غير مؤكدة.
واستمر في تنفيذ مشروعاته الأخرى في العديد من مناطق اليمن، فبدأ بإنشاء سلسلة مطاعم ومحلات سنوكريم في بعض المدن اليمنية في صنعاء وعدن والمكلا، ومدينة فن سيتي الترفيهية بصنعاء، وأتبعها بفن سيتي بعدن، وأيضا اشترى بعض مواقع المصانع المتعثرة، وأنشأ فيها بعض الصناعات الغذائية الخفيفة، ومصنع تحضير التبوغ، وحاول أيضا الاستثمار في المنطقة الحرة في مشروع الملح، كما اشترى عددا من الأراضي وأقام عليها مزارع لإنتاج الفواكه، وبعض المنشآت التخزينية، كما قام بعمل دراسة لإنشاء شركة طيران خاصة أسماها “فلاي عدن”، وحصل على كافة التراخيص والإجراءات لإعلان الشركة، وكان في طريقه لشراء طائرات حديثة، إلا أن تطورات الأحداث السياسية والأمنية قد أجبرته على إرجاء هذا المشروع الحيوي الهام، كما بدأ الخطوات الأولى لتأسيس شركة البحر العربي، للصوامع واضطر إلى التوقف بسبب الظروف التي حلت باليمن مؤخرا.
ولم يكتفِ بتلك الاستثمارات في اليمن، بل عزز من تواجده في تنزانيا وتوسع في مشاريعه الصناعية/ الزراعية هناك، وأنشأ شركتي تنزانيا بولتري فارم للدواجن وكيلو أجرو لمنتجات الثروة الحيوانية، كما توسع في شراء أسهم الشركات المساهمة المحلية كيمن موبايل وشركة السكر والأحياء البحرية وغيرها، ثم انتقل إلى الإمارات العربية المتحدة، واشترى عددا من العقارات هناك، وفي عمّان بالأردن وفي مصر، وأنشأ أيضا مصنعا للصناعات الغذائية الخفيفة في مصر، كما دخل عالم الاستثمار في مجال البورصة العالمية، وكان مازال في جعبته الكثير من المشروعات الاستثمارية، ولكن قضى الله أمرا كان مفعولا، وغادر هذه الدنيا الفانية بعد مرحلة عناء وكفاح، استمرت أكثر من سبعين عاماً منذ أن كان عمره الثامنة وحتى وفاته على مشارف الثمانين من العمر.
*إسهام صفاته الشخصية الحميدة في تحقيق النجاحات الباهرة
لقد تميز المرحوم الشيخ صالح باثواب بالصبر والجلد والإيمان والتقوى وحب الناس وحب الخير، كما تميز بالصدق والأمانة والإخلاص والوفاء والسماحة، وكل ذلك كان وراء تميزه وتحقيق النجاحات التي حققها هو ووالده وإخوانه وأولاده من الصفر ومن لا شيء، فقد كان هو المحور لكل هذه النجاحات من خلال المزايا الدينية والأخلاقية والمجتمعية التي تمتع بها أصلا في سلوكه ومعاملاته، ناهيك عن القيم المادية العلمية والعملية والحضارية التي اكتسبها من خلال تجاربه في الحياة في مجال النشاط الاقتصادي والتجاري والاستثماري والمالي.

بالرغم من أن تعليمه في الصغر لم يتجاوز المرحلة المتوسطة في المهجر، إلا أن ممارسته للتجارة من الصغر مع الأجانب والأفارقة بالذات مكنته من إتقان اللغة الإنجليزية والسواحلية بطلاقة، ومكنته أيضا من اكتساب المعارف التجارية والخبرات الإدارية، وكان والده يقول له: “إن الحياة مدرسة يا ولدي، وتعلم من تجارب الآخرين، وتذكر بأننا لم نهاجر من وطننا إلا بسبب الفقر، ويجب ألا نعود إليه”، لقد تمتع المرحوم بذكاء فطري وذاكرة قوية، وكان رجلاً عصامياً، وكان لديه إصرار على المغامرة في الاستثمار، ولكن في ظل رؤية ثاقبة ومتوقعاً لما ستؤول إليه الأمور، لقد كان رحمه الله جادا في عمله، دقيقا في مواعيده، حريصا على المشاركة في المؤتمرات والندوات المتعلقة بمجال عمله، لقد كان يجري الصفقات ويشرف عليها بنفسه مع الشركات الأجنبية، وكان محاورا ومحدثا لبقا في المحادثات مع الأجانب، وكان ينتزع منها ما يريد بقوة حجته وقدرته على المحاججة والإقناع، وخاصة أنه يمتلك ناصية اللغة الإنجليزية بطلاقة.
*مساهماته الوطنية والاجتماعية والخيرية وتقلده عددا من المناصب
لقد كان المرحوم رجل خير وبر وإحسان، وكانت مجالسه في كل المناسبات الدينية والوطنية لا تخلو من العشرات من الناس الذين يحضرون المأدبات الجماعية العامرة، كما كان يتبرع بانتظام للعشرات من الجمعيات والنوادي الاجتماعية والخيرية والرياضية ويغيث الملهوف ويدعم الأسر الفقيرة ويعالج المرضى ويقوم بكل أنواع أعمال الخير، مباشرة أو عبر شركاته، بل وأوقف جزءا من أمواله وممتلكاته كوقفية ذرية لأعمال الخير بعد وفاته.
كما أسهم مع غيره من المهاجرين والجالية اليمنية في شرق أفريقيا في شراء سفارتي اليمن الجنوبي في كل من كينيا وتنزانيا، والتي ورثتها دولة الوحدة وقامت ببيعها بعد ذلك، كما أسهم في بناء مدارس للجالية ومساجد عديدة في هذه البلدان.

لقد كان المرحوم محبا للعلم وللعلماء (علماء الدين وعلماء علوم الدنيا)، وكان يحرص على تأهيل الشباب، ويدعم إيفادهم للخارج للدراسات العليا، بل وأرغمني على المشاركة معه في تأسيس والمساهمة في إنشاء “جامعة ابن خلدون” والتي كان الهدف الأساسي من إنشائها ليس الاستثمار التجاري، أو الهدف إلى الربح، ولكن كان استثمارا في تعليم الشباب العلوم العصرية الحديثة، بأعلى قدر من الكفاءة والإتقان، ولم يقتصر على ذلك، بل كان أول الملبين، لتنفيذ المبدرة التي طرحت في إحدى فعاليات نادي رجال الأعمال بعدن، التي عقدت قبل حرب عام 2015م، والتي كانت تدعو لإنشاء “مؤسسة التنمية البشرية بعدن” أسوة “بمؤسسة التنمية البشرية بحضرموت” التي يراعها الأستاذ المهندس عبدالله بقشان، وفي إحدى زياراته إلى مركز الرشيد للبحوث والدراسات، بمعية مستشارة القانوني الشيخ طارق محمد عبدالله المحامي، وبحضور الدكتور صالح باصرة، أبدى استعداده برعاية إنشاء هذه المؤسسة، ولكن لم يمهله القدر لتنفيذ هذه المبادرة الشخصية، ونأمل من ورثته أن يتبنوا هذه المبادرة من حصيلة وقفيته الخاصة (وقفية الذرية) التي أوقفها من أمواله الخاصة.
كما قام بإصلاح ذات البين بين عدد من الفرقاء في خلافات ذات طابع أسري أو تجاري، وكان يغرم من ماله لنجاح مثل تلك التسويات، بل وكان يتدخل بقوة لنصرة المظلومين ممن تعرضوا لبعض الانتهاكات غير القانونية أو الشرعية من المغتربين أو المهاجرين..

وقد تولى خلال حياته العديد من المواقع القيادية في بعض المنظمات الفئوية والمجتمعية، حيث تولى نائب رئيس الغرفة التجارية والصناعية بعدن لعدة سنوات، وعضو هيئة تنشيط الصادرات ونائب رئيس جمعية الصناعيين اليمنيين، ورئيسا للجمعية الخيرية الحضرمية بعدن لعدة سنوات.
*ذكريات جميلة معه خلال سفرياته للخارج
لقد سافرنا معا عشرات المرات، إلى عدة بلدان، بعضها شخصي وبعضها في مهمات رسمية نمثل القطاع الخاص، وبعضها في مؤتمرات أو معارض دولية، دعوته إليها معي، ولكن كانت معظمها في سفرات عبادات ثلاثيا (أنا وهو وشيخ طارق محمد عبدالله المحامي) لأكثر من عشرين عاماً إلى مكة المكرمة لأداء العمرة، وقد حضرت معظم مناسباته الاجتماعية خلال الثلاثين عاماً من معرفتي به، ولنا ذكريات جميلة وشيقة جداً، حيث كان يتحرر من شخصيته الرسمية كرجل أعمال، أول ما يطلع الطائرة متجهاً إلى الخارج، ويبدأ في إظهار سجاياه الحميدة من مرح ومقالب وحب الناس والتواصل مع الآخرين بكل حميمة وتواضع.
فقد كانت صحبة لا تنسى، وحزني كبير جداً على فراقه، لذلك أفردت هذا الحيز من المرثية لأذكر بها أولاده والأجيال القادمة من أسرته أو غيرهم من أبناء وأسر رجال الأعمال الآخرين الذين يمكن أن يجدوا العديد من العبر والدروس عن سيرة المرحوم، يرحمه الله ويسكنه الدرجات العلى من الجنة إن شاء الله ونستظل نحن وإياه في ظلال الله بالجنة بإذنه تعالى.
م / خالد عبدالواحد نعمان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى