الشكل والموسيقى في شعر القمندان (3 - 2)

> محمد فاضل حسين

> ثانياً: الثنائي أو المزدوج في شعر الأمير القمندان
الثنائي أو المزدوج هو شكل من أشكال كتابة الشعر العربي. وقاعدة بناء هذا الشكل هي وحدة القافية نهاية كل بيتين سواءً كانت الأشطار الأولى موحدة أم مختلفة، وتأتي بعدها أشطار ثلاثة بقافية مغايرة ويتوحد الشطر الرابع مع الشطر الرابع في البيتين السابقين في القافية.
ويلحق بهذا الشكل ما جاء على نظامة وإن تجاور عدد البيتين، ويحتفظ هذا الشكل بوحدة الوزن في كافة أشطار وأبيات ومقاطع الثنائية.
ويرى النقاد أن ظهور هذا الشكل في الشعر العربي كان لأسباب الميل إلى تخفيف ضغوطات القافية الموحدة في القصيدة العمودية.
ونعود إلى ديوان الأمير القمندان لنجد أن هذا الشكل يحتل المرتبة الثانية بعد القصيدة العمودية من ناحية العدد ويليه الموشح في المركز الثالث، ونستطيع أن نشاهد ثلاث صور مختلفة في ثنائيات الشاعر القمندان:
الصورة الأولى:
أ‌ - نرى فيها تطابق ثنائيات الشاعر مع قاعدة بناء الثنائيات المشار إليها أعلاه كما جاء في ثنائيته "يالله بالفرج دوب" وثنائية المكونة من أربعة أبيات "البدرية"، وجاءت القافية في الأولى موحدة في الثلاثة الأشطر الأولى ومختلفة من مجموعة إلى أخرى، والشطر الرابع موحد القافية في كل مجموعات الثنائية.
ب‌ - أما في الثانية فتتوحد الثلاثة الأبيات الأولى بقافية موحدة للصدر، وأخرى للعجز، وتختلف من مجموعة إلى أخرى، وجاء البيت الرابع بقافية موحدة صدر وعجز في كافة المجموعات أو المقطوعات المكونة للثنائية.
الصورة الثانية:
جاءت قريبة من شكل القصيدة العمودية لولا أن الشطر الرابع مكرر في كافة المجموعات أو المقطوعات.
يقول القمندان:
أ - غزلان في الوادي يا سعد رعيانه
ياليتني بمرح معهم عسل نوب
يرعون من تين الوادي ورمانه
يا خاطري ما شانك ليه متعوب
ب - يا قمري الوادي ليه البكاء والنوح
خليت قلب العاشق في شجن دوب
ليه الجفا يا عيني يا حياة الروح
يا خاطري ما شانك ليه متعوب
ج - يمسي هوى الوادي في قلبي يكوّيني
يمسي على القلب المارود هبهوب
لا عاد دنيا خلى لي ولا ديني
يا خاطري ما شانك ليه متعوب
الصورة الثالثة:
جاء فيها الشطر الرابع محذوفا ويتكون من عنوان الثنائية نفسها وقد كتب في هذا أكبر عدد من ثنائياته.
يقول القمندان في ثنائيته (حالي يا عنب رازقي):
يا قلبي تسلى على ساجي الطرف ظبي الخلا
وانتي يا سحاب ابرقي حالي يا عنب رازقي
يا خلي دلا بي دلا كلك يا عيوني حلا
وينك يا عسل مشرقي كلك ياعيوني حلا
خلك في المحبة حنب وينك يا الغصين الرطب
بالك بر هاجر نقي وينك يالغصين الرطب
يا مشمش وذول العنب عذبني الهوى وين هب
هات الماء بانستقي حالي يا عنب رازقي
وجاءت القافية في الصورة الثالثة من ثنائيات القمندان بصور مختلفة يمكننا حصرها بالآتي:
1 - في ثنائية حالي يا عنب رازقي وحد صور وعجز البيت الأولى مع اختلافه من مجموعة إلى أخرى، ووجد قافية صور وعجز البيت الثاني غير أن الصورة مكتوب والعجز غير مكتوب، ويتكون من عنوان الثنائية.
2 - في ثنائية زاد الهوى زاد يا مولى الشراع، ويا زين ليه التقلاب، جاءت القوافي موحدة للصور والعجز بقافية موحدة في كافة المقطوعات.
3 - أما الشطر الرابع فمحذوف، ويتكون من عنوان المبيتة، وجاء في الأولى بقافية مغايرة لما قبله وفي الثانية موحداً مع ما قبله.
يقول القمندان (زاد الهوى زاد يا مولى الشراع):
عسى تليني يا القلوب القاسية والمزن بايروي الغصون الظامية
شفت الحسيني والرياض الناظرة واغصانها فيها القطوف الدانية
ونا معك يازين مافك نيه
يا فاتني يابو العيون الساجية امست فؤادي من فراقك واهية
ويقول في ثنائية (يا زين ليه التقلاب):
ليه وعدني وغاب قفل على نفسه الباب
افتح الباب والا بايقع دوب قبقاب
ليه ضاع الحساب تسلق حزيران في آب
المحبة عذاب من صابه الله بها صاب
قد كشفنا النقاب يازين ليه التقلاب
وفي ثنائية القمندان “يهناك طيب المحبة يا ورش” وحد شطر البيت الأول الصور في كافة المقاطع، ووحد عجزه مع صور البيت الثاني بقافية موحدة في كافة المقاطع، والشطر الرابع مكون من عنوان المبيتة.
وفي ثنائية “يا قلبي تصبر” وحد الثلاثة الأشطر الأولى بقافية موحدة في كافة المقاطع، أما الشطر الرابع فقسمه إلى قسمين: الأول مكتوب وله قافية مختلفة عن الثلاثة الأشطار الأولى، وهي تتراوح بين الاتحاد والاختلاف من مقطع إلى آخر، أما القسم الثاني من الشطر الرابع فيتكون من عنوان المبيت “يا قلبي تصبر”.. يقول القمندان:
أ - يا فل يا عود ما وردي وعنبر وانته عسل جرداني وسكر
وفين وليت دوبي تخبر لما متى يا قلبي تصبر
ب - وفين وليت قلبي تفطر بعدك على الله بحر أو بر
ياليل أبيض أو يوم أزهر فيه اللقاء يا قلبي تصبر
ب - اشرب معي يا سيد واسهر سمرة كما عبلة وعنتر
لما يقول الله أكبر
يمكننا بعد هذا الاستعراض لصور كتابة الثنائيات في شعر الأمير العظيم أحمد فضل محسن القمندان أن نخرج بعدد من النتائج والملاحظات الهامة نحددها بالآتي:
1 - القمندان لم يلجأ إلى كتابة هذا الشكل هروباً من ضغوطات القافية كما هو الحال عند آخرين لأننا وجدنا القمندان يلزم نفسه بما هو اشد من ضغوطات قافية العقيدة العمودية مثل توحيد كافة الاشطر بقافية موحدة وفي كافة المقاطع، ولاننا نجد في كافة اعماله الشعرية ان هذا الشاعر لا يعاني من مشكلات ومتاعب القافية فلديه قدرة رهيبة على حشد القوافي وتوظيفها توظيفاً سليماً وموفقاً.
2 - إن القمندان يقدر مآخذ الشكل الخارجي للمبيتات العربية إلّا أنه لم يلتزم بقواعد محددة، وكان مبدعاً في مجال توزيع القوافي ومجرداً باستخدام طريقة التكرار للشطر الرابع مكتوباً ومحذوفاً.
3 - إن موهبة القمندان الفنية كملحن كان لها أثرها في إغناء إبداعه الشعر ي، ففكرة حذف الشطر الرابع واستبداله بعنوان المبيتة جاء عن طريق الفن - دور الفنان ودور الكورس- فهذا النموذج بقدر ما يحقق متطلبات فنية تتعلق باللحن فإنه كذلك يساعد على إبراز الفكرة الأساسية للمبيتة ويساعد على تجسدها عبر التكرار.
4 - لم يكتب القمندان على هذا الشكل لمجرد التقليد ومجاراة الآخرين، لأننا نجد في ثنائياته إحساسات مرهفة رقيقة، وأيضا مطبوعة وبسيطة غير متكلفة أو مصنوعة، ولا يخفى ما فيها من مهارات عالية تدل على قدراته العظيمة ونضوج تجربته الشعرية وخصوبتها.
محمد فاضل حسين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى