سجع الحمام في الشعر العربي

> د. سعيد العوادي

> للحمام وسجعهن حضور مائز في الشعر منذ العصر الجاهلي إلى يوم الناس هذا فهن الأليف للمرء مقيما ومرتحلا.. مذكيات الشوق والحنين.. ونازعات الإلف إلى إلفه و الغريب إلى وطنه، وإنك لتجد الأبيات العديدة المرسلة في الشكوى والحنين والشوق والصبابة والوجد أذكاهن نوح حمامة بهدأة من ليل أو هجعة من سحر أو ضحوة من نهار.. ولا غرو أن تجد عنوانا مثل (طوق الحمامة في الألفة والألَّاف)، لأبي محمد ابن حزم الأندلسي، وإنما ذُكِرت الحمامة لتناسبها مع ذكر الأُلفة والصحبة...
والشعر مع الحمائم وسجعهن يرق فلا تكاد تميز بين شعر جاهلي وشعر عباسي وحديث، هذا أبو كبير الهذلي يقول:
ألا يا حمامَ الأيكِ إلفُك حاضرٌ
وغصنُك ميَّادٌ ففيم تنوحُ
أفق لا تنُحْ في غير شيء فإنني
بكيتُ زمانا والفؤادُ صحيح ُ
ولوعا فشطَّت غربةً دارُ زينبٍ
فها أنا أبكي والفؤادُ جريح ُ ..
والنص كما لا يخفى زفرة حرى لفحت الحمائمَ لوما وعتابا وإنما اتخذ لومهن سبيلا إلى لوم نفسه هو ..
والنص عينه يُرجِّع صداه شاعر عباسي قذفت به الأسفار بعيدا في الري (بالقرب من طهران الآن).. إذ يروي القالي في أماليه أبياتا لعوف بن محلّم وقد ذكروا له أبيات أبي كبير الفارطة فقال:
أفي كل عام غربة ونزوح
أما للنوى من ونية فيريح
وذكَّرني بالري نوحُ حمامةٍ
فنحت وذو الشجو الحزين ينوح
على أنها ناحت ولم تذر دمعَها
ونحت وأسراب الدموع سفوح
وناحت وفرخاها بحيث تراهما
ومن دون أفراخي مهامه فيح ..
وغير بعيد من معنى الشاعرين في لوم الحمام ما جاء في قول أبي فراس الحمداني وهو أسير مع الروم:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة
أيا جارتا لو تعلمين بحالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى
ولا خطرت منك الهموم ببالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة
ويفرح محزون ويندب سالي
لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة
ولكن دمعي في الحوادث غالي ..
ونقف عند شاعر أموي فحل كثر الاستشهاد بشعره في اللغة والنحو هو حميد بن ثور الهلالي...وله مع سجع الحمام سبيل أخرى:
عجبت لها أنى يكون غناؤها
فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما
فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها
ولا عربيا شاقه صوت أعجما
واللغوي ابن دريد صاحب (الجمهرة) و(الملاحن) له أبيات حسان في الحمام:
أقول لورقاوين في فرع نخلة
وقد طفل الإمساء أو جنح العصر
وقد بسطت هاتا لتلك جناحها
ومال على هاتيك من هذه النحر
ليهنكما إن لم تُراعا بفرقةٍ
وما دب في تشتيت شملِكما الدهر ُ
وله أيضا :
كاد يبكي أو بكى جزعا
من حمامات بكين معا
ذكّرنْه عيشةً سلفت
قطّعت أنفاسَهُ قطعا..
وفضل السبق بالبكاء يذكره نصيب أو عدي بن الرقاع في أبيات ذائعات في بابهما ..
ونبه شوقي بعد ما كان نائما
هتوف الضحى، مشغوفة بالترنم
فلو قبل مبكاها بكيت صبابة
بليلى شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا
بكاها فكان الفضل للمتقدم
ومازال في حديث الحمام بقية تأتي إن شاء الله

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى