مستشفى الجمهورية التعليمي بعدن.. ماض عريق وحاضر يحتضر (2)

> تحقيق / علي راوح

> قدم مستشفى الجمهورية، منذ تدشين عمله في أغسطس 1958م، خدمات طبية جليلة لمواطني مستعمرة عدن، وبقية مناطق الجنوب، وعدد من محافظات الشمال، باعتباره المستشفى الوحيد في عموم المنطقة العربية آنذاك.
غير أن هذا الصرح الطبي الكبير بات اليوم في وضع متردٍ في مختلف المجالات، خدماتياً وصحيًا، وأضحت مهامه تقتصر على تقديم خدمات طبية بشكل ضعيف جداً، وأدوية وفحوصات لا تكاد تذكر، الأمر الذي ألقى بظلاله على المرضى ومرافقيهم، على حدٍ سواء وزاد من معاناتهم، لاسيما بعد أن تم مؤخراً فرض رسوم يومية تقدر بـ2000 ريال على كل سرير، وهو ما حول المشفى إلى أشبه ما يكون بالخاص.
شكا لـ«الأيام» مرضى بعدد من الأقسام بمستشفى الجمهورية من قساوة المعاناة المستمرة التي تبدأ منذ دخولهم ومرافقيهم إليه حتى المغادرة، وفي مختلف المجالات.
يقول مرضى بقسم الصدر: "إننا نتحمل تكاليف غالبية الأدوية والفحوصات، ورسوم السرير ورسوم المرافق إلى غير ذلك مما يتطلبه المريض".
فيما يقول علي ناصر سالم في حديثه لـ«الأيام»: "المستشفى يقدم لنا بعض الإبر والدريبات فقط، وأي علاجات أخرى يُلزم بشرائها المريض إلى جانب الفحوصات ما عدا فحص الإيدز، فضلاً عن دفع المريض قيمة الملف وكرت المرافق"، وهو ما أكده زميله النزيل علي عبدالله.
وأوضح رأفت محمد صالح، وهو أحد نزلاء قسم الباطني، أنه "تعرض للإصابة بجلطة، نُقل على إثرها للمستشفى، حيث تحمَّل، ومازال، كل تكاليف العلاج والفحوصات".
وأضاف لـ«الأيام»: "العلاج المجاني الذي يقدمه المستشفى لنا هو المضاد الحيوي وبعض الأشياء، أما جهاز الأيكو والكشافات كلها بفلوس، فضلاً عن رسوم الملف وكرت المرافق".
فيما يقول مرتضى أحمد عبده: "أُعاني من فشل كلوي، وقمت بشراء المستلزمات منها سنترال لاين بـ(5000) ريال، وشراء الخيوط وكل مستلزمات العملية باستثناء الغسيل فهو مجاني".
وأوضح مريض، طلب عدم ذكر اسمه، بأن "كل العلاجات والفحوصات لا تتم إلا بالفلوس، فمثلاً فحصوات الدم تكلف عشرة آلاف ريال، والملف مع الكرت ألفين وخمسمائة ريال، وفي قسمي الإنعاش الباطني والجراحة يدفع المريض ألفي ريال للسرير يومياً".
*الفحوصات ما بين (150 - 200) ألف
ويقول المريض رفعت محمد أحمد: "أُعاني من السوائل واُجريت ليّ عدد من الفحوصات في المستشفى، وهناك فحوصات قيمة بعضها 150 و200 ألف، والكشافة والسرير بالفلوس، والجميل في قسمنا هي النظافة، وتعامل الأطباء والممرضين".

*هنا كل شيء بثمن
محمد يحيى تحدث هو الآخر عن معاناته في المستشفى قائلا: "أُجريت لي عملية قسطرة في مستشفى الريادة بتكلفة (200) ألف ريال مع الفحوصات، أما هنا فكل شيء بثمن، فتحت ملف في الحوادث بـ(7) الآف ريال، وأشتري الأدوية من خارج المستشفى ما عدا حق السكر مجاناً".
*إهمال وسوء نظافة
وفي قسم العظام (الكسور) بلغت معاناة المرضى ذروتها، بين آلام وإهمال قد يصل إلى شهور، وفشل مستمر لمعظم العمليات، وخسائر وغياب للنظافة.
يقول نبيل عبده حسن "تعرضت للسقوط من الدور الرابع بينما كنت أعمل (مليسا)، ونقلت على إثره إلى هذا القسم، حيث أُجريت لي عملية بـ150 ألفا، ولا وجود للأدوية المجانية إلا الدريبات (مغذيات)، وتبقى لي عملية للرجل مع اليد الأخرى، وقد اشتريت الصفيحة للرجل بـ(150) ألف ريال من المستشفى، وأخبروني بأن العملية ستجرى بـ(130) ألفا، ودفعت أيضاً رسوم الملف وغيره، وكأننا في مستشفى خاص وليس حكوميا".
معاذ صالح عبده سقط من على سُلّم وتعرض لكسرين في الرجل، أُخبر بأن تكلفة العملية ستصل إلى 270 ألف ريال، وما زال يتألم في انتظار إجرائها.
*خسرت 300 ألف
ويقول مهران علي عبدالرحيم: "تعرضت لإصابة رصاص في الرجلين والظهر، منذ شهرين وأجريت لي عملية للرجلين، واحدة فيها ثلاثة كسور، وأنتظر تركيب الجبس، وقد كلفت إلى الآن (300) ألف ريال".
محمد عبادي أُصيب بكسور في الرجلين، وينزل في المشفى لقرابة الأسبوعين، وقررت له عملية وصفائح ولم تجر له العملية بعد.
أحد نزلاء قسم الكسور
أحد نزلاء قسم الكسور

*نزيل بعمر ثلاثة أشهر
الرضيع أحمد وسيم عبده حسن لا يتجاوز عمره ثلاثة أشهر، يعاني من عيب خلقي في رجل ويد، تقول أمه لــ«الأيام»: "أحضرناه أربع مرات إلى هنا، وأخبرنا الأطباء بضرورة إجراء العملية، والتي ستكلف (200) ألف ريال، ونحن لا مقدرة لنا بدفع هذا المبلغ، فوالده لا شغل له، ويُعاني من حالة نفسية ولا مصدر دخل لنا"، موجهة نداء لأهل الخير بالمساعدة، لتتمكن من إجراء العملية لطفلها.
*تهجم ومحاولة اعتداء
حينما هممت بمغادرة القسم اعترضتني إحدى الموظفات في بوابته، وتدعى (ز)، وبتهجم وصراخ سألتني عن سبب دخولي القسم وتصويري الطفل، واستدعت الممرضين طالبة منهم القبض عليّ لاحتجازي ومصادرة كاميراتي، متجاهلة إذن مدير مكتب مدير المستشفى، بالتصوير وجمع المعلومات المطلوبة، وقد تعرضت للسب والشتم بتحريض منها قبل أن تصل المشكلة إلى مدير المكتب وينهيها.
وشكا عدد من نزلاء القسم من تأخر ومماطلة في إجراء العمليات لهم قد تصل إلى شهور، فضلاً عن فشل معظمها، وغياب النظافة.
*نقص في الكادر
فيما قال مدير هيئة مستشفى الجمهورية العام النموذجي د. أحمد سالم الجربا، في رده عن شكاوى المواطنين من فرض أسعار جديدة على أدوية وخدمات المستشفى: "الجميع يعلم أهمية وجود المستشفيات الحكومية لتقديم الخدمات للمواطنين والمحتاجين، ولو في حدودها الدنيا، ولاستمرارية هذه الخدمة لابد من وجود موازنة حكومية، ونظراً لبقاء هذه الموازنة دون زيادة ولسنوات طويلة والارتفاع الكبير جداً في أسعار الأجهزة والمعدات والمواد الطبية، تم العمل بمساهمة المجتمع منذ فترة وهي مقارنة بالأسعار في المستشفيات الخاصة تتراوح ما بين (25 - 30 %)، كما أنها لا تغطي (10 %) من تكلفة علاج المريض، ونحن نأمل من الحكومة أن تعيد النظر في الموازنة وصرفها بانتظام".
أثناء اجراء عملية لاحد المرضى
أثناء اجراء عملية لاحد المرضى

وأعاد الجربا جزءا من ضعف الخدمة في المستشفى إلى نقص الكادر في مختلف التخصصات والمجالات، والذي يصل إلى 50 بالمائة، موضحاً أن "عدد الكوادر في العام الماضي 1200 كادر في مختلف التخصصات والمجالات، فيما يصل عددهم في الوقت الحاضر 952، وبينهم 262 وظيفة غير فعلية، نضرا للحالات الآتية:
- البالغون أحد الأجلين والمتوفون، وعددهم 187 موظفا وموظفة.
- الإجازات بدون راتب (34) موظفا وموظفة.
- المنقطعون من العمل 28 موظفا وموظفة.
- المحالون للمعاش الصحي 9 موظفين وموظفات.
- وهناك (4) كوادر يدرسون في الخارج.
وهذا يعني أن القوى الوظيفية الفعلية في المستشفى تمثل 50 % من الاحتياج الفعلي، الأمر الذي يتطلب تدخلاً سريعًا من الحكومة بوضع الإجراءات الكفيلة بتطبيق القانون، وإحالة من بلغ أحد الأجلين إلى المعاش، وتوظيف بديل عنهم وبصورة عاجلة، والمشكلة الأكثر أهمية تكمن في الأطباء والممرضين، لكونهم أساس العمل في المستشفى، حيث بلغ عدد الأطباء (206) أطباء، و(312) ممرضا، وتكمن المشكلة أساساً بأن الكوادر المؤهلة خلال المراحل السابقة تم قبولها في جامعة عدن، حيث كانوا يعملون في السابق بالمستشفى إلى جانب الجامعة، غير أنه في الفترات الأخيرة توقفت الغالبية العظمى عن العمل بالمستشفى، وهذا يُعد أهم الأسباب المؤثرة على مستوى الأداء، والعمل يتطلب العودة إلى ما كان يعمل يه في السابق من الربط بين العمل الخدمي والتدريسي، وإلزام الجامعة لكادرها بذلك".
ويضيف: "أما مشكلة التمريض فهي ذات بعدين.. الأول: العدد، وهو غير كاف إذ يمثل حوالي 50 % من احتياج المستشفى، وهناك معالجات تمت من خلال التعاقد مع ممرضين وممرضات ومتطوعين، وتم تمويل دورتين لتأهيل الممرضين والممرضات في المستشفى، ولكن الأمر يتطلب تدخلاً عاجلاً من قبل الجهات المسئولة.
فيما يكمن البعد الآخر في النوعية، وعلى الرغم من النقص إلا أن الأطباء والممرضين والموظفين قد قاموا بعمل كبير خلال السنة الماضية، وهذا العمل ينعكس من خلال الإنجازات التي تم تحقيقها من قبل هيئة مستشفى الجمهورية خلال العام 2017، وهي كما يلي:
بلغ عدد من تم معاينتهم في العيادات الخارجية (53.587) مريضاً، وعدد من تم دخولهم إلى أقسام المستشفى 8.880 مريضاً، ومن تم معاينتهم في مركز الحوادث والطوارئ 62.007 مرضى، إجمالي العمليات المختلفة (11.306) عمليات، والغسيل الكلوي (31.206) جلسات، جهاز التلفزيون 3.912 مريضاً، جهاز فحص الإيكو (345) مريضاً، تخطيط القلب 8.147 مريضاً، الأشعة (46.440) فيلماً، المختبر (304.286) فحصاً، المناظير (318) مريضاً، الحالات التي تم معالجتها في مركز معالجة الإسهالات المائية الحادة (4.436) حالة، الأنسجة: سيتلوجي (235) مريضاً، وبيوبسي (45) مريضاً، وإجمالي مرضى الفشل الكلوي (353) مريضا"، مؤكداً في ذات السياق أن "هذه الأرقام تعكس مستوى العمل الكبير الذي قام به جميع العاملين في المستشفى، على الرغم من الصعوبات التي تم ذكرها أنفا".

*الافتقار للكثير من الأجهزة الضرورية
وفي رده عن مستوى التجهيزات الفنية، وكذا المباني والأقسام قال الجربا: "تتوفر في المستشفى الأجهزة والمعدات الضرورية لأداء العمل في حدودها الدنيا، ولكن المستشفى ما يزال يفتقر إلى العديد من الأجهزة الضرورية جداً لتحسين مستوى الأداء، والتي أيضاً بدونها لا يمكن الحديث عن تحسن كبير في نوعية الخدمات، ومن أهم هذه الأجهزة: جهاز (M.R.I) جهاز الرنين المغناطيسي، جهاز منظار العمليات الجراحية، جهاز الأشعة المقطعية، جهاز منظار عمليات المسالك البولية، جهاز عمليات العيون، مكائن التخدير، وأجهزة المختبر والأشعة، أما فيما يخص الأقسام المختلفة، فلدينا خطة متكاملة لحاجتنا إلى المزيد من الأقسام والمراكز التخصصية، كما أن الأقسام الحالية بحاجة إلى المزيد من الأثاث والمعدات، ولدينا خطة استراتيجية لتطوير الهيئة وتتركز بشكل كبير على إنشاء المراكز المتخصصة والتي تُعد أساساً للنهوض بمستوى الأداء في المستشفى، وتشمل تحديد المراكز والكادر المطلوب لعملها، والموازنة التشغيلية، ونحن الآن نبحث عن الجهات الممولة لإنشاء هذه المراكز".
وأكد د. الجربا أن "الجهود جارية في سبيل تثبيت المتعاقدين البالغ عددهم (250) شخصًا، وأنه قد تم استكمال إجراءات تثبيت نحو (195) فردًا، ولم يبق إلا موافقة المالية على التعزيز"، مختتماً بالقول: "بإذن الله سنحتفل في 27 أبريل المقبل بالذكرى الـ64 لوضع الحجر الأساس لهذا المستشفى، الصرح الطبي الشامخ، والذي يُعد من أهم معالم مدينة عدن، والمرتبط وجدانياً بأبنائها، بل أصبح يمثل لهم رمزية خاصة، وبهذه المناسبة سيقيم المستشفى احتفالية كبيرة، سيبرز فيها أهمية هذا الصرح والخدمات التي يقدمها للمواطنين وسيكرم أيضاً فيها الرعيل الأول".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى