يعيش برئة واحدة منذ أكثر من ستين عاماً.. مُعمِّر في يافع عاصر 3 قرون ومازال بصحة جيدة

> تقرير/ فهد حنش

> قليلٌ هم المعمرون الذين يمدهم الله بالعمر المديد والصحة الجسمانية والعقلية الجيدة في هذه الحياة التي كُتِب فيها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بقصر العُمر وانتشار أمراض الزهايمر والضعف والوهَن لِمَن تجاوزت أعمارهم العقد السابع في معظم الحالات نتيجة للظروف الحياتية والمعيشة الصعبة.
«الأيام» التقت بأحد المُعمرين في يافع والذي ما يزال يتقد حيوية ونشاطا، ويتمتع بصحة جيدة وذاكرة قوية، يتذكر حياته الطفولية بكل تفاصيلها، كما أنه سياسي بارع ووطني غيور، وفي الدين هو العابد الزاهد، وهو المثقف والمُطّلع على الآثار والخبير بالعادات والتقاليد، إنه موسوعة متكاملة، حكى لنا حياته وسرد لنا مما تحويه جعبته التاريخية بأسلوب قصصي رائع بديع.
إنه المُعمِّر محمد محسن عبدالله السميطي من مواليد 1897م قرية القفل يافع كلد جبل السنيدي بمحافظة أبين، أي بعمري 121عاما.
يقول السميطي في حديثه لـ«الأيام» لي اثنان من الإخوة وأخت، الأكبرمنهم ناصر توفي رحمه الله، وأخي الأصغر خضر مُقعد في بيته وفقد نظره، ربنا يشفيه ويُحسن خاتمته.. وتزوجت وأنا كبير في العمر عام 1952م بسبب سوء ظروفنا المعيشية، وعندي من الأولاد ثمانية، أربعة ذكور وهم: سعيد ومحمود ومحسن ونبيل، وأربع إناث، ولي من الأحفاد عشرون حفيداً".
*مرحلة الطفولة
ويضيف: "بسبب ظروفنا المعيشية الصعبة والفقر عشت مرحلة الطفولة بكد ونكد وتعب وشقاء، وكان الواحد منّا في ذلك الزمان لا يشبع وكنا نجوع وكنتُ منذ صغري أعمل في البتالة (حراثة الأرض) مع والدي الله يرحمه، وبعدها عملت بالحراثة مع الناس في أطيانهم (أراضيهم الزراعية) مقابل قليل من الحَب (ذرة دويلة (القديم) أو دجر )، ودخلت أتعلم بالمعلامة وجاء والدي وأخرجني منها وقال لي: “من الذي يبتل لنا الطين يوم تتعلم؟، وخرجت منها وأدخل بدلي أخي الأصغر خضر، وأنا إلى اليوم إنسان أمي لا أقرأ ولا أكتب، ولكن تعلمت من الحياة الكثير”.
مرحلة الشباب
في عام 1925م سجلت عسكري في الحصن مع السلطان عيدروس سلطان يافع السفلى، واستمريت فترة ثم انتقلت إلى جيش الليوي وجلست فترة وتمشكلنا (دخلنا في مشاكل) أنا وأحد الضباط على السلوط، كان يشتيني من صباح الخير أقوم أعمل له سلوط، وتضاربنا أنا وهو وسرحوني من الليوي وانتقلت أعمل في عُبر باتيس وشقينا النوازع (طريق) وبعد ذلك اشتغلت في كسارة جبل خنفر لفترة من الزمن".

*مرحلة سفري إلى الخليج
ويتابع: "بعد أن تزوجت عام 1952م قررت أن أسافر للعسكرة في قطر فانطلقت من شقرة تهريب من الإنجليز عبر البحر فوق هوري ومعي محمد عبدالله بن هيثم وخضر عوض عاطف السميطي الله يرحمهما واستمرينا عدة أيام في البحر حتى وصلنا إلى منطقة الحامي في حضرموت ومن الحامي طلعنا في لنش (قارب بمحركات) إلى منطقة صور في عُمان، ومن صور بنفس اللنش واصلنا رحلتنا إلى دبي ودخلناها وهي كلها عشش وجلسنا في دبي عدة أيام ومن دبي هربنا من الإنجليز إلى قطر، وبعد وصولنا قطر دخلنا المعسكر نسجل عسكر عند ضابط نصراني، وبعد أن قصينا عليه المعاناة التي حدثت لنا في سفرنا حتى وصلنا قطر تعاطف معنا وسجلنا ودخلنا نتدرب في الميدان، وكان هذا في عهد حاكم قطر علي بن علي آل ثاني، وكان أهل قطر والخليج يعيشون في فقر ويعتمدون على صيد الأسماك، وعندما كنا نتدرب في الميدان زار قطر الملك سعود ملك السعودية، وزارنا في المعسكر وصرف لنا من 200 ربية.
وأثناء التدريب نزلت لجنة طبية تفحصنا وطلع عندي مرض في الرئتين وقالوا لي: "سنعالجك في أي دولة تختارها واخترت الهند، وفي الهند قرر الأطباء أن يستأصلوا إحدى رئتاي فقلت لهم اعملوا عملكم والباقي على الله وقالوا لي "احتمال كبير أن تموت لأن نسبة نجاح العملية قليل جدًا".. وقالوا "يوم أمس أجرينا نفس العملية لهندي ومات في غرفة العمليات"، فأصريت على إجراء العملية وتمت العملية بنجاح، وجلست ثمانية أشهر على السرير في المستشفى وعلى حساب دولة قطر جزاهم الله خير".
وبعد الثمانية أشهر عدت إلى قطر وقررت العودة إلى أرض الوطن وجمعوا لي أصحابي والمعاريف في قطر نوال (إيجار) السفر وعدت إلى البلاد سنة ما كانت الطائرات البريطانية تضرب بيت السلطان محمد عيدروس في القارة.
*العودة من قطر
بعد أن عدت من قطر رزقني الله بالأبناء واستقريت وكنتُ قد روحت معي صندوق طرب وأسطوانات وهذه الآلة كنت أول من أدخلها إلى المنطقة فاستغرب الناس على هذه الآلة العجيبة التي تطرب وتتكلم وتغني، وكانوا يقولون: "إن داخل الصندوق جن وهم الذين يطربون ويتكلمون، وهذا كله بسبب الجهل، وكان الناس يستضيفوني كل ليلة بقرية وكانوا يتجمعون - صغير وكبير رجل وامرأة - حول الصندوق ويستمر السمر إلى الفجر، وكانوا يكرموني بالفلوس والحب، وكانت الناس في ذلك الوقت متراحمة وقلوبهم نظيفة.

كما عملت بعد فترة من عودتي من قطر مُسمت (مليّس)، وبعون الله تحسنت ظروفي واستطعت أن أعلم أولادي وربيتم أحسن تربية، ربنا يبارك فيهم ويحفظهم ويوفقهم ويحفظ أولادهم، فهم اليوم بارين بي وموفرين لي كل ما أحتاج وعايش في عز وفي أتم حال".
*الالتزام الديني
ويواصل المعمر محمد محسن السميطي حديثه لـ«الأيام» عن الجانب الديني بالقول: "الحمد لله منذ طفولتي وأنا محافظ على الصلاة والصيام بالرغم أننا عشنا في جهل وكنا نمارس بعض الأشياء الشركية بسبب الجهل، وما حد كان ينكر علينا زيارة الأولياء والنذر لهم والاعتقاد ببركتهم، وكنا على نياتنا، ولكن الحمد لله انتهت هذه الأشياء في هذا الزمان بفضل انتشار المساجد والخطب والتعليم وتبنا توبة نصوحا وندمنا، وقد حجيت مرتين الأولى كانت في عام 1984م، والأخرى قبل أربعة أعوام".
*المأكولات المفضلة
ويضيف: "أتناول العسل والعصيد من حبوب البلد ذرة ومنزلة (نوع من الحبوب)، والفتة مع اللبن، واللحوح والفواكة والخضروات.
ولم أتناول الرز ولا الزيوت المستوردة ولا المواد المعلبة.. ولله الحمد على نعمة الصحة فأنا صحيح معافى ولا اشتكي من أي شيء بالرغم أني عايش برئة واحدة منذ أكثر من ستين سنة”.
*أصعب مواقف
ويوضح السميطي بأن المواقف التي مرت في حياته كثيرة ولكن أصعبها هي "عندما ضربت أمريكا اليابان بالقنابل النووية في الحرب العالمية الثانية، ووصل تأثير هذه القنابل إلى عندنا في مناطق يافع وحصل للناس حشر وكنا نسميه مرض الشجري، وكنا نبيت ونظلي في المقابر نحفر القبور فكنا في عمران بجبل السنيدي نقبر أقل شي في اليوم عشرة أشخاص، وكنا نحفر القبر ومش عارفين لمن يكون هذا القبر وفي أحد الأيام دفنا 14 جثة، وكان كل واحد قانع من نفسه ومن أهله.
الموقف الثاني حدث لي عندما سافرنا إلى الخليج عبر البحر وكان الهوري يمشي مسافة إلى الأمام ورجعتنا الرياح مسافة إلى الخلف أو إلى عمق البحر واستمرينا عدة أيام في البحر وكمل علينا الأكل والماء ويئسنا من الحياة وشهّدنا ولكن الله فرج علينا ونجينا من الهلاك.
الموقف الثالث عندما أخبرني الأطباء في الهند صعوبة العملية وأن نسبة نجاحها قليل فآمنت بالله وتوكلت عليه ونجاني من الخطر ونجحت العملية بتوفيق من الله".
*أسعد المواقف
وقال: "هناك أشياء كثيرة أسعدتني في حياتي ومن الصعب أتذكرها ولكن أهمها تبني دولة قطر علاجي ونجاح العملية الجراحية بعد أن أخبرني الأطباء بأن نسبة نجاحها قليل.
ومن الأمور التي أسعدتني ارتزاقي بالأبناء وتوفيقهم في حياتهم وزيارتي للبيت الحرام والمسجد النبوي وأدائي لفريضة الحج والعمرة، وآخر شي أسعدني هذا اليوم زيارتك لي وكتابتك قصة حياتي ونشرها في الصحيفة".

*الاهتمامات السياسية
وعن أوضاع البلد يقول السميطي: "بلادنا فيها ثروات أفضل من دول الخليح وعندما سافرنا الخليج كان أهلها يضحكون علينا ويقولون لنا “كيف تتركون عدن التي فيها الصناعة والعمران والشوارع والسيارات والثروات والتجارة وتهاجرون إلى الخليج الفقير"، واليوم نحن أين وهم أين!".
ويضيف: "نحن مشكلتنا في الحكومة، حكومتنا فاسدة لم تؤتمن على الشعب ولا الثروة.. من يوم خرجت بريطانيا ونحن من صراع إلى آخر، وقد كانت البلاد قبل ثورة 14 أكتوبر تعيش في فتن بين القبائل وعندما قامت الثورة قضت على الفتن وحل الأمن والاستقرار وانتشر التعليم وتوظف الشباب وطبقت الدولة النظام على الكبير والصغير وتحسنت المعيشة، ولكن جرت بعض الأخطاء بسبب الفتنة التي كانت جماعة (....) وأصحابه يثيرونها بين الجنوبيين، وحرشوا بينهم وتقاتلوا وضحوا بالمساكين، وأكبر مصيبة عندما قام الحزب بالتوحد مع الشمال وهم شعب همج ونحن شعب طيب ومسكين على نياتنا، وتوحدت قيادة الشطرين وتركوا الشعب خلف ظهورهم، وعندما طلعوا صنعاء انقلبوا عليهم وعيبوا عليهم عيب واحتلوا الجنوب بحرب 94م وطردوا الناس من وظائفهم، وسيطر علي عبدالله وأصحابه على المصانع والشركات والقطاع العام والبترول والمزارع وتقاسموها مشايخ الشمال ونهبوا كل شيء، ولكن الله يمهل ولا يهمل، شف اليوم كيف يعمل بهم الحوثي، فالجزاء من جنس العمل.. وأدعو الشعب الجنوبي إلى التفاهم فيما بينهم والتوحد وأن تكون كلمتهم واحدة ضد أعدائهم الهمج.
وقد شاركنا في مسيرات الحراك الجنوبي شيبة وشاب.. وعندما دخل الحوثة الجنوب قلنا للشباب دافعوا على أرضكم ودينكم وعرضكم من الحوثيين لأنهم فسدة وخطرهم على الدين أكبر من خطر اليهود.. وهبت الناس تقاتلهم واليوم الجنوب تحرر بفضل الله ثم بفضل مساعدة الخليج وتضحيات الشهداء.. وأقول للشعب الجنوبي انتبهوا انتبهوا لا تسمحوا للشعب الهمج بالرجوع إلى الجنوب يحتلونكم من جديد".
*نصائحي للشباب
أنصح الشباب أولا بالحفاظ على دينهم وأن لا يفرطوا بالصلاة والصيام وأنصحهم بالتعليم وأن لا يقربوا المحرمات والمعاصي والفساد، وأن يكونوا على أخلاق وأمانة، ويبتعدوا عن كل ما يضر بصحتهم، وأن يكونوا يدا واحدة ضد الفساد، ويقولون للفاسد أنت فاسد، وأن يتوجهوا للمدارس والجامعات والمعسكرات، لأن الغربة التي كان الشباب متوجهين إليها انتهت، وما يدوم للواحد إلا وطنه وتعليمه.. كما أنصحهم بالتوجه إلى العمل بدل من الهرولة على الفاضي والخزان واللعب بالتلفونات ليل ونهار".
*دعوة للحفاظ على التراث والتقاليد
يقول المُعمِّر محمد محسن السميطي في ختام حديثه لـ«الأيام»: "ورثنا من آبائنا وأجدادنا تراث وعادات وتقاليد وتناقلتها الأجيال صفة بعد صفة، وحافظنا عليها حتى الوحدة، بعدها تركنا العادات والتقاليد وأهملنا تراثنا واستوردت لنا ثقافة غير ثقافتنا، والأماكن الثانية محافظين على تراثهم ويعلم شبابهم البرع والرجالية والرواجز، وكيف يتكلمون في المجالس، وكيف يلبسون وكيف يسلمون، واليوم تحصل الشاب طويل عريض ما يعرف يسلم أو يباخر (يسأل) عن أحوال وأخبار الناس، وأدعو الناس إلى الحفاظ على التراث اليافعي والعادات والتقاليد الطيبة التي ورثناها منذ قديم الزمان”.
تقرير/ فهد حنش

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى