سجع الحمام في الشعر العربي (2)

> د. سعيد العوادي

> ذاك الذي فرط من حديث في سجع الحمام كان شجى يبعث الشجى في تآلف روحي بديع بين الحمام والإنسان.
ويبدو أن أبا صخر الهذلي لا يروق له هذا الباعث فما المحب الحق بالغافل الذي لا يذكّره بمن يحب إلا صوت الحمام..
وليس المُعنّى بالذي لا يهيجه
إلى الشوق إلا الهاتفات السواجع
ولا بالذي إن بان عنه خليله
يقول ويبدي الصبر إني لجازع
ولكنه سقم الهوى ومطاله
وموت الجفا ثم الشؤون الدوامع
رشاشا وتهتانا ووبلا وديمة
كذلك تبدي ما تجن الأضالع.
وهو ما يقرره بعد (المجنون) إذ جاء في الأغاني:
لقد غردت في جنح ليل حمامة
على إلفها تبكي وإني لنائم
كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا
لما سبقتني بالبكاء الحمائم.
على أن أبا تمام يقسو على هذا المخلوق الوادع. فما بكاؤهن عنده إلا ضحك.. وهن الموت الزؤام إذ ليس بينهن وبينه سوى كسر. (الحاء)
أتصعصعت عبراتُ عينكَ أن دعتْ
ورقاءُ حين تصعصعَ الإظلامُ.؟
لاتَنشِجَنَّ لَها فإنَّ بكَاءَها
ضَحِكٌ، وإنَّ بُكَاءَكَ استِغْرَامُ
هنَّ الحَمامُ فإن كسرتَ
عيافة ًمنْ حائهنَّ فإنَّهنَّ حِمامُ.
ويذهب المعري في مدلول سجع الحمام مذهبا فلسفيا مبنيا على نظرته للحياة.. القائم على مفهوم الضدية.. الذي يقرره في مطلع نصه الذائع:
غير مجد في ملتي واعتقادي
نوح باك ولا ترنم شادي
وشبيه صوت النعي إذا
قيس بصوت الندي في كل وادي
لذا يستوي عنده غناء الحمام أو بكاؤهن.. فكل يأخذ من صوتهن ما يشجيه..
أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد
لكنه يعود لهن ثانية واصفا ومرشدا. فليس هو المعنى المهتاج..
أبنات الهديل أسعدن أو عِدْنَ قليل العزاء بالإسعاد
إيه. لله. دركن فأنتن اللواتي تحسن حفظ الوداد.
ثم يعود فيذكر بما هن عليه:
بيد أني لا أرتضي ما فعلتن وأطواقكن في الأجياد
فتسلبن واستعرن جميعا من قميص الدجى ثياب حداد
ثم غردن في المآتم واندبن بشجو مع الغواني الخراد.
ومازال في حديث الحمام بقية تأتي إن شاء الله..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى