نظرية الوحدة العضوية وشعر الأمير القمندان

> محمد فاضل حسين

> مفهوم الوحدة العضوية حديث ويقصد به وحدة الموضوع ووحدة الخاطر أو الجو النفسي في إطار القصيدة. والقمندان جاء قبل ظهور هذا المفهوم، ولكننا سنحاول هنا استعراض ومناقشة شعر القمندان على ضوء هذا المفهوم، لنرى هل كانت قصائد القمندان تعالج موضوعاً واحداً أم موضوعات متعددة، وهل جاء الجو النفسي لهذه القصائد موحداً أم مختلفاً؟
ونقول ومن خلال قراءة ديوان الشاعر الأمير القمندان “المصدر المفيد في غنا لحج الجديد” استطعنا أن نخرج في الخلاصات الآتية في هذا الموضوع.
1 - في مجال وحدة الموضوع
أ- جاء قسم كبير من قصائد الديوان ذات عناوين تحدد فكرتها الرئيسة أو تلخصه بشكل استنتاجي.
ب- جاء جزء من عناوين قصائده مخلصاً لفكرتها الأساسية بل له موقع في إطار بنيتها الأساسية، فيكون شطراً أو بعض شطر ومكرراً أحياناً.
ج- هناك قصائد كتبها القمندان تحت تأثير ألحان تركية أو إنجليزية أو يافعية، وهي بدون عنوان ولكنها ذات موضوع واحد.
د- القصائد ذات الموضوعات المتعددة قليلة وهي قصائد البدايات للشاعر، وقد كتبها متأثراً بوضع القصيدة العامية في حينها وكانت انعكاساً لوضعها.
2 - وحدة الجو النفسي
وفي هذا الجانب نسجل أهم استنتاجاتنا وملاحظاتنا بالآتي:
أ- قصائد ذات جو نفسي موحد تتوفر فيها كافة عناصر الاتحاد من تفاعل الشاعر مع موضوعه، وصدق المشاعر، وحسن اختيار الألفاظ، والصور، والوصف، وبما يناسب الجو النفسي للموضوع، ويشمل هذا الاتجاه قصائد القمندان الذي كتبها حول القضية الوطنية والقومية، وقصائد وصف مثل قصيدته الحقل، وعلى شاطي البحيرة، وأسيل الخدود، وليلة النور، عسى ساعة هنية، البدرية، ونجيم الصباح.
ب- قصائد ذات جو نفسي موحد ولكنها تحوي تشعبات فرضها المنطق وسببت وجود تباين، غير أنه لا يرتقي إلى مستوى الإخلال بوحدتها العضوية، فالقمندان عندما يصف الحبيب وأيام المسرات معه تبدو اللوحات جميلة وسارة، ولكنها تقابل بلوحات داكنة ناتجة عن غيابه أو بعده أو هجره، وما لهذا العبد من أثر نفسي لدى الشاعر متخلف المقابلة بين صورتين متنافرتين ولكنها تقتنع أن هذا الأمر منطقي وواقعي جداً، وقد جاء مثل هذه الوضع في قصائد عديدة للشاعر القمندان فنذكر منها مثلا:ً (سرى الهوى بالحسيني، يا وليد يانينوه، ليتني ياحبيبي، عيون المها، ياخاطري ما شانك، وقصائد أخرى).
يقول القمندان:
ياحلو ياشهد دوعني وطعم المربا
المحتجب عن عيوني أوسع القلب نهبا
متى متى يا حبيبي بايبان المخبا
شف كل شيء لا سوى جبر المحبين فاني
ج- ويحدث الاضطراب أحياناً بسبب إسقاط قضايا يعانيها الشاعر القمندان في إطار قصائد مرحة لأسباب الارتباط بين هذه القضايا وموضوع القصيدة، ففي قصيدة القمندان “ياحمام الحيط غني” وهي قصيدة مرحة وفيها لوحات جميلة رسمها الشاعر لبستان الحسيني، نجد الشاعر يربط في هذه القصيدة الحديث حول حملة المعارضة الدينية لنشاط الحسيني السياحي والفني والأدبي في حينها، الأمر الذي أوجد اضطراباً بين الجو النفسي الجميل الأول والجو النفسي لموضوع النزاع الآنف الذكر، ولكنه بكل الأحوال لا يهز مشاعر السرور والفرحة بافتتاحه، ويبقى في النفس المرح وهو السائد في القصيدة.
ومثل هذا الإسقاط نجده في قصيدة القمندان “واعلى امحناء” وهي قصيدة خاصة بإخراج الزواج.
وهناك قصائد ظهر فيها اختلاف في الجو النفسي، ربما يعود الأمر لطول فترة نظمها ويحدث أيضا تغيير في مستوى تفاعل الشاعر مع موضوعه في حالات أخرى، ففي موشحة القمندان “وابو زيد” كانت الأدوار الستة الأولى تعالج موضوع غياب الحبيب وسادها جو حزين لأسباب غيابه بما ترك وخلق من صور موحشة لا تخفف من حدة أثرها إلا تلك الصور والأوصاف الجميلة للحبيب.
ثم جاء الدور السابع متفائلاً بالأمل، وجاء الدور الثامن حاملاً إلينا حلاوة اللقاء مع المحبوب، فظهر الشاعر مسروراً مرحاً تشاركه الطبيعة فرحته وسروره بما جادت به من صور جميلة، وهكذا ظهر تباين واضح في الجو النفسي للموضح في حالات ثلاث، كما حددناها آنفا.ً
هـ - وفي بعض القصائد يحصل فتور في مستوى تفاعل الشاعر مع موضوعه، فيكون متفاعلا في بداية القصيدة ثم نحس بعد ذلك بتدني مستوى تفاعله، فيظهر ذلك من خلال إبداعه وبدون شك، ففي قصيدة القمندان “ذنوب سيدي ذنوب” جاءت الأبيات الأولى فيها رائعة وجميلة والكثير من صور الإجادة والتجديد والمشاعر الفياضة الصادقة، ثم حدث تراجع في أبيات نهاية القصيدة، فهبط مستوى تفاعل الشاعر مع موضوعه وانعكس ذلك بشكل واضح، فسبب ضعف مستوى لغتها ومالت إلى الصنعة والتكلف وتراجع مستوى العاطفة بشكل ملحوظ.
محمد فاضل حسين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى