وقفة مع قصيدة دينية للشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت.. عبدالله الجفري: عبدالله هادي سبيت أستاذ في شعره وفي فنه وفي إنسانيته

> محمود المداوي

> في رحلة “رجوعه إلى الله”، وهذا وفقا للعنوان الذي اختاره الوالد الأديب والشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت، يرحمه الله، لمؤلفه “رجوع إلى الله” (1) الذي ضمنه، إلى جانب عدد من قصائده الدينية، عددا من الخواطر والحكايات، من صميم مناسبة ومكان القصيدة وزمانها، وبعضا من الشخصيات التي تصادف ذكرها في ذلك المؤلف.
وفي رحلة العودة والرجوع إلى الله، أفاض الأديب الشاعر، إفاضة الفقيه الزاهد العارف، عن علم ودراية في دينه وإيمانه العميق، عمق ولائه لله وحده لاشريك له.. وهي رحلة، كانت له ولقارئها، وقفات عصماء، أظهر فيها شاعرنا الراحل، شاعرية صادقة لا غبار عليها، أبان فيها عن إلمامه الواسع بمعاني الإسلام، كدين حق لا يعرف الرياء ولا النفاق أو التظاهر به، كحالنا في هذه الأيام، ولأغراض دنيوية زائلة، للأسف الشديد، وقد انعكس ذلك الخلق والسلوك والالتزام على مسيرته الحياتية والإبداعية على حد سواء، أو بعبارة موجزة، و كما وصفه صديقه الحميم الأديب والشخصية الاجتماعية المعروفة عبدالله علي الجفري (2) رحمه الله، الذي كتب مقدمة ذلك الكتاب، وقال فيها: “ومرة أخرى أقول: ما هو مفتاح هذه الشخصية الفريدة من نوعها؟ كثيرا ما كنت أرى هذا الرجل: أستاذا في مدرسته، أستاذا في شعره، أستاذا في فنه، أستاذا في إنسانيته.. ولكن وبعد مراجعة لتأريخه وعلاقاته مع الناس وتفاعله مع مجتمعه أرى أن مفتاح شخصيته “التصوف”.
التصوف الذي يعني الصفاء والنقاء الذي سكن نفس ووجدان هذا الرجل الذي يمثل أخلاقيات المسلم وسماحته، ويؤكد أن الدين، كما يقول رسول البشرية، “المعاملة” (3) بمقدمة كهذه المقدمة، ناطقة بالحب ونابضة بالصدق في كل حرف من حروفها، والتي لم يكتبها شخص ما عابر على سيرة حياة أديبنا وشاعرنا الراحل، وإنما هو صديقه الصدوق، والذي فقط بكلماته تلك المقتطعة من المقدمة، يكون قد فتح أمامنا مغاليق وخبايا الضفة المجهولة، والوجه الآخر الروحي والديني، من حياة المرحوم عبدالله هادي سبيت.
في العام 1969م، وتحديدا في تلثه الأخير، وأثناء تواجده في مدينة أديس أبابا الاثيوبية للعلاج، وكما يشير الشاعر عبدالله هادي سبيت في تقديمه للقصيدة الآتية (4) و مناسبتها:
“وحلت ذكرى الإسراء والمعراج للرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- .. وقرر المسلمون هناك الاحتفاء بهذه الذكرى العطرة بمسجد الأعظم.. وفي نفس الوقت نشرت
أولى صور نزول الإنسان على سطح القمر في مركز الإعلام الأمريكي، وسرت همساتٌ أحسستُ بها وكأنها قذائف ستصل إلى أعماقي، بأن بعض الطلبة غير المسلمين قالوا: هذا دليلنا على معراجنا..”.
ونعرف لاحقا أن شاعرنا الراحل قد هزته تلك الكلمات، بذات القدر الذي هزه ارتياد الإنسان الفضاء الخارجي، فراح ينشد في ذلك الحفل المشار إليه، واحدة من رائعاته الدينية، وهي قصيدة طويلة تجدني اقتطع منها هذا المطلع، الذي نستبين منه التزام شاعرنا الديني، واعترافه بقيمة العلم، والذي أسس له الإسلام مبكرا، فيقول:
يقولونَ قد جازَ الفضاءَ عقلُ ماردٍ
وفوقَ أديمِ البدرِ قد وضعَ الرجلا
فسبحانَ من قد شقَّ باسم محمدٍ
طريقَ بني الإنسان في كونهِ الأعلى
لقد قال للإنسانِ عِشْ متأملاً
تجدْ كلَّ صعبٍ إن أردنا إذن سهلا
وقد قال إني جاعلٌ لي خليفةً
على الأرض ما للبدر أصبح محتلا؟
أتاهُ بسلطانَِ العلومِ وإنها
لمن بعضِ آيات الذي مَنَحَ العقلا
فيا كافرا يا ملحدا هل قدرتما
لهُ حقّ قدرِ ذلك المنعمِ المولى
إلى أن يقول في القصيدة ذاتها:
ويا غازيَ البدرِ اعطني الردَّ موجزاً
أحققتَ الاستقرارَ في هذه السفلى؟
سلبتَ عبادَ اللهِ لقمةَ عيشهم
فذا ماتَ مجنوناً وذا انتهى سُلِّا
وضيعتَ كلَّ المالِ من أجلِ خطوةٍ
إذا كنتَ ذا رُشدٍ عرفت الذي أولى
يقولونَ أبدلتَ القلوبَ بحكمةٍ
وتلك لعمري خدمةٌ للورى جلَّى
ولكن إذا داويتَ فرداً قتلتهُ
ومزقتهُ في قتلِ هاتيكمُ القتلى
وتاللهِ لو أمطرتَ برداً على الورى
لما أطفأَ النيرانَ في كبدِ الثكلى
تلك هي الرسالة التي أراد لها فقيه الشعر ابن هادي سبيت، أن تصل إلى قارئ قصيدته، وهي رسالة، بقدر ما هي رسالة دينية خالصة، هي أيضا رسالة سياسية وإنسانية بامتياز، رسالة، كما يبدو، لم يستوعبها حتى يومنا تجار الحروب وأشرار الأرض في كل مكان، رغم أنها قد قيلت منذ زمن بعيد.
هامش:
(1) اسم الديوان للشاعر المرحوم عبدالله هادي سبيت.
(2) نفس المصدر من مقدمة الديوان ص7.
(3) نفس المصدر. (4) المصدر نفسه. ص14و15و16.
محمود المداوي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى