الإرهاب.. أوروبي المولد - أمريكي التهجين (1)

> أ. د. علوي عمر مبلغ

>
أ. د. علوي عمر مبلغ
أ. د. علوي عمر مبلغ
*المقدمة
الإرهاب كموضوع معرفي حديث ومعاصر حمل في طياته معان كثيرة وأسئلة أكثر خلال تصور مفهومه المعبر عن أحداثه ووقائعه المتفرقة – هنا وهناك – حتى غدا إعلاميًا مشكلة العصر بما يجعل الإنسان العادي يتساءل: ما هو الإرهاب؟ وما هي جذوره وأسبابه؟ ومن يكون الإرهابي؟
يكمن دافع هذا البحث في أن الباحث كفرد ينتمي إلى هذا العصر، الذي يشهد تصاعد الحرب ضد الإرهاب، يتفاعل مع مجريات الأحداث والمفاهيم، والواقع التي يطلق عليها عصره فوجد أن هناك مشكلة في المفهوم والأحداث، والواقع التي يطلق عليها، أو الأحداث صفة الإرهاب والأحداث الإرهابية. وهي لا تقع في صميم الإرهاب، وهناك أعمال وأحداث أخرى هي في صميم الإرهاب ولا توصف بالإرهابية، وهناك من يعتبر الحَجَر حين تقذف من يد طفل على دبابة محتلة إرهابًا بينما لا يعتبر قتل الأطفال وتشريد النساء والشيوخ وهدم المنازل وجرف الأراضي واقتلاع الأشجار المثمرة وإقامة الأسوار العازلة، وقتل صور الحياة المختلفة أعمالاً إرهابية.
وهناك بعض الساسة الذين لا يعتبرون استباحة دول بأكملها وتكميم أفواه الشعوب بالقوة التي تصل حد الاحتلال مرة، وبالتهديد باستخدام الفيتو مرات أخرى، لا يعتبرون تلك أعمالاً إرهابية وتندرج تحت هذه الصفة. ويهدف البحث إلى التوصل لرؤية شاملة ودقيقة لمفهوم الإرهاب، تستطيع أن تفند أشكال فهمه، وتفك ارتباطاته بالمفاهيم الأخرى، وتحدد اللفظ بالمعنى، والمعنى بالحدث وتبين أساليبه وأشكال تجليه المعاصرة وأنواعه المختلفة وتكون في المتناول الجميع ذلك يمثل أمرًا لا يتحقق في تقدير الباحث بتناول مفهوم الإرهاب وفق رؤية ضيقة كالرؤية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية بمنهجيتها المتعارف عليها في أساليب البحث التاريخي أو الوصفي المقارن أو الاستدلالي الاستقرائي، فتلك الشمولية لا يحققها سوى التناول العلمي الذي من خصائصه تشخيص الحاضر لمعالجة المستقبل بمنهجه المفتوح ضمن مهمات هذا البحث أن يساعد على تجنب الوقوع في شراك التفسير الأحادي لمفهوم الإرهاب الذي خضع للأهداف والمطامع الضيقة التي يمليها التصور السياسي أو الثقافي، لأن نتائج تعاملها مع المفهوم ستظل جانبية قاصرة، لا تستطيع تكوين الرؤية الموضوعية الواضحة الدقيقة والشاملة لمفهوم الإرهاب ومن يكون الإرهابي؟
وهذا البحث ليس معالجة لمفهوم واحد هو مفهوم الإرهاب بقدر ما يطمح أن يقدم محاولة متواضعة لمعالجة الأوضاع التي وصل إليها العالم العربي والإسلامي، ومساهمة لانتشاله من حالة السبات الطويل الذي يعيشها في ظل وضع عالمي مختل سادت خلاله شريعة القوة والهيمنة. ويشكل كذلك دعوة إلى خيري العالم ومعتدلة للإجماع على آلية للتعامل مع مفهوم الإرهاب، وإعادة النظر في القواعد التشريعية القانونية التي تتعامل مع المفاهيم والأحداث وفق رؤية عالمية موحدة تستلهم الأبنية الثقافية والمفاهيمية لكل ثقافات العالم وتصوراتها حول مفهوم الإرهاب، وإزالة التمييز بين عالم غني وآخر فقير بين عالم أول يشرع القوانين والمفاهيم والأنظمة العلمية وعالم ثان يطبق وتطبق عليه تلك المفاهيم.
نظرت معظم التناولات السابقة إلى الإرهاب من خلال الإطار السياسي وحده باعتباره لا يتحقق إلا من خلال استخدام القوة وهو ما ترتب عليه اعتبار الإرهاب اعتداءً مسلحًا يصل إلى مصاف الحرب من قبل الأفراد والجماعات ضد الدولة، إرهاب الدولة والإرهاب الشامل.
وأجمعت على أنه لا يوجد تعريفًا جامحًا مانعًا للإرهاب ولم تبين الآليات والأساليب التي يمكن أن توصلنا والعالم إلى ذلك الإجماع المنشود خلطت في معظمها بين العنف والإرهاب وأصبح بذلك كل عنف إرهاب وكل إرهاب عنف وهو ما لا يتحقق من الناحية المنطقية عدم وضعها لمعيار ثابت يجري التصنيف خلاله لهذا العمل أو ذلك، كونه عملاً إرهابيًا ناهيك عن عدم إفصاحها صراحة عن من هو يكون الإرهابي.
أن هذا البحث يمثل الحلقة المفقودة في سلسلة التناولات التي سبقته وما يميزه أنه محاولة لتبيان الأساليب الحقيقية الثقافية والسيكولوجية والأخلاقية القيمة التي قادت إلى فهم الإرهاب فهمًا ذاتيًا مختلفًا ونتائجه المترتبة على ذلك الفهم، ومحاولة لوضع القاعدة القانونية الأخلاقية التي تقوم عليها تصنيف العمل الإرهابي وتحديد الفئة التي يناط بها وضع الآليات والأساليب الكفيلة بمعالجتها وتجاوز العلاقات العالمية الرتيبة التي احاطته بتمثل ميثاق إنساني جديد للبشرية يفتح الآفاق الواسعة لتحقيق ليس فقط الأمن والسلام العالمي الحقيقي بل والسلام العادل والابتعاد عن المعايير المزدوجة وينقله من حيز التنظير المعرفي إلى واقع الممارسة العملية لتجنيب البشرية ويلات وماسي الإرهاب.
وأحب أن أشير إلى أنني في النهاية وعبر عرضنا لظاهرة الإرهاب، لم نقف موقفًا حياديًا من المسألة ولم نكتف بفهم وعرض مفاهيم الإرهاب. لقد عملت على النقد هنا كي أبرز موقفي من هذه الظاهرة في ثنايا الغرض ذاته، وسواء جاء وإنني واضحًا وصائبًا أولاً حسبنا إننا حاولنا ذلك ولا يحسبني أحد أن الطريق إلى إبراز هذا الكتاب كان مفروشا بالورد بل العكس من ذلك، لهذا ناهيكم عن أن التعامل مع المادة ذاتها صعبًا.
إنني لا أستطيع أن أنكر أني دخلت موضوعًا بكرًا وأنا في البداية مسلَّمًا بالعدة المعرفية الضرورية للخوض في هذا الموضوع، ولكني بفضل الحوارات الطويلة مع الكثير من المجتمعين بهذا الشأن قد ساعدني كثيرًا على حرية التجوال في موضوع هذا الكتاب. دون أن يفي ذلك أني لست مسئولاً عما وصلت إليه، لكن الإشارة إلى ما ذكرت وإذا كانت العادة قد جرت أن يعرض المؤلف فصول الكتاب في المقدمة وما انطوت عليه الفصول من فقرات فإني لا أرمي أن في ذلك تكرارًا لا حاجة إليه، لأنه ذلك موجود في الكتاب.
*مشكلات دراسة الإرهاب
إن أول ما يلفت الانتباه وصادف الباحث من إشكاليات هو النقص الواضح في الدراسات العربية لظاهرة الإرهاب الدولي في الوقت الحاضر والدراسات الموجودة والتي تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، إما أنها تتناول بعض المظاهر المحلية للعنف السياسي، وتعمل على الخلط فيما بينها وبين الإرهاب، أو أنها تدرس الظاهرة من زاوية محددة فقط، وتفتقر إلى الشمول، أو حتى التعريف الوافي بالأبعاد الكاملة للظاهرة، بينما تغرق بعض الدراسات في الجانب الفلسفي الذي يخرج بالموضوع إلى نطاق التجريد والجدل الفلسفي البعيد عن الواقع.
وتتمثل المشكلة الرئيسية الثانية في تحيز المراجع الأجنبية، فقد نجح الإعلام الإسرائيلي على سبيل المثال في أن يقرن الإرهاب بالنضال الفلسطيني، بل وصل الأمر أحيانًا إلى أن يصبح لفظ عربي مرادفًا للفظ إرهابي، وانعكس ذلك على الدراسات الأكاديمية في بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وفي نفس الوقت نشط الباحثون الإسرائيليون في دراسة ظاهرة الإرهاب الدولي.
ومن جانب آخر اقتصرت بعض الدراسات على الظواهر المحلية، وتركزت على محاولة إيجاد الحلول وتسليط الأضواء على جوانبها المختلفة دون الربط بينها وبين الظاهرة في الأماكن الأخرى من العالم، «ويظهر هذا واضحًا على سبيل المثال في الدراسات الأكاديمية البريطانية التي تركز على المشكلة الايرلندية ونشاطات المنظمات الإرهابية بها، واستجابت الدولة لها كما لو كانت ظاهرة الإرهاب هي بالدرجة الأولى ظاهرة ايرلندية».
إن التحيّز والإقليمية يُفقدان البحث العلمي القدرة على استظهار المعالم الحقيقية للظاهرة، والأبعاد المختلفة لها ويخرجان بها أحيانًا إلى نطاق الدعاية السياسية.
ومن المشكلات الأخرى التي تصادف الباحث صعوبة الحصول على المعلومات من الأجهزة الخاصة التي تعمل في مكافحة الإرهاب لأن تلك الأجهزة تعمل أساسًا في نطاق شديد من الكتمان والسرية حتى أنه أحيانًا يصعب الحصول على معلومات عن وقائع سبق وأن نشرتها وسائل الإعلام، أو طُرحت في ساحة القضاء، الأمر الذي يجعل من مهمة الباحث في هذا المجال أكثر صعوبة وتعقيدًا.
*تعريف الإرهاب لغويًا
رهب، رهبة، رهبًا، راهبًا، رهبانًا، المصدر. والفعل الماضي الرباعي أرهب – خوفّه، يقال أرهب عنه الناس بأسه ونجدته، أي أن بأسه ونجدته حملا الناس على الخوف منه.
ترهب – أي صار راهبًا وتعبّد.
الرهبان جمع راهبين، ورهابنة، ورهبانيون، وهو المبالغ بالخوف كالخشيان.
الرهبنة اسم من معنى الراهب أي اتخاذ طريقة الرهبان.
الإرهابي – من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته أي الحكم الإرهابي.
رهب – الجمل – أخذ ينهض ثم برك عن ضعف.
الرهب – جمع رهاب من الإبل.
الإرهاب كلمة حديثة في اللغة العربية وهي كلمة مشتقة أقرها المجمع اللغوي وجذرها رهب، بمعنى خاف، وكلمة إرهاب هي مصدر الفاعل أرهب، وأرهب بمعنى خوف، وأرهب بمعنى ركب الرهب، أي ما يستعمل في السفر من الإبل، وأرهب أطال كمه، «ويقال رهبوت خير من رحموت أي لأن ترهب خير من أن ترحم».
وقد خلت المعاجم العربية القديمة من كلمة الإرهاب والإرهابي لأن تلك الكلمات حديثة الاستعمال ولم تكن شائعة في الأزمنة القديمة، وقد وردت كلمة الرهبة في القرآن الكريم بعدة معانٍ، منها معنى الخشية وتقوى الله سبحانه وتعالى، مثل:
قوله تعالى: «يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم وأوُفوا بِعهدي أوفِ بعهدكم وإيايَ فارهبون».
وقوله تعالى: «وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين وإنما هو إلهٌ واحد فإياي فارهبون».
وقوله تعالى: «ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نُسختها هدىً ورحمة للذين هم لربهم يرهبون».
وقوله تعالى: «إنهم يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا».
وقوله تعالى: «لأنتم أشدُ رهبةً في صدورهم من الله ذلك بأنهم قومٌ لا يفقهون».
كما وردت بمعنى الخوف والرعب، مثل قوله تعالى: «واضمُم إليك جناحك من الرهب».
وقوله تعالى: «قال ألقوها فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحرٍ عظيم».
كما وردت بمعنى الردع المعروف في موازين القوى العسكرية في أيامنا هذه في قوله تعالى:
«وأعدُوا لهم ما استطعتُم من قوةٍ ومن رباط الخيلِ تُرهبون به عدو الله وعدوكُم وآخرين من دوِنهم لا تعلمونهم الله يعلمُهم». والإرهابيون في المعجم الوسيط، ضعف يُطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية.
ومن هنا يتبين أن لفظ الإرهاب مشتق من معنى الخوف والفزع والرعب وإن كانت الرهبة في اللغة العربية عادة ما تستخدم للتعبير عن الخوف المشوب بالاحترام لا الخوف والفزع الناجم عن تهديد قوة مادية أو حيوانية أو طبيعية فذلك إنما هو رُعب أو ذعر وليس رهبة.
«وقد نقَلت الكلمة أو ترجمت من Terrorism إلى إرهاب باللغة العربية، وهذه الترجمة ليست صحيحة لغويًا لأن الخوف من القتل أو الجرح أو الخطف أو تدمير المباني والمنشآت والممتلكات، وهي الأفعال التي ترتكبها الجماعات الإرهابية ولا يقترن بها احترام للقائمين بها وإنما هو مجرد خوف مادي يعبر عنه الرعب وليس بالرهبة، ومن ثم فإن الكلمة الصحيحة التي تقابل Terrorism هي إرعاب وليست إرهابا، ولكن نظرًا لأن الكلمة الأخيرة قد أصبح لها معنى اصطلاحي أقره مجمع اللغة العربية فإننا نُقر استخدام هذه الكلمة التي جرى الناس على استعمالها».
* عميد كلية الآداب - جامعة عدن
المراجع في الكتاب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى