نتيجة لتـزايد الأمـيـة في أوسـاط النساء بمناطقها.. افتتاح عدد من مراكز محو الأمية وتعليم الكبار بيافع رصد

> تقرير/ فهد حنش

> في بداية ثمانينات القرن الماضي، أقامت وزارة التربية والتعليم في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، حملة وطنية هي الأولى من نوعها على مستوى المنطقة العربية في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، وسخرت الدولة معظم إمكاناتها المادية والبشرية والإعلامية لإنجاح هذه الحملة، التي بفضلها صنفت بلادنا على أنها تحتل المرتبة الأولى بين دول المنطقة في جودة التعليم العام والقضاء على الأمية.. إلا أن عملية التعليم تراجعت بشكل مخيف بعد قيام الوحدة اليمنية، حيث أصبح التعليم في اليمن يعدّ الأسوأ على المستوى العربي، وأدى ذلك إلى ازدياد معدلات الأمية بشكل غير مسبوق.
غير أنه في الآونة الأخيرة بدأ جهاز محو الأمية ينشط في عدد من المناطق الجنوبية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مديرية يافع رصد التي تشهد نشاطا حثيثا في هذا المجال، حيث فتحت العديد من المراكز التعليمية والفصول الدراسية في عدد من مناطق وقرى المديرية.
«الأيام» زارت عددا من الفصول الدراسية للاطلاع على طبيعة العملية التعليمية والصعوبات التي تواجه المعلمات والمتعلمات من خلال اللقاء بعدد منهن وبأولياء أمور بعضهن أيضا، وكلهن مشحونات بالإصرار ليس لمحو أميتهن وحسب، بل لمتابعة التعليم بهدف الحصول على الشهادة الأساسية والثانوية.. والملفت للنظر التحاق عدد من الدارسات الكبيرات في السن بصفوف محو الأمية، الأمر الذي حفز الكثير من الأسر للدفع بالنساء والفتيات للالتحاق بتلك المراكز الخاصة بحو الأمية وتعليم الكبار.
وعبّر أحمد حسين عثمان، أحد أولياء الأمور، عن ارتياحه وتشجيعه لفتح مراكز محو الأمية، وتثمينه للجهود التي تبذل في هذا الخصوص، لِما لذلك من أهمية كبيرة لأفراد المجتمع تنعكس على حياتهم”.. مطالباً جهاز محو الأمية والسلطات المحلية بـ “التوسع في فتح الفصول الدراسية في بقية المناطق وتوفير جميع المتطلبات اللازمة للتدريس، خاصة أن الرغبة الشديدة للتعليم موجودة لدى الكثير من أولياء الأمور لتدريس بناتهم ونسائهم".
*أدعو الأخريات للتعليم
تقول أم محمد، وهي إحدى الدارسات في المركز: "تعلمت قبل عشرين سنة إلى الصف الرابع الابتدائي، وانقطعت عن الدراسة بسبب الظروف، ونسيت كل ما تعلمت بسبب مشاغل الحياة والأبناء، ولكن الحمد لله هذه الأيام أواصل الدراسة بتشجيع ومساعدة من أولادي، واليوم أستطيع أن أقرأ وأكتب وأحسب بكل سهولة".
ودعت أم محمد بقية النساء والفتيات في كل المناطق إلى الالتحاق بصفوف محو الأمية لمحو أميتهن ومواصلة تعليمهن".
(أ. م. ع) وهي إحدى الفتيات اللواتي لم يسمح لهن الالتحاق بالمدارس بحجة الاختلاط، عبّرت عن سعادتها للسماح لها من قبل أسرتها للالتحاق بصفوف محو الأمية بعد وساطة أقاربها، متمنية من أولياء الأمور السماح لبناتهم للالتحاق بالمدارس ومواصلة التعليم، والسماح للأميات بالتعليم في مراكز محو الأمية. وأفادت بأن الكثير من صديقاتها لم تسمح لهن أسرهن بالتعليم في المدارس ولا في محو الأمية، "بسبب تشدد تلك الأسر والتزامها لبناتها كذبا بتعليمهن في البيوت".
وعن الصعوبات التي تواجهن قالت: "أكبر المشاكل التي تواجهنا أن المبتدئات يتم تدريسهن مع اللواتي يعرفن القراءة والكتابة من سابق وبنفس الدروس".
تحسن كبير
وأوضحت المعلمة أم عهود لـ«الأيام» أن "الإقبال على الالتحاق بمحو الأمية في مناطقهم ضعيف نسبيًا، بالرغم من التفشي الكبير للأمية وخصوصًا بين النساء"، مرجعة ذلك إلى عدم وجود التوعية المجتمعية بأهمية التعليم ومحو أمية الكبار وبالذات الأمهات".
وأشارت أم عهد إلى أن الدارسات معها جميعهن مبتدئات، وقد قطعن شوطًا كبيرًا في المقررات الدراسية، محققات في ذلك تحسنا كبيرا جدًا واستجابة غير متوقعة في مستوى التحصيل العلمي.
وعن أبرز الصعوبات التي تواجهن قالت: “أكبر مشكلة واجهتنا هي بُعد المناطق عن المدارس “مما جعلنا نستغل مسجد القرية للتدريس فيه، وكذا المعاناة من نقص الكتب، وعدم توفر الوسائل التعليمية، فضلاً عن أن جميع المواد في كتاب واحد، وهو ما جعل الدارسات المبتدئات يلاقين صعوبة في التمييز بين المواد، وبالعموم أشعر بارتياح كبير لقيامي بهذه المهمة الوطنية لِما لها من دور في التنمية، فعندما تعلم فتى فإنك تعلم فردا أما تعليمك لفتاة فيعني تعليمك لأسرة كاملة".
وطالبت أم عهود جهاز محو الأموية بسرعة صرف المستحقات المالية التعاقدية للمعلمات، كما ناشدت الجهات المعنية القيام بحملة توعوية وإقامة ندوات وبرامج إعلامية للدفع بأولياء الأمور للسماح لنسائهم وبناتهم للالتحاق بصفوف محو الأمية. كما ناشدت خطباء المساجد القيام بدورهم التوعوي والتنويري في المجتمع للتحذير من مخاطر الأمية وأهمية القضاء عليها.
*التعليم واجب ديني
من جانبها أوضحت المعلمة (أم عاصم) أن لديها 25 من الدارسات ، منهن 70 % من المتزوجات و30 % من الفتيات وجميعهن متابعات ويدرسن في جامع القرية".
وأضافت لـ«الأيام»: "أشعر باعتزاز وفخر كبيرين لقيامي بالتدريس في هذا المجال، فضلاً عن كونه واجبا دينيا وإنسانيا وأخلاقيا ومهمة وطنية، فالقرآن أمر بالتعليم، والرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا به، وهو مهم في حياتنا اليومية وفي عباداتنا وتعاملاتنا في المجتمع".
*نواجه بعض المعوقات
أما المعلم أحمد حبيب، وهو مشرف على المراكز التعليمية في منطقة السعدي، وأحد أولياء الأمور فقال: "تم تفعيل محو الأمية في مديرية رصد وخاصة في منطقة السعدي بافتتاح مركز في منطقة الخربة ومركز آخر في منطقة فلسان، وبإذن الله تعالى سيتم فتح مراكز أخرى في العام القادم في باقي مناطق السعدي، ونحن مهتمون بإعادة نشاط محو الأمية في منطقتنا، لكونه عملا هاما وضروريا للقضاء على الأمية في مناطقنا، لاسيما في أوساط النساء، حيث تزداد أعداد النساء اللواتي لم يتمكنّ من استكمال دراستهن في المدارس النظامية وتسربن من الصفوف الدنيا بسبب التعليم المختلط، ولهذا التحقت الكثير من النساء والفتيات بهذه المراكز فور افتتاحها ليتعلمن القراءة والكتابة ويتخلصن من أميتهن، بل إنهن يكافحن لاستكمال تعليمهن حتى يحصلن على شهادة تاسع، وانتساب مرحلة التعليم الثانوي في المواد الأدبية بنفس المركز التعليمي، في حال تم اعتماد معلمات من قبل الجهات المختصة، وإن شاء الله بعد عدة سنوات سيكون مجتمعنا خاليا من الأمية".

وأوضح حبيب لـ«الأيام» أن بُعد المناطق عن المراكز التعليمية تُعد أبرز المعوقات التي تواجه النساء ممن يردن الالتحاق بمراكز التعليم وحرمانهن من استكمال دراستهن لهذا العام".
وأضاف: "سوف نواجه في الأعوام القادمة صعوبة لعدم وجود صفوف دراسية كافية تستوعب كل المراحل الدراسية في التعليم غير النظامي، فما هو متوفر منها عبارة عن صفين تابعين لمسجد الخربة وصف آخر تابع لمسجد عبر في المنطقة المجاورة، ولهذا نحن مضطرون أن نجعل التعليم في أكثر من فترتين لنتجاوز هذه الصعوبات في المستقبل بإذن الله".
*الاختلاط سبب في أمية النساء
وقال مدير جهاز محو الأمية في مديرية رصد محسن علي قاسم: "جهاز محو الأمية في يافع رصد كان راكداً بشكل تام، واستطعنا هذا العام تفعيله من خلال التواصل مع المناطق والقرى، وتم فتح عدد من المراكز التعليمية رغم الصعوبات التي نواجهها كنقص في الغرف الدراسية وخاصة في القرى البعيدة عن المدارس، بحكم صعوبة تنقل الدارسات إليها، وكذا نقص في السبورات المتنقلة، ولهذا نحث الجهات المعنية على التعاون معنا في هذا الجانب، بالإضافة إلى توفير الحوافز للمعلمات والمعلمين والمشرفين، وكذا الدارسات".
وتابع: "كما نطالب جهاز محو الأمية بالمحافظة ممثل بالأستاذ فضل عباس، ورئيس جهاز محو الأمية بالجمهورية الأستاذ محمد حسين الحاج بالعمل العاجل على تذليل الصعاب التي تواجهنا وحث المنظمات الدولية على تقديم الدعم والمساندة لنا، كما نطالب الأمين العام للمجلس المحلي القائم بمهام المدير العام للمديرية عادل سبعة ومحافظ المحافظة بالاهتمام بكل طلبات المراكز التعليمية".
وأضاف في حديثه لـ«الأيام»: "تعاقدنا مع عدد من المعلمات بالمديرية، واخترنا أفضل الموجهين والمشرفين في المديرية لمتابعة العمل في المراكز التعليمية، بالإضافة إلى مدراء المدارس في المناطق التي تم فيها افتتاح مراكز تعليمية، وحالياً يوجد لدينا في المديرية 29 فصلا دراسيا لصفوف محو الأمية، وعدد الدارسات 872 دارسة، منهن 735 دارسة في المستوى الأول و137 دارسة في المستوى الثاني، وتم التعاقد مع 33 معلمة، وحتى الأن نحن في الفصل الدراسي الثاني ولم يصرف للمعلمات أي حوافز مالية أو الرواتب التعاقدية رغم أننا قد رفعنا بملفاتهن لجهاز محو الأمية بالوزارة في وقت مبكر".
وأعاد حبيب سبب تفشي الأمية في المديرية وتسرب الفتيات من المدارس إلى الاختلاط والتخلف".
*إنهاء الأمية بناء للدولة
من جهته قال رئيس جهاز محو الأمية بوزارة التربية والتعليم الأستاذ محمد حسين الحاج: "من يعود لتاريخ محو الأمية وتعليم الكبار القريب، سيجد أنه في شهر مارس 1984 أعلنت منظمة اليونسكو بأن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تحتل المرتبة الأولى في دول شبه الجزيرة العربية من حيث التعليم، وأن نسبة الأمية تساوي (2) بالمائة من عدد السكان، وذلك لأن الدولة كانت تتحمل المسؤولية بجدارة في محاربة الأمية والاهتمام بتعليم الكبار، الأمر الذي تم تغييبه نهائياً بعد وحدة شطري اليمن وغاب معه دور تعليم الكبار حتى صدور القانون رقم 28 لعام 1998م الخاص بتأسيس جهاز محو الأمية وتعليم الكبار في الجمهورية اليمنية ومقره في صنعاء، حيث تم اعتماد موازنة تشغيلية للجهاز ورواتب تعاقدية، غير أنه لم ينظر إلى التوظيف الرسمي للمعلمات، وظل هذا الجانب هامشيا في معظم المحافظات والتعليم فيها وهميا، مع انعدام دور الرقابة على تلك التعاقدات، وارتفع مؤشر عدد الأميين إلى تسعة ملايين شخص بما نسبته 42 % من عدد السكان وفقاً للمسح الذي عملته اليونسكو في العام 2010م".
وأردف: "نواجه مشاكل كبيرة لإظهار جهاز محو الأمية وتعليم الكبار كجهاز فعلي يؤدي رسالته الإنسانية، وكثير من الناس قد يندهش ويستغرب أن هذا الجهاز ما يزال موجوداً وفاعلا، وأتمنى من صحيفة «الأيام» الغراء أن تتبنى حملة إعلامية عن أهمية القضاء على الأمية لارتباطها بالتنمية المستدامة للبلد والقضاء على الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله.. وندعو السلطات المحلية للتعاون مع المواطنين بفتح مراكز تعليم الكبار في جميع المحافظات، وسنسعى بدورنا مع المنظمات الدولية إلى توفير بعض الدعم لتلك المراكز".
وقال: "هناك مشاكل مالية نعاني منها وهي استثنائية بسبب الحرب والصراعات الدائرة في البلد، ولكن لن تثنينا عن مواصلة مهمتنا الإنسانية حيث لا توجد أي نفقات تشغيلية لمكاتب محو الأمية وتعليم الكبار في المحافظات غير 7000 ريال يمني في الشهر، أما المديريات فلا يوجد لها أي نفقات تشغيلية.. وهذه من المشاكل التي تواجه عملنا، وبالنسبة للكتاب الخاص بمحو الأمية وتعليم الكبار فهو متوفر في كل من عدن والمكلا بشكل كاف، ونقل الكتاب إلى المديريات على نفقة السلطات المحلية، وهنا نبشر المعلمات المتعاقدات اللواتي اكتملت وثائقهن بأنه سيتم صرف مستحقاتهن المالية في شهر رمضان بعد استكمال العام الدراسي".
واختتم بقوله: "المطلوب أن يتكاتف المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني والمواطنون والسلطات المحلية ومكاتب التربية والتعليم بيد للقضاء على آفة الأمية، لأن القضاء عليها هي البداية الصحيحة لبناء دولة نظام وقانون ونهاية للتعصب والبلطجة والإرهاب".
تقرير/ فهد حنش

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى