> تقرير / وهيب الحاجب

قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي التقت، أمس، في أبوظبي، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والوسيط الدولي لحل الأزمة السياسية وإيقاف الحرب في اليمن.
نصرٌ كبير نقل قضية الجنوب إلى مصاف القضايا الكبرى في المنطقة والأقليم بعد عقود من التعتيم والتدليس والاستئثار الذي مارسته الأنظمة اليمنية المتعاقبة ضد مطالب شعب الجنوب ومحاولة إبقائها قضية هامشية خاضعة لمزاج الحاكم في صنعاء وتحت سيطرة القوة العسكرية والرغبة القبلية، التي اجتاحت الجنوب عنوة، وطمست معالم الدولة، لتحوّلها إلى اقطاعيات لنافذين ومستوطنات لوافدين شماليين.
اللقاء الأممي بأكبر مكون جنوبي وأهم حامل سياسي يمتلك قاعدة شعبية وحضورا عسكريا وسيطرة على الأرض ومدعوم إقليميا، وربما دوليا، يمثل نقلة نوعية للمشروع الوطني الجنوبي نحو الاستقلال واستعادة دولة الجنوب بحدودها الجيوسياسية إلى ما قبل الوحدة مع اليمن الشمالي العام 1990م، كما يمثل ترجمة حقيقة للانتصارات العسكرية التي حققتها المقاومة الجنوبية إلى جانب قوات التحالف العربي في تحرير الجنوب من المليشيا الانقلابية وقطع أذرع إيران وإفشال المشروع الفارسي في هذه المنطقة التي تشرف على مضيق باب المندب وبحري العرب والأحمر، كأهم ممرات دولية يأثر ويتأثر العالم بوضعها الأمني.
ويعلق ملايين الجنوبيون وأنصار الحراك بكل أطيافه، المطالبة بالاستقلال، آمالا جساما على جهود المبعوث الأممي في نقل القضية إلى أروقة المجتمع الدولي لإعادة التعامل مع الجنوب كعضو في منظماته وهيئاته غاب لثلاثة عقود من الزمن لأسباب قسرية جعلت سيادة الدولة، التي كان يمثلها، أسيرة لاحتلال عسكري مغلف بوحدة سياسية مع طرف لم يفِ بالعهد، ونكث المواثيق، ليحول الشريك إلى تابع ثم مستعمره.
اللقاء وفق -مراقبين سياسين- فاتحة للقاءات لاحقة ومباحثات سياسية ستتابعها الأمم المتحدة مع قيادات الجنوب للنظر في مطالبهم والبحث في مشاريعهم المطروحة للحل، وكذا النظر في البدائل والمعالجات التي ستترتب على انفصال الجنوب في حال كان هذا المشروع محل تفاوض.
ويرى هؤلاء أن مشروع استقلال الجنوب وإبعاده عن الشمال والحفاظ على أمنه وتماسكه وحماية تركيبته الاجتماعية والدينية بات مطلبا إقليما، مثلما هو مسعى شعبي للجنوبيين، إذ ترى أطراف إقليمية مدوعمة دوليا أن مسألة بقاء الجنوب داخل دولة اليمن الواحد التي تستأثر بها القبيلة والطائفية والمذهبية باتت محل نظر، وأصبح تحييد منطقة جنوب الجزيرة العربية من خطر القبيلة العصبية والطائفية المذهبية أمرا مهما للأمن القومي العربي، ومطلبا ربما يمتد إلى كثير من الرغبات الدولية ذي التوجهات التجارية والأبعاد الاقتصادية، بحثا عن بيئة آمنة لمرور سفنها التجارية.
حكومة الشرعية في الرياض وحكومة الانقلابيين الحوثيين في صنعاء، اللتان تدركان تلك الحقيقة ويعيان توجهات المجتمع الدولي وإيجابياته مع الجنوبيين ومطالبهم، حاولتا عرقلة أي لقاء من هذا النوع، وعمدتا إلى شيطنة الوضع الأمني والسكينة العامة في عدن، بغية عرقلة وصول المبعوث والاطلاع على حقيقة الوضع عن قرب، غير أن هاتين الحكومتين فشلتا في إلغاء الزيارة، وأخفقتا بعرقلة اللقاء، ونجحتا فقط بزرع صورة نمطية لدى المبعوث جريفيثس بأن الجنوب مُمثّل بكيانات مختلفة الاتجاهات والمشاريع، وهي محاولة للنيل من المجلس الانتقالي والتقليل من حواضنه الشعبية والسياسية، لما يمثله هذا الحامل من دعم وتأييد إقليمي يقلق الشرعيين والانقلابيين من أي تعاطِ جاد مع مشروع الانتقالي وحلفائه الإقليميين.
المبعوث الأممي مارتن جريفيثس، وبإيعاز من الشرعية، استبق أي لقاء يبحث القضية الجنوبية بتقسيم الجنوبيين إلى خمسة مكونات - لا اتجاهات - مع إبقائه على توصيف أن هذه المكونات الخمسة تمثل الجنوب كمطالب سياسية وكمشروع منفصل تماما عن مكونات الشمال والأحزاب اليمنية الأخرى؛ ما يعني أن الجنوب -ككيان منفصل عن الشمال وكقضية غير قضية الحرب والانقلاب في الشمال - حاضر بقوة وصراحة في أجندة المبعوث الأممي الجديد.
مصادر سياسية يمنية شمالية ترى أن هذه البداية بين جريفتس والجنوبيين هي اعتراف صريح بفصل قضية الجنوب عن قضية الشمال، ويبدون مخاوف من أن تسير جهود جريفثس وتنصب في اتجاهين، هما استعادة الشرعية في الشمال واستعادة الدولة والسيادة في الجنوب، وإن كان ذلك ببعد نظر وبتفاهمات دولية وإقليمية ربما لا يدركها الجنوبيون والشماليون أنفسهم.
المكونات الخمسة التي حددها المبعوث الأممي كإطار عام وحامل مبدئي لقضية الجنوب هي ذاتها المكونات التي رفعت شعار الاستقلال عبر مراحل النضال السلمي المختلفة منذ العام 2007م، وهي عينها المكونات التي تتمسك بفك الارتباط كمشروع وطني تختلف فقط أدوات التنفيذ وتكتيكات العمل السياسي لتحقيقه من مكون جنوبي إلى آخر.
هذه الحقيقة وهذا الإجماع الجنوبي على الهدف الاستراتيجي سيجعل مساعي حكومة الشرعية والانقلابيين في ورطة معقدة أمام الأمم المتحدة في المفاوضات القادمة، وسيعزز قناعات المجتمع الدولي بأحقية الجنوبيين بالسيادة على أرضهم، غير أن تلك المكونات لازالت مطالبة بالكثير من التلاحم والتقارب والحفاظ على مطلب الاستقلال وطرحه بقوة.
ورغم الشوط العظيم الذي وصلت إليه القضية الجنوبية والجهود التي تبذلها المكونات السياسية كافة، إلا أن الحفاظ على النصر الذي حققته المقاومة الجنوبية ودعم قوات الحزام والنخبة في إبقاء محافظات الجنوب تحت السيطرة هو الورقة التي ستبقى معها المكونات السياسية الجنوبية قوية وحاضرة بفاعلية في أي جهود دولية ومفاوضات تحت أي مستوى سياسي كان.
إذن فليعِ المفاوضون الجنوبيون أن ديدن الشرعيين والانقلابيين سيظل متربصا بتجريد الجنوب من قواته ومقاومته وسيسعون بكل السبل لتدمير المؤسسة الأمنية والعسكرية التي تأسست بدعم التحالف العربي ليتسنى لهم إعادة اجتياح الجنوب وضرب قضيته وإخفاؤها ثانية.. إذن فالبداية من أبوظبي تتنظر من المكونات الخمسة نهاية تقر بها أعين الجنوبيين وتكون ثمنا لدماء الشهداء.
تقرير / وهيب الحاجب