الموسيقى في شعر القمندان

> محمد فاضل حسين

> قبل الدخول في موضوع البحث يتحتم علينا أولا الوقوف إجلالا وتقديرا وتعظيما لكل الإبداعات الموسيقية الواسعة والمتنوعة والرائعة للفنان الشاعر الأمير أحمد فضل القمندان، لما اتسمت به من عذوبة ورقة ومرح وصفاء وسمو ودلالات عميقة، وبما امتلكت من قدرات فائقة مكنتها من التأثير الفاعل في نفوس وعواطف الناس وخلدتها عبر الأجيال.
هذه الإبداعات الموسيقية القمندانية التي استطاعت أن تنهض بالموروث اللحجي وأن تطوره، وأن تخلق الجديد والرائع في إطاره، وأن تنقله من إطار المحلية الضيقة إلى مجالات أوسع وأرحب وأسمى وإلى مستويات عالية أحدثت تحولات هامة وجديدة في مسار وتاريخ الحركة الفنية، وفتحت الأبواب لرواد الإبداع الفني وهيئت الأرضية لميلاد النهضة الفنية التي شهدتها الجنوب خلال فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي بشهادة واعتراف كبار شعراء وفناني وأدباء لحج وعدن خلال تلك الفترة.
بدأ القمندان كتاباته الشعرية تحت تأثير وإلهام موسيقى وأنغام المدرسة الفنية اليافعية، ثم كتب مجاريا لإيقاعات الموروث الفلكلوري اللحجي بكلما يزخر به من رقصات متنوعة وأنغام وإيقاعات موسيقية متعددة، وكتب مجاريا لإيقاعات موسيقية تركية وإنجليزية، وقدم الجديد والمتطور، وترك تراثا موسيقيا واسعا وهاما يحتاج الوطن إلى توثيقه وكتابته بالحروف الموسيقية (النوتة) حتى لا يتعرض للنسيان والضياع.
في مجال موسيقى الشعر أعطى القمندان اهتماما كبيرا للموسيقى، وعمل على تعزيزها بطرق شتى، فكانت القوافي مجال اهتمامه الأول لإدراكه العميق بما تحدثه القافية من إيقاعات موسيقية صاخبة، ولذلك ذهب إلى كتابة قصائد موحدة القافية للصدر والعجز، وكتابة قصائد موحدة القافية بثلاث شطرات، ووحد القافية في بعض الثنائيات، وجاءت القوافي في شعره متجانسة مع الصياغ العام خالية من متاعب وعيوب القافية، شاهدة على عظمة قدرته في حشد القوافي.
وعمل القمندان أيضا على تعزيز موسيقى الشعر عن طريق وحدة الوزن ونظام البحر الواحد، واستخدم بمهارة مجزوءات ومشطورات البحور، وكتابة أشطار غير متساوية، ومزج أحيانا أوزانا مختلفة ومتقاربة، وخاصة في الموشحات.
في مجال الموسيقى الداخلية عزز القمندان الموسيقى عن طريق تجانس الألفاظ وخلوها من التنافر اللفظي الذي يسبب صعوبة اللفظ، ولم نلاحظ في ديوانه سوى حالتين فقط حصل فيها مثل هذا العيب.
واستخدم القمندان السجع في بعض القصائد وسيلة لخلق المزيد من الإيقاعات الموسيقية، وجدد باستخدام أسلوب التكرار، مثل تكرار الحرف الواحد داخل كلمات البيت الشعري، أو تكرار الكلمة، وتكرار شطر بكامله من البيت الشعري أو جزء منه، وتمكن من خلال أساليب التكرار تعزيز موسيقية الشعر وتحقيق أهداف تخدم معاني الشعر وأفكاره وغراض بلاغية ودلالات شعرية واسعة.
واستفاد القمندان مما تجيزه العامية من تقديم وتأخير وإبدال وتصريف وحذف وتسكين ووظفها تماما لما يخدم إبداعه.
وكان القمندان بارعا في اختيار حروف الروي، فجاء حرف النون في المرتبة الأولى، لما لهذا الحرف من رنين وخاصة عندما يسبقه حرف مد أو لين فيصبح أكثر قابلية للامتداد وتشكيل رنات موسيقية مناسبة لحالات الألم والحنين.
يقول القمندان:
ياقلب مالك بالبكاء والانين
ربك على هذا الهوى بايعين
على فراق الزين تمسي حزين
تشكي على القراء والسامعين
ماشفت حد إلا حبيبك حسين
حتى ظبى الجنة ولا الحور عين
او لأنت في امر المحبة فطين
عرفت خلك مسك والناس طين
وجاء حرف الباء في المرتبة الثانية ثم الهاء فالميم... إلخ، ولكل حرف من هذه الحروف له خواص مهمه، فالباء أكثر فعالية بعد المد أو اللين والهاء له تؤوهات من الجوف. وهكذا يمكننا إدراك سر استخدام القمندان لهذه الحروف في نهاية القوافي، فالقمندان شاعر يعي ما يعني، متميز بحاسة موسيقية مرهفة وذهن متوقد الذكاء.
محمد فاضل حسين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى