خمسة أعلام يمنية وضعت بصمات جليلة في حياتنا.. ورحلت بصمت

> عبد الباري طاهر

> *عبدالله البار.. مثال للتسامح والوفاء
عبد الباري طاهر
عبد الباري طاهر

رحل الفقيد الكبير عبدالله صالح البار في صمت ونكران يعززهما الحالة المأساوية التي تعيشها اليمن. عبد الله البار واحد من مناضلي حركة التحرر الوطني، وهو من أبطال ثورة الرابع عشر من أكتوبر. كان في واجهة الكفاح الوطني منذ الستينات في جنوب الوطن، وتحديداً في حضرموت ومدينة المكلا التي تولى فيها مسئولية قيادة فرع الجبهة القومية التي قادت الكفاح المسلح، وأصبح بعد الاستقلال 1967 في الواجهة السياسية، وكان من القيادات المشهود لها بالاتزان والعقلانية والنضج.
اعتقل بعد استشهاد الزعيم الوطني سالم ربيع علي، وظل في الاعتقال لبضعة أعوام. وبعد الإفراج عنه لم تنكسر إرادته؛ فسرعان ما عاد للعمل السياسي. ومن خلال عمله كأمين عام مساعد للجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام وظف خبرته في قيادة الجبهة القومية لبناء تنظيم سياسي جديد هو المؤتمر الشعبي العام. عرفت أنه والأستاذ صادق أمين أبو راس كأمين عام مساعد قدما رؤية جديدة ، لكن رئيس المؤتمر حجب هذه الرؤية.
من خلال عمله في (مجلس الشورى) كنائب للرئيس قدم الأنموذج الأروع سلوكاً وعملاً وممارسة.
عاش البار- رحمه الله- نقي الضمير، طاهر اللسان، نظيف اليد والجيب. فقد كان من المناضلين الصادقين المتواضعين مستقيماً ومتسامحاً، وظل الفقيد على علاقة حسنة بكل فرقاء العمل السياسي والعمل الوطني، بعيداً عن الضغائن والأحقاد والعداوات، يحظى بحب واحترام كل من عرفه وتعايش معه. فهو مثال للإنسان المسكون بالحب، الموصوف بالنزاهة والكفاءة والإخلاص. عبدالله البار من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا. فرحم الله البار، وتغمده بواسع الرحمة والرضوان.
*بدر با سنيد رجل القانون والحق
علم بارز من أعلام القانون، والدعوة لقوة الحق، وتسويد العدالة والقانون والإنصاف. ارتبط اسمه- منذ النبوغ- بالدفاع عن الحريات والحقوق ولمع نجمه مع صعود الاحتجاجات المدنية للحراك الجنوبي. دافع الفقيد عن قضية (صحيفة الأيام)، ورئيس تحريرها عميد الصحفيين/هشام باشراحيل الذي اعتقل في حمى الحرب على الصحيفة التي تعرضت لحربين بشعتين على مقريها في صنعاء، وعدن. كان تدمير الصحيفة في صنعاء وعدن تواصلاً مع الحرب ضد الجنوب 94.
دافع المحامي بدر باسنيد عن معتقلي الجنوب، ووقف ضد نهب البيوت والأراضي، وتدمير المؤسسات والكيان الوطني الجنوبي.
الفترة القصيرة التي عرفت فيها المحامي الشهير من خلال العزيزين: هشام وتمام باشراحيل أثناء لقاء بعدن بعد حرب 94- أشعرتني أن معاناة بدر كبيرة. فهو مسكون بهم الجنوب، ومعاناة الناس هناك، والآثار الكارثية لحرب 94، وهو مهموم- أيضاً- بالدفاع عن المعتقلين، والذين صودرت حقوقهم.
وقف بدر إلى جانب الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير. وهو محام كفء مشهود له بالنزاهة والاستقلالية، يرفض التطرف والعنف والإرهاب، وعاش عفيفاً كفيفاً.
*الشاعر علي هلال القحم في ذمة الله
بغتة يرحل مبدع مؤصل في زمن قياسي تركت بصماته في الشعرية العربية أثراً جميلاً، وأعطى نكهة الإبداع في قصيدة النثر، واختط لغة: مفردات، وتراكيب تقترب بالقصيدة من الخطاب اليومي، وترتفع به إلى سماوات الإدهاش، فهو لون من «السهل الممتنع».
هناك جيل مبدع في اليمن يتحدى الصواريخ بعيدة المدى، والقذائف العابرة للحارات، كتعبير الفنان الشاعر الكبير عبد الكريم الرازحي. يتحدى الجيل الشاب ويلات الحروب والإهلاك والتقتيل. يتحدى بالإبداع وبالتجديد، وبخلق آفاق ورؤى جديدة للحياة، ويثرى الجمال والروح.
يتسيد الموت الأرض اليمنية. الحرب تحصد الأرواح، والأوبئة الفتاكة تغتال الأنفس. يحوم الموت فوق الرؤوس؛ ليؤكد أن لا مكان للحياة. موت شاب مبدع -في زمن التفتح والازدهار والبوح- فاجعة كبيرة. رفاقه من المبدعين والمبدعات الشباب كانت بكائياتهم حزناً معجوناً بالخيبة والفجيعة.رفيق مبدع هو الشاعر الدكتور عبد الحكيم الفقيه يرثيه:
«بسيط كما أنت عشت، وغادرتنا فجأة دونما خبر للوداع. لعلك مت احتجاجاً على هذه الحرب، والجوع في طرقات المدينة، أو ربما قلت: لا قيمة للبقاء. أراك شجاعاً تجرأت أن ترفض الوقت، أن ترفض البقع القاحلات، ويممت شطر المكوث بثلاجة الموت».
*رحيل القاضي الفقيه محمد عجلان
شيخنا الجليل القاضي والفقيه محمد عجلان ابن مدينة الزيدية وفقيهها وقاضيها. معروف أن الزيدية إحدى مدن ومدارس تهامة عبر عدة قرون. درس الفقيه محمد عجلان على يد أفضل علماء الزيدية، وظل، وهو في قيادة التجمع اليمني وقبل ذلك، مسكوناً بالنفع العام، وتقديم المساعدة لأبناء المنطقة، قريباً من الفقراء وذوي الاحتياج. عاش- يرحمه الله- عفيفاً كفيفاً، ومثَّلَ القدوة والمثال الحسن للقاضي والفقيه في علاقته بأبناء منطقته واليمن كلها. فهو علم من أعلام تهامة، عضو قيادي في التجمع اليمني للإصلاح، وقيادي بارز في مجلس شورى الإصلاح. زرته في منزله العامر في مدينة الزيدية في العام 2012 مع العزيز الأستاذ محمد الدهني، وهو ناشط من مثقفي وأدباء تهامة واليمن.
*حامد السقاف
نجم من نجوم الثقافة والأدب والسرد. لمع نجم حامد السقاف كطالب في دمشق، اشتهر بحبه للقراءة، واستقلالية نشاطه الطلابي، واقترابه من التيارات الفكرية والسياسية والحزبية. أقام علاقات متوازية ومتوازنة بين رفاقه الحزبيين من الاتجاهات القومية واليسارية الماركسية، ولكنه لم يلتزم حزبياً لأي اتجاه، وحافظ على استقلاليته، وتوازن مواقفه؛ ما أكسبه مقدرة الانفتاح والتعامل مع الجميع، واكتساب احترام ومحبة رفاقه الطلاب؛ ليصل إلى رأس (مؤتمر الرابطة الطلابية).
كان شغوفاً بالقراءة، وبالأخص في السرد الروائي والقصصي، صاحب مقدرة مدهشة على السرد الحكائي، ويمتلك خبرة داهشة في نسج العلاقات الاجتماعية، والانفتاح على الآخرين، والمحاورات المقنعة.
عرفته أولاً في دمشق. لا تمل صحبته، ولا «قفشاته» وتعليقاته الظريفة. عاد إلى صنعاء، وعمل فترة قصيرة في (مركز الدراسات)، فكان عملنا معاً.
حامد السقاف حمامة سلام، حديثه وصحبته لا يملان. بدأ حياته بالقصيدة الحديثة، شأن أبيه الروحي أخيه زين السقاف.
في السنوات الأخيرة احتفى حامد بمحطات عمره، فكتب، وكان على عجلة من أمره وجلاً من انقضاء العمر؛ فسرد حكايات محطات عمره الجميل في ثلاث محطات، وهي عمل إبداعي سردي بامتياز، ومرثاة عمر غني بالعطاء والمحبة والفعل الجميل.
رثى حامد نفسه كما فعل مالك بن الريب في يائيته الشهيرة، ومحطاته بحاجة إلى قراءة معمقة، وقد أحسن الزميل الأديب والمثقف الناقد حسن الدولة في تناول هذه المحطات الثلاث.. فتحية له.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى