العاطفة في شعر القمندان

> محمد فاضل حسين

> نود بداية أن نقول:إن شخصية الشاعر وثقافته وبيئته عناصر مهمة تترك بصماتها بشكل جلي في صفحات إبداعه. فسمات الإبداع ترتبط بالذات المبدعة، باعتبار الإبداع نتاجاً من نتاجات هذه الذات عند درجة معينة من درجات قدرتها وتجربتها وتفاعلها مع محيطها.
وما نلاحظ في الظاهرة الشعرية من تنوع في درجات العاطفة والفكر والموقف، ومن ثبات أو اهتزاز، الرضى أو التمرد، اليأس أو الأمل، الوضوح أو الغموض، السطحية أو العمق، الموجهة أو الهروب، الحب أو الكراهية، الصدق أو التكلف والصنعة، الواقع أو الخيال. ما كل ذلك إلا انعكاساً لشيء آخر يقبع في عمق الذات. فالإبداع إن لم يكن مجانساً لواقع ولادته لا يخلو من عناصر يفرضها واقع الذات والبيئة.
والشاعر القمندان كان مثقفاً واسع الاطلاع تأثر بواقع مجتمع القبلي الزراعي المتخلف في لحج وعموم الوطن.
واطلع على حال أمته العربية وتاريخها وأدبها، وتأثر بالنهضة العلمية والصناعية الأوربية عبر المستعمرة عدن وعبر زياراته الخارجية، وكان مطلعاً على مجريات التحولات الدولية السياسية والعسكرية.
وقد كان لكل هذه العناصر أثرها في صياغة أفكاره ومواقفه وعواطفه في كافة الموضوعات الوطنية والقومية التي تناولها.
فإدراك القمندان بالفارق الكبير لمستويات التطور الحضاري والمعيشي بين المجتمعين العربي والغربي والمحلي باليمن. كان سبباً لما أظهر من مشاعر الحزن والحسرة والألم لحال أمته ووطنه. وكان سبباً فيما وجه من نقد لاذع للحكام العرب، باعتبارهم مسئولين عن هذه الأمة. وسبباً في عدوله عن كتابة القصائد المدحية، وفي دعوته إلى العدل وتعاطفه مع الفقراء والبسطاء والمظلومين.
وأظهرت الكتابات الشعرية للقمدان أيضاً حبه الصادق لوطنه الصغير لحج وأمنياته ومساعيه إلى تطويره ونهضته ليغدو منارة مضيئة ووضاءة يقتدى بها في اليمن وعموم والوطن العربي.
وإدرك القمندان أهمية الشعر والفن والعلم في تحقيق نهضة الأمة، ولذلك اهتم بالشعراء والأدباء والفنانين وقدم لهم الرعاية والدعم الحماية وكان منزله ملتقى لكل هؤلاء، ونظم منتديات الحسيني وشارك في أندية عدن الأدبية.
وتصدى القمندان بشجاعة وجرأة عبر أشعاره وفنه وكتاباته النثرية، بل ونفوذه وسلطته لكل قوى التضليل والشعوذة والدجل و اتجاهات التطرف الديني التي حاولت قمع الحركة الفنية والأدبية وتجريمها وتحريمها وبين زيف ادعاءاتها وهمجيتها، وعبر عن كراهيته الصريحة لدعاتها ومروجيها، باعتبارهم سببا من أسباب تخلف الأمة ومحنتها ومعاناتها المؤلمة. ونجح في إخماد هذه الدعوات وحماية الحركة الفنية وتمكينها من التطور والانتشار.
وفي ميدان الشعر الغزلي جاءت الأشعار القمندانية مفعمة بالإحساسات الرقيقة المرهفة، والمشاعر الصادقة، هائمة بحب الجمال والحياة والحرية، مقدسة للحب والمحبوب، داعية إلى اللطف في معاملة الحبيب، والإخلاص له، والوفاء بالوعد، والتسامح معه، ورافضة وناقدة لمظاهر التنكر والنسيان والجفاء وتقلب الطباع والكذب والخداع والإكراه والقسوة والظلم.
وفي قصائد القمندان التي تناول فيها قضايا غياب الحبيب نستطيع أن نلمس اختلاف درجات انفعالاته تبعا لاختلاف أسباب الهجر، فيلوم ويعاتب ويستغرب ويرتقي أحيانا إلى حد التوبيخ والاستنكار، ولكنه وفي كل حال لا يرتضي بالتفريط بالحبيب ويذهب إلى إذابة كل خلاف، مسامحا وملاطفا ومرقبا ومستعطفا. ومهما بلغت درجة القطيعة والخصام فإنه لا يذهب إلى حد تخوين الحبيب، بل لم تورد لفظة الخيانة في قاموسه إطلاقا، ونجده مواجها لقسوة الفراق ونيرانه بأمل كبير بعودة الحبيب وثقة لا حدود لها بحبه ومحبوبته، وقد كان لهذا الأمل الغمنداني دورا كبيرا في ضياء وإشراق بعض لوحاته وصوره الداكنة المعبرة عن معاناته بعيدا عن الأحبة.
وبشكل عام تميزت معظم قصائد ديوان الشاعر أحمد فضل القمندان بالتفاعل الوثيق والوحدة العضوية بين موضوعات شعره وعواطفه و انفعالاته. وكان موفقا جدا في حسن الصياغه والترتيب، معتمدا اللغة السهله قريبا من الناس، متحدا مع مشاعرهم ومعاناتهم، ومبتعدا عن أساليب التكلف والصنعة ومصطلحات المثقفين وتعاليهم.
ولا نجد في ديوان شعره إلا القليل من القصائد التي غابت منها العاطفة واتسمت بالصنعة، خصوصا تلك التي كتبها لمجارات أنغام وإيقاعات تركية أو إنجليزية، وقصيدته (نغم لحان/ ص 87)، و ربما يعود السبب فيها إلى ضعف درجة تفاعله مع موضوعها في لحظة الكتابة.
محمد فاضل حسين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى