المواطنة.. بين العرقية والمعاشرة

> صالح شنظور

> كلنا ندعي الوطنية، ونتكلم عن أناس بأنهم غير وطنيين، ونفرز الوطنية حسب القبائل والأعراق، ونكون بهذا قد تماشينا مع أفكار حزب النازي «هتلر»، برفعهم شعار «الجنس الآري هو أفضل جنس وهو من سيقود الأرض»، حتى وصلوا بتفكيرهم المتشدد إلى أن يقتلوا ويذبحوا من جنسهم بمجرد أنهم مصابون بعاهة خلقية حتى لا يتزوجوا ويتكاثروا، هذه العاهة قد تكون نقطة ضعف في الجنس الآري، كما أنهم دعموا زواج أفراد جنسهم ليتكاثروا، فسمى جميع أفراد الجنس الآري بالوطنيين والشرفاء..! وبطاعتهم العمياء وحذوهم حذو اليهود الذين يرون أن جنسهم هو المختار عن بقية الأجناس.
فمن الطبيعي أن يحدث هذان الصنفان «النازية واليهودية» حربا شعواء وفتنا كثيرة بين بقية الأجناس، والسبب واضح كما أسلفت، فـ «هتلر» لم يجلب إلا الدمار للعالم، واليهود كذلك، وما أريد أن أقوله هو أن كل من يصنف الوطنية والمواطنة حسب الأعراق والأجناس فلن يجلب لشعوب هذه الأرض إلا الحرب والدمار.
فـ «هتلر» لم يكن له دين ينسب أفكاره إليه، فنسبها إلى كلام سياسي وضرب في جذور تاريخ الأجناس إلى ما قبل الميلاد! وأظهر لشعبه صورة اليهود البشعة، وقاس عليها صور الأجناس والديانات الأخرى، كذلك اليهود رموا بأفكارهم على دينهم ورأوا بأنهم هم المختارون لقيادة الأرض وبأن كل من سواهم خونة وعبيد لهم.
وكذلك هو الحال اليوم، فمازال الناس يعانون في جميع أنحاء العالم من مفهوم الوطنية والمواطنة، حتى في أمريكا مازال الهنود الحمر يعانون من هذا المصطلح وهم أهل الأرض، فكيف في أوطاننا العربية التي كانت مبعث الأنبياء، وأرض الرسالات، وأرض الحروب، توالت عليها آلاف الأجناس والأعراق، كيف سنقيس الوطنية والمواطنة؟
هناك كثير من المشاكل أنتجتها نظرتنا للمواطنة حسب العرقية والأجناس وأيضا القوميات، وكل هذه النظرة المغلوطة السوداوية عن المواطنة سببت خللا كبيرا في المنظومة الاجتماعية، ولكن الحقيقة أن الوطنية والمواطن تكون مكتسبة من خلال العيش والمعاشرة، «فمن عاشر قوما أربعين يوما صار منهم».
فأغلب دول العالم المتطورة تجاوزت مرحلة قياس الوطنية بمقياس الأعراق والأجناس، لذا نجدها تعيش في سلام اجتماعي وسياسي، بل صارت شعوبها تتمدد، فصار اليمني الذي ولد في اليمن يمكنه أن يكون رئيسا للوزراء في بريطانيا أو ألمانيا أو وزيرا لأمريكا حسب الحقوق القانونية التي تعطي له حق الوطنية في البلد، ونحن اليوم صرنا نفتح ملف الأجناس بحثا عن أصول شخص ما إذا اختلفنا معه سياسيا حتى نصل إلى ملكتنا بلقيس فتعطينا صفعة عتاب بزواجها بالملك سليمان فنعود لحاضرنا متناسين هذا الذين يخالفنا سياسيا.
أما الذي يخالفنا مذهبيا أو فكريا فنذهب إلى الجزيرة العربية قبل البعثة فنأخذ حظنا دافئا من أمنا البسوس وجدنا الزير سالم، ونأتي نصرخ يا لثأرات الحسين ويا لثأرات عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، رضي الله عنهما، ونعود نصرح بأنه مجوسي أو فارسي أو كان يهوديا أو تركيا مغوليا، وهذا ما ظهر مؤخرا في بلادي اليمن الحبيب، فصرنا ننادي بالقومية اليمنية (اليمننة)، والعصبة الحضرمية، وبالدحباشي، والزيدي، ولو أن مطالب بعضهم حقيقية وبعضها وهمية.. ولكن وبعيدا عن المطالب الحقوقية والسياسية، يجب أن نبعد نعرات داعش والغبراء لنشوه صورة السادة، لأن نفرا منهم استخدموا آلية للتغيير غير صحيحة وخاطئة، وكذلك من يخالفنا سياسيا، علينا كمسلمين أن نرتب أوراقنا جيدا في مسألة الوطنية والمواطنة منذ أيام قوتنا وهو عهد عزة الأمة الإسلامية، ثم بعد ذلك نبدأ في رؤية الأفكار التي حاولت هدم ذلك البنيان المتماسك عندها سنعرف كيف هي قوانين «المواطنة والوطنية وبين العروق والتعاشر»، وعلى الرغم من أن الخارطة الديمغرافية والجغرافية والجيوسياسية قد تغيرت تماما ويصعب تغييرها، ولكن يجب أن تكون داخل هذه الأطر المحددة نظرة إيجابية متعايشة وليس بالضروري من وحدة الخارطة الإسلامية جغرافيا أو ديمغرافيا، ولكن يمكننا توحيد الخارطة السياسية، وكذلك الاقتصادية، ولنا في الاتحاد الأوروبي خير مثل على ذلك، وعندما نصل إلى هنا حينها سننعم بسلام اجتماعي واقتصادي.
صالح شنظور

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى