المؤتمر الجنوبي الجامع

> د. هشام محسن السقاف

>
د. هشام السقاف
د. هشام السقاف
تعقيدات الجنوب السياسية لن تُحل بالإلغاء أو الاستحواذ لفريق على فريق، أو القتال المحرم.
فقد كانت لنا مآثرنا كـ(أيام العرب في الجاهلية) مدوية ودموية وسيئة الصيت هي على كل حال. دخلنا - مبكرا - حربين أهليتين في شوارع عدن عام 1967م وعيون الإنجليز ترنو بفرح لما يحدث، ولم يكتفِ فريق الظفر بالاستقلال والدولة الجديدة بإزاحة خصومه السياسيين فقط، بل إنه التفت إلى ذات كيانه كالحيوان الهلامي الذي يتغذى على قطع من جسده.
وفي كل دورة دم كنا نخسر خيرة الرجال من ذات الجسد الجنوبي الصغير الذي لا يزيد تعداده عن المليون إنسانا. أما المنتصر- دائما- فكان محاصرا بانعدام الرؤية السياسية للخروج من المحنة، ومحاصرا- أيضا- بأشباح الضحايا وأطياف الموتى. وكانت كارثة يناير 1986م واحدة من قاصمات الظهور العبثية، حيث وجد المنتصر نفسه مهزوما ومخنوقا ومجبرا على الانتحار بوحدة 22 مايو 1990م.
إن الكلام هنا لا يجري على منوال محاكمة التاريخ من خارج التاريخ المعني، بقدر ما هو إلا تسريع بتعليق الناقوس في عنق القط، لينتبه كل من لا يقرأ التاريخ قراءة واعية، وليستوعب: أن انتصار الجنوب ليس في الاقتتال والمرور على الخصوم المحليين بسلاسل المجنزرات، إطلاقا، فهذا- إن تكرر- إعادة للمآسي بمأساة أسوأ قد تكون ذروة الخراب الكامل لـ(مالطا) الجنوب.
فمن يعز عليه الوطن عليه أن يدعو الآخرين إلى الحوار والحوار دائما، ومن يعز عليه مستقبل الجنوب عليه أن يركن عقلية (أنا) ومن بعدي الطوفان، في كهف مظلم بعيد لا يصل إليه أحد.
نحن بحاجة لتفاهم من نوع آخر لا يتسرب إليه (اللا) منطق قبلي أو مناطقي أو فئوي أو عنصري، وتتسع فيه الصدور لكل فرد أو مكون، ويستظل تحته الجميع بأغصان المحبة على تربة المشترك الوطني الجامع.
لا نضيق ذرعا بمكون جنوبي قديم أو جديد ونتذكر دائما المقولة الشهيرة «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب»، و ننأى بالنفس عن مقولة جوبلز القائلة «عندما أسمع كلمة مثقف أتحسس مسدسي».
علينا أن نؤذن في أذن الجنوب المنكوب بأبنائه منذ التحرير، ليسمع الجميع صوت العقل، وألا خيار أمامهم أنجع من خيار (الكل للكل الوطني)، وأن تتحرك قوة وطنية ثالثة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الاعتبارية لتقريب وجهات النظر المختلفة والاتفاق على عقد وطني جديد من خلال مؤتمر جنوبي جامع لا يتفرد به فصيل أو كيان على حساب الكل الجمعي للوطن، فيه يتم وضع الإستراتيجيات الوطنية الملبية لتطلعات أبناء الجنوب، بعيدا عن الصراخ وافتعال الأزمات وتكرار أخطاء الماضي، وأن نتشارك جميعا في السراء والضراء للخروج من نفق الغربة الداخلية الذي نعيشه اليوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى