توزيع الاختصاصات بين مستويات الحكم في مسودة دستور اليمن الجديد 2015 «النفط والغاز مثالاً» (6-1)

> د. باسل باوزير

> مقدمة:
تسلط سلسلة المقالات هذه الضوء على مسائل مختارة وأساسية من مسودة دستور اليمن الجديد 2015، بهدف تكوين فكرة واضحة ومبسطة عنها للمواطنين اليمنيين الذين يودون أن يروا لها حلاً في اليمن الجديد. فالدستور يُعتبر المرجع الأهم حول مستقبل اليمن واليمنيين بعد انتهاء هذه الحرب «وستنتهي بإذن الله».

تشكل هذه المقالات مساهمة محدودة وشخصية في نشر الوعي لدى المواطنين حيال مسألة الدستور، خاصة مع الظروف الحالية التي تمثل تحدياً حقيقياً أمام الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل لتوفير التوعية العامة حول هذه المسائل. ومن المفروض أن يطلع المواطنون على عملية الانتقال الدستوري التي من شأنها أن تؤثر على مستقبلهم أيّما تأثير.. ليكون لهم صوتاً مسموعاً.

اختار المشرع الدستوري اليمني، في مسودة الدستور، أن يتم تحديد اختصاصات السلطات الاتحادية واختصاصات الأقاليم والولايات والمحليات على سبيل الحصر، سواء ما كان منها مستقلاً بذاته أو مشتركاً مع مستوى آخر من مستويات الحكم، حيث نصت المادة (334) من مسودة الدستور على أن: «تتمتع مختلف مستويات الحكم باختصاصات حصرية وأخرى مشتركة تتوزع فيما بينها...». وهذا يعني أن مسودة الدستور تنص على أربعة قوائم: الأولى تشمل اختصاصات السلطات الاتحادية (م 335)، والثانية الاختصاصات المشتركة بين سلطات الاتحاد وسلطات الإقليم (م 336)، والثالثة تتضمن اختصاصات سلطات الإقليم (م 337)، في حين تتضمن القائمة الرابعة سلطات الولايات والمحليات (م 338).

وقد عالجت مسودة الدستور مسألة وجود اختصاصات غير مسندة إلى أي مستوى من مستويات الحكم، فالمشرع الدستوري لا يمكن له- مهما بلغت قدرته من الدقة- الإحاطة بجميع الاختصاصات، ففي هذه الحالة تسند الاختصاصات غير المنصوص عليها إلى سلطات الإقليم (م 341)، وهذا التوجه من المشرع الدستوري من شأنه أن يؤدي إلى تقوية دور الأقاليم وتوسيع اختصاصاتها مع مرور الزمن، حيث ستكون الاختصاصات الجديدة من نصيب سلطات الإقليم. أما في حالة تعارض قانون إقليمي مع قانون اتحادي فتسري أحكام القانون الاتحادي في ذات المجال (م 342)، وهو توجه يشير إلى رغبة المشرع في إبقاء سلطات الاتحاد في موقف أقوى من سلطات الأقاليم عند تعارض القوانين التي قد تصدر عن الأقاليم وتمس بوحدة اليمن وسلامته واستقلاله وسيادته.

وإذا ما دققنا النظر في قوائم الاختصاصات الأربعة : الاتحادية، المشتركة، الإقليم، الولاية والمحليات الوارد تحديدها حصراً في الفصل الأول من الباب الخامس من مسودة الدستور، فإننا سنجدها جميعها خالية من تحديد الجهة المناط بها إدارة النفط والغاز. فمن هي الجهة الموكول إليها إدارة النفط والغاز؟

من مطالعة مسودة الدستور في هذا الشأن نجد أن المشرع  قد نص على المسائل المتعلقة بالنفط والغاز في مواد منفصلة، فقد نصت المادة (17) على أن: «الثروات الطبيعية بكافة أنواعها ومصادر الطاقة الموجودة في باطن الأرض أو فوقها أو في المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة أو الجرف القاري، وتكفل الدولة الحفاظ عليها وحسن إدارتها واستغلالها واستثمارها لتحقيق المصالح العامة وتوزيع عائداتها بين مستويات الحكم بصورة عادلة ومنصفة وفقاً لهذا الدستور، مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها».

ثم أشارت المادة (388) إلى أن: «تكون إدارة وتنمية ومنح عقود الاستكشاف والتطوير من مسئولية الولايات المنتجة بالتشارك مع السلطات في الإقاليم والسلطة الاتحادية، ويدير شؤون النفط والغاز والمعادن ومنح عقود الاستكشاف والتطوير هيئة وطنية مستقلة تمثل فيها الحكومة الاتحادية والأقاليم والولايات، ويكون لها فروع في الأقاليم والولايات بحسب الحاجة، ويحدد القانون مسئوليات ودور كل منها...».

نفهم من النصوص السابقة أن المشرع الدستوري أراد أن تكون إدارة النفط والغاز ذات طابع خاص فأسبغ عليها الصفة التشاركية بين جميع السلطات: الاتحاد والإقليم والولايات في إدارة النفط والغاز. واعتبارها تدخل ضمن مفهوم البعد الوطني لهذه الثروة التي جعلها المشرع في المادة (17) المذكورة آنفاً. وقد أكد المشرع الدستوري ذلك مرة أخرى عندما نص في المادة (356) على إنشاء صندوق وطني للإيرادات، تودع فيه كافة الإيرادات الوطنية وتشمل عائدات مبيعات النفط والغاز، وتوزع هذه الإيرادات ضمن معايير نصت عليها المادة (357) تراعي التقسيم العادل والمنصف للإيرادات الوطنية بين مستويات الحكم وتحديد حصص عائدات الموارد الطبيعية بما فيها النفط والغاز لكل من حكومات الاتحاد والأقاليم والولايات والمديريات ومدينتي صنعاء وعدن.
د. باسل باوزير

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى