على مر الأزمنة والعصور تظل حقائق التاريخ في حياة أي شعب تعلن عن نفسها حتى مع ما تفرض سياسة الأمر الواقع من متغيرات على الأرض، فهي تظل خطوات عاجزة تماماً عن تجاوز وتغييب حقائق التاريخ مهما حاولت تزييف تلك الحقائق، التي هي إرث في وجدان الشعوب تتناقلها الأجيال المتعاقبة وتقاوم بضراوة محاولات طمس تلك الحقائق..
صنعاء دون ريب مارست مع الجنوب حرب محاولات تزييف التاريخ بكل فجاجة، بل تعمدت طمس الكثير من الحقائق التي تَمُتُّ إلى تاريخ الجنوب. طالت تلك الخطوات مناهج التعليم ونحوها، وكان الأمل لديهم أن تأتي أجيال جنوبية لا تؤمن بقضيتها، إلا أن المفارقة المدهشة التي واجهوها على مدى العقود الماضية أن الأجيال الفتية هي من أظهرت مقاومة شرسة لتلك المخططات.
الحال الذي أربك كل حساباتهم تجاه الجنوب، إلا أن أحزابهم السياسية وكافة الأطياف استمرت تعمل على هذا الصعيد خصوصاً على الصعيد الإعلامي، مستغلين ما آل إليه حال الجنوب من غياب إعلامي، حتى أن تركيزهم على الإعلام كان أولوية لكافة القوى والأطياف السياسية والقبلية في سعي واضح لقلب الحقائق وخلق رأي عام مختلف في مفاهيمه تجاه الحق الجنوبي.
وهذا معمول به حتى اللحظة. بمعنى أدق، لا يريدون الحقيقة مطلقاً المتعلقة بتاريخ الجنوب وحضارته ووجوده المستقل، إنما يرون في الحديث العفوي المتجاوز لهذه الحقائق هو الأفضل في التعاطي..
ما يعني أن فشلهم في التزييف لوعي الأجيال أخذ منحى آخر، أعني ما يتم تكريسه في وسائل إعلامهم.
الأمر الذي يدعونا للعمل على هذا الصعيد وبمهنية وإظهار ما لدينا من حقائق تدحض ادعاءاتهم الملفقة التي يصعب أن تصمد أمام حقائق تاريخ ليس غائباً من ذاكرتنا كشعب ومن ذاكرة التاريخ ومراكز الأبحاث العالمية.. ما يعني أن أي تفاوض على الصعيد السياسي بعد كل ما حدث وصار بالنسبة للجنوب لا يمكن أن يكون على أساس عواطف، إنما من منظور التاريخ وحقائقه وحق هذا الشعب الصابر الصامد في تحقيق إرادته.