مشاكل تعيق إعادة بناء الدولة

>
عادل المدوري
عادل المدوري
مسألة إعادة بناء الدولة، مسألة مهمة وكبيرة وبلا شك، خاصة في الجنوب الذي دمرت فيه جميع مؤسسات الدولة، وهياكلها الوظيفية والتنظيمية، فلم يبقَ شيء يمكن الانطلاق منه أو البناء عليه، لذلك كان ولا يزال يستلزم على كل من ينادي ويريد الحكم الذاتي أو الاستقلال البدء من نقطة الصفر، وهذا الأمر في غاية الصعوبة في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية الراهنة في البلاد.

لكن ومع مرور الوقت والأيام تظهر لنا في المشهد العديد من المعوقات التي تعطل الوصول لهذا الهدف الذي من أجله خضنا، رجالا وشبابا ونساءً، معارك ضارية متصلة من أجل الدفاع عن وطننا وعن شرفنا وكرامتنا، وسفكت دماء الآلاف الشهداء والجرحى، ويتّم أطفالنا، ورملت نساؤنا، وملئت السجون. وهذا الصراع لا يقتصر على الداخل فحسب بل امتد للتدخلات الخارجية (الخليجية والإقليمية، والدولية بشكل عام)، حيث إننا نمثل أهمية استراتيجية في بحر العرب والبحر الأحمر لا يمكن إنكارها.. وبالتالي فإن توجهات أنظمتنا القادمة وشكل الدولة القادمة تشكل رقما صعبا في المعادلة الإقليمية والدولية.

الصراعات الداخلية تبدأ من بقايا الأنظمة السابقة والمتحزبين الذين وإن لبسوا عباءة الوطنية والثورية فهم يسعون لأحد أمرين أو للاثنين معا إن استطاعوا: الأول، هو التلون ليصبحوا جزءا من النظام القائم، فهم بطبيعتهم عديمو المبدأ وما يهمهم هو البقاء والمصالح، والثاني: أنهم يسعون لإفشال إعادة بناء الدولة في محاولة لإعادة النظام القديم أو إعادة استنساخه بشكل ومسمى جديد، ولكن بنفس المنهج الذي ترعرعوا عليه.

أما الصراعات الخارجية فتتلخص في محاولة بعض الدول المجاورة التدخل من أجل إجهاض مشروع الاستقلال، فبعض هذه الانظمة تعاني من دعوات للحكم الذاتي لبعض الأقاليم في مجتمعها وهي تخشى من وصول هذه الأفكار وتؤثر على الأوضاع الداخلية فيها، أضف إلى ذلك أن النظام الجديد في الجنوب أو الحامل السياسي قد تكون له توجهات إقليمية مختلفة، لا سيما وأن نظامنا السابق الذي حكمنا ما بعد الاستقلال كان معاديا لجيرانه، مما يثير قلق دول الجوار التي تفضل الأنظمة التي اعتادت على التعامل معها وربطت بينهما مصالح مشتركة.

ويُعدّ كل ما سبق مشاكل معقّدة، إذا ما تم النظر إلى مطالبنا من ضرورة استعادة دولتنا بأسرع ما يُمكن، لكن بالمقابل لدينا مقومات دولة وتجربة في بنائها وإقامتها وإدارتها، وعندنا خبرة في ذلك منذ أيام الاحتلال البريطاني وما بعده، ونملك إرثاً ثقافياً وحضارياً، والقدرة على التعاطي مع العملية السياسية.

والأهم من ذلك نملك ثروات نفطية وبحرية ومعدنية وغيرها، إلى جانب الكوادر في شتى المجالات، بما فيها الكادر العسكري، ولدينا خبرة في إقامة العلاقات مع دول الجوار والإقليم والعالم، ونحترم الجوار، ولا نتدخل في الشأن الداخلي للدول.

على الرغم من التدمير الذي تعرضت له المقومات من البنى التحتية والخدماتية، من قبل نظام صنعاء، غير أنه يُمكن تعويض الثروات المهدورة خلال فترة قصيرة، من خلال كوادرنا البشرية الذين سيبنون دولة متماسكة، ذات سيادة كاملة على أراضيها، براً وبحراً وجواً.. صحيح أننا سنواجه صعوبات، وهذا أمر طبيعي في فترة ما بعد الاستقلال، وسنحتاج إلى دعم المجتمع الدولي والإقليمي، لا سيما العربي منه، والخليجي تحديداً.

ومن هنا نوجه رسالتنا للداخل والخارج والقاصي والداني، بأننا اليوم نطمح للاستقلال الحقيقي بعد عشرات السنين من الاستقلال الوهمي، ونحن في ذلك نقابل صعوبات لا تقل عن الصعوبات التي واجهتنا لإزالة النظام القمعي في صنعاء الذي كرس التبعية ومنع بالحديد والنار كل محاولاتنا للتحرر والاستقلال واستعادة الدولة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى