عشوائية استخدام السلاح.. تهديد وهدم للسلم والتعايش المجتمعي

> العميد الركن/ ناجي عباس عبد الله*

>
أصبحت ظاهرة حمل السلاح لدى شبابنا بشكل عشوائي وإطلاق الأعيرة النارية بسبب أو بدون سبب في مناسبات أو من دونها، أمرا خطِيرا، يقلق ويؤرق حال الجميع.. بل وبات حمل الشباب للسلاح بشكل فوضوي مشكلة مجتمعية معقدة، لما يترتب عنها من مخاطر بسفك الدماء وإزهاق الأرواح البريئة بوقوع العديد من الضحايا بين قتيل وجريح نتيجة لسوء استخدامها، وذلك عن طريق الخطأ أو العمد.

أصبح تأثير استخدام ذلك السلاح الناري الخفيف يحدث في محيط مستويات الاسرة الواحدة مع الأسف الشديد، وأهم عوامله الرئيسية هو بروز ظاهرة مزاجية وفوضوية لحمل السلاح والتباهي به لدى غالبية أفراد مجتمعاتنا المحلية والتفاخر باقتنائه من قبل كثير من الأطفال والشباب والشيوخ على حد سواء، مما سهل ذلك عملية وقوع كل تلك الحوادث والإصابات.

ومن أسباب اقتناء السلاح هو انعدام الأمن وشعور المواطن بالخوف والذي لجأ لتأمين حياته وحياة أسرته وممتلكاته إلى امتلاك السلاح الخفيف كوسيلة للدفاع الذاتي عن النفس.. فما نشاهده اليوم في واقع مجتمعنا الجنوبي شيء يندى له الجبين من تداعيات أمنية لأسباب ظواهر حمل واستخدام السلاح الخفيف وبضرب العيارات النارية بشكل عشوائي وغير مبرر له، واستغلال ذلك ليس من قبل فرد أو فئة أو شريحة مجتمعية معينة فحسب بل وصل الامر إلى استخدام هذه المظاهر المسلحة بأنشطة تكوين جماعات وعصابات فوضوية منتشرة في كل محافظات الجنوب مستغلة في ذلك واقع حال التحول المجتمعي الناتج عن الوضع القائم بتجنيد صغار السن والشباب المتهور وغير المنضبط وحصولهم على الاسلحة والذخائر التي يستخدمها الكثير من تلك الفئات العمرية وغيرهم دون ادراكهم الكامل بمخاطر وانعكاسات مساوئ حمل واستخدام هذه الاسلحة. وتتجلى أبرز صور المخاطر السلبية المقيتة الناتجة عن حمل واستخدام الأسلحة بالتعدي المتزايد على حقوق وحياة الغير والاضرار بمصالحهم.

وتُعد ظاهرة الاتجار المشروع وغير المشروع ببيع الأسلحة الفردية الخفيفة وبذخائرها المختلفة واستيرادها وإيصالها بسهولة ليد مستخدميها هي أحد العوامل الأساسية التي أدت لواقع حصول وامتلاك غالبية افراد مجتمعنا لذلك الكم الهائل من انواع واشكال هذه الاسلحة الخفيفة وذخائرها القاتلة والتي تؤدي ظواهر مسبباتها الحقيقية لوجود نوازع استخدامها بعشوائية وفوضى الاقتتال والاحتراب الداخلي وتعريض الكثير من الناس للإصابات الجسمانية المختلفة دون وازع ديني او رادع قانوني يمنع ذلك، ونلاحظ جلياً بانه ونتيجة لغياب قوة الدولة جعل الجماعات والأشخاص الفوضوية وممن يحبون الغوغاء ويبعثون الرعب في مجتمعنا يحصلون على هذه الانواع والاشكال من الاسلحة والذخائر مختلفة الانواع، والاقدام على محاولات فرض نفسها للتحكم بإرادة الناس المسالمين والتهجم على حقوقهم المدنية والعمل على اقلاق السكينة العامة في المجتمع دون مبالاة.

كم هناك من البلاطجة وقطاع الطرق واللصوص والاشخاص الفوضويين الذين قاموا بإيذاء سكينة الناس واعمال الحرابة بالطرقات وخطوط سير القاطرات ونقل البضائع التجارية واخذ الجبايات غير المبررة تحت التهديد باستخدام السلاح.. بل وصل التمادي في القيام بقتل العديد من الاشخاص الابرياء كي تحقق تلك العناصر والجماعات المسلحة الخارجة عن النظام والقانون مآربها ومنافعها المادية دون ضمير انساني، وبكل تأكيد لن تتوقف تلك العصابات والجماعات والاشخاص المسلحة ومستخدمي إطلاق النار ما لم تجد امامها قوة رادعة لمواجهتها وايقافها عند حدودها.

إن متطلبات السعي لضبط وتنظيم حيازة السلاح الخفيف الموجود في أيدي الكثيرين من فئات المجتمع اطفالاً كانوا او شبابا او شيوخاً بات اليوم مطلباً ضرورياً وملحاً في واقع مجتمعنا الجنوبي، فمعظم الأسلحة الخفيفة وذخائرها الموجودة في أيدي العديد من الفئات العمرية لم تُعد تستخدم عند الحاجة في الدفاع عن النفس او فقط في مواجهات الاعداء الخارجيين كما يطلب الأمر ذلك، بل اصبح استخدامها بغرض حملها واطلاق أعيرتها النارية في الاعراس والمناسبات وبضرب النيران العشوائي الذي ادى لزعزعة أمن واستقرار المواطنين واستعمالها بصورة غير مستحبة ومقلقة تؤدي لإرعاب النساء والاطفال والكهلة وتعرض الكثير منهم للإصابات البالغة والإيذاء بحياتهم.

كل تلك الاعمال غير السوية بإطلاق الأعيرة النارية الفوضوية هي بالأساس شيء مخالف للأعراف والنظم والقوانين النافذة في مجتمعنا، وتعد أعمالا ضد الانسانية برمتها، ولذلك لابد من ايجاد رادع قانوني وعقابي لكل تلك الاعمال العنجهية والمخلة بأمن الوطن والمواطن وفي مقدمة ذلك مطالب ضبط وتنظيم حيازة وامتلاك الأسلحة الخفيفة طالما ونحن ننشد السلام والوئام في واقعنا المجتمعي الحاضر والمستقبلي.

فما نشاهده اليوم من عملية الانتشار المخيف لمظاهر وجود حمل واستخدام السلاح الخفيف بمتناول الجميع يُعد سببا رئيسا بدفع الكثير من حامليه لسوء استخدامه سواءً بإطلاق اعيرته النارية في الهواء او بالإقدام على اعمال متهورة تؤدي لوقائع الاقتتال البيني بين الاشخاص، وهناك العديد من المخاطر التي تبرز امامنا جراء عشوائية ظواهر حمل واستخدام السلاح الخفيف في مجتمعنا المدني الجنوبي أهمها:
* مخاطرها على أطفالنا وما يترتب عنها من تعارض للحقوق التي يكفلها القانون الدولي الانساني بشأن حماية الاطفال من كافة مظاهر العنف وابعادهم عن حمل السلاح أو إيقاعهم ضحاياه.

* مخاطر وجود الرغبات بامتلاك واستخدام السلاح من قبل الشباب من أبنائنا طلاب المدارس والجامعات وابتعادهم عن مفاهيم أهمية التعليم ومحصلاته الموجهة لخدمة بناء وتطور مجتمعهم ووطنهم.
* مخاطر تحول العديد من أبنائنا صغار السن والشباب الذين يملكون السلاح الخفيف الى عصابات وجماعات فوضوية مسلحة وارهابية ما ساهم ذلك التحول في تفاقم ظاهرة الفوضى والعنف والاقتتال البيني بأوساط مجتمعنا الجنوبي.

ودون شك فإن محاربة ظاهرة حمل واستخدام السلاح الخفيف بين اوساط المجتمع السكاني يرتبط بشكل اساسي بمفهوم تعزيز بناء الدولة وقوة اجهزتها العسكرية والأمنية لانها هذه الظواهر المقيتة والمؤثرة في واقع مجتمعنا لابد من تحقيق العمل الآتي:
- تفعيل دور ومكانة الرقابة المجتمعية لمحاربة ظاهرة حمل السلاح واستخدامه في الاحياء والمناطق السكنية للمواطنين والعمل بايجاد بيئة مجتمعية آمنة ومسالمة.

- منع مظاهر حمل السلاح واستخدامه من قبل مختلف شرائح وفئات المجتمع المدني مهما كانت طبيعتهم باستثناء عناصر الأجهزة الامنية والعسكرية المكلفين في اداء الواجبات الوطنية المنوطة بهم بحفظ الأمن والاستقرار في المجتمع.
- تفعيل دور العمل بالنظم والقوانين المنظمة لحيازة وحمل الاسلحة الشخصية وأتباع العقوبات القضائية والجنائية بمحاسبة وملاحقة المخالفين ومرتكبي جرائم القتل باطلاق الاعيرة النارية في ذلك.

- تعزيز دور العمل التوعوي والارشاد الديني لفئات المجتمع وفي مقدمته توعية الاطفال والشباب وكل فئات المجتمع بمخاطر حمل واستخدام الاسلحة الشخصية الخفيفة وتوجهيهم الوجهة السليمة بأخذ احتياطات الأمان بعملية استخدامها في الظروف الاستثنائية المطلوبة الذي تقتضيه مصلحة الدفاع عن الوطن وبشكل منظم وقانوني.

ولتحقيق كل ذلك لابد من تفعيل دور ومكانة الأجهزة الأمنية والعسكرية ومؤسسات الدولة الضبطية كالقضاء والنيابات العامة وأجهزة البحث والتحري واقسام الشرط، للقيام بواجباتها في تطبيق النظام والقانون وحفظ الامن والاستقرار والسكينة العامة في المجتمع، ولابد من وضع ضوابط ولوائح منظمة وعمل انشطة وبرامج تثقيفية لتحسين العلاقة الأمنية المطلوبة بين قوى وعناصر الاجهزة الامنية والمواطنين ونشر الوعي المجتمعي بمخاطر السلاح ومنع ظواهر حمله واستخدامه دون مشروعية وطنية، لما لذلك من تأثير على تطور ونماء المجتمع.

 ويمثل الاعلام الرسمي ووسائل التواصل الاجتماعي إحدى الوسائل الأساسية المساعدة لإيصال هذه الرسائل الهامة بنشر الوعي المجتمعي بمخاطر وآثار حمل واستخدام السلاح الفردي العشوائي بأوساط المجتمع، ولشرح وبلورة اهمية الابتعاد عن هذه الظاهرة غير الحضارية وعن كل ما يثير النعرات والفتن الفئوية وظواهر التأجيج لأعمال الاحتراب والاقتتال الداخلي بين الناس ومحاربة مظاهر اطلاق النار في الاعراس والمناسبات وغيرها حفاظاً على حياة وسكينة المواطنين.
*باحث ومحلل عسكري استراتيجي​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى