كان له أن يُملأ بمعنى آخر

> نشوان العثماني

> إذا ذهب اثنان إلى مدينة أخرى، وكان مكوثهما فيها أسبوعًا، ثم في أثناء هذه الإقامة القصيرة قبل العودة إلى بلدهما دب بينهما خلاف تطور إلى عراك؛ إذ تنازعا على غرفة في الفندق تطل على النهر.
ماذا يمكن القول لكل منهما، وكيف يكون التصرف إزاءهما؟
كل منهما تملكته الأنانية، وذهب ليستحوذ على المكان ملقيًا في وجه أخيه الشتائم، ومضمرًا له في قلبه طاقة سلبية إثر هذه المنافسة.
غابت المحبة، غاب الوعي المستنير، أو هما لا يعرفان شيئًا ألبتة عن المحبة ولا عن هذا الوعي المستنير، إذ لا يسمو فهمهما إلى مستوى يتجاوز ما هما فيه، وبالتالي خلّف ذلك فراغًا كان له أن يُملأ بمعنى آخر؛ وكان أن حلت في هذا الفراغ الأنانية التي هي مضادة للحب.
بأي صيغة يمكن إصلاح ما تعثر في عالم الإنسان الداخلي للإنسان؟
هما بعد أيام قليلة عائدان إلى مدينتهما، ولكل منهما سكناه، فعلامَ الشحناء وعلامَ الاستئثار؟
كانت الكبرياء واحدة من أهم العقبات التي تحول دون حل المشكلة. فكل منهما يعرف أنه سيترك الفندق بالكامل بعد أيام، لكنه لا يحب أخاه، ولا يقبل أن يتفاهم معه. يغيب الحب، فيقام على الوعي حاجز من حديد بينه والفهم. وكل منهما يقول للآخر: هذه الغرفة لي. إنها خاصتي. أستحقها أكثر منك. ثم يأتي السؤال الموجع بحق الروح الخادش بحق الكرامة الإنسانية: من أنت ومن تكون لتأخذ هذا عني؟ أبدًا لن أسمح لك. أنا أستحقها أكثر منك.
أصدقاؤهما من حولهما جدًا أصيبوا بالذعر؛ أنه كيف لرجلين من حملة التأهيل في هذا العمر أن ينزلا إلى هذا الحد من الأنانية دون خجل؟
انطلق الأصدقاء يسألون: ماذا سيقول الناس عنا؟ لم يتجهوا للجلوس مع الصديقين، وحل الإشكال بينهما، بل كان همهم الأول سمعتهم إزاء الناس وماذا سيقولون عنهم؟ خاصة وأن الشابين من جماعتهم.
فتح أحدهم موسيقى، فقيل له: «مش وقتك الآن»، والتي تفصيحها: «لا نطيق سماع الموسيقى آننا هذا».
فتح الآخر هاتفه المحمول، واختار من القرآن سورة الرحمن، وقرأ القارئ مباشرة من الربع الثاني: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»، وكان جواب صحبه عليه: «افتح القرآن براحتك هناك في البيت مش هنا»، وكانوا جميعًا على الجانب الأيمن من الصالة، والشمس محمرّة على وشك المغيب.
جاء ثالث وسألهما: «ذلحين أنتم من صدقكم؟» والتي تفصيحها: «أأنتم جادون في خلافكما هذا؟»
كانت الإجابة: أنت أيش دخلك؟ خليك في حالك.
تدخل مدير الفندق وعديد أحباء لكن دون جدوى.
اُستدعي قنصل السفارة، وأصلح بينهما. قبّلا بعضهما ظاهرًا، لكنهما خافيًا أبقيا على مساحة كافية من الطاقة السلبية لحتى يعملان سوءًا ببعضهما؛ وهذا ما حدث.
قبل اليوم الأخير اندلع بينهما العراك المنتظر، ولم يكن في الباحة أحد من الناس باستثناء صديقين عجزا أن يفضا النزاع الناشب إلا بجهد جهيد؛ بعد أن كان كل منهما قد نال قدرًا بالغًا من أخيه، وأسعفا إلى المستشفى.
تدهورت صحتهما هناك، وفاتهما موعد الطيارة التي كانت رحلتها بعد يوم واحد من آخر يوم لفترة مكوثهما.
أحسا بجرم ما ارتكباه بعد كل هذه الآلام. لم ييأس القنصل وذهب مرة أخرى للإصلاح بينهما. تمنّعا قليلًا في البدء بفعل ما تبقى من الكبرياء، لكنهما بعد هنيهة اندفعا وسلّما على بعض بحرارة، وأخذا بعضهما بالأحضان.
أمضيا فترة من الزمن بانتظار الطائرة القادمة التي ستعيدهما إلى بلدهما.
في الطريق بعد أن خرجا من المطار الساحلي في مدينتهما، وجدا صدفة شيخًا يمضي رويدًا بالاستناد إلى رجل ثالثة. دار بينهم حديث لا نعلم فحواه، لكن صديقًا لمح من على بُعد ابتسامتهم ورآهم يمضون قُدمًا.
خبّرا أولادهما بما حدث، ونُقلت القصة، وكانا لا يخجلان من توبيخ نفسيهما أمام الأهل وذوي القربى، وأمام الناس.
اطمأنا جيدًا أن ما حدث لهما لن يتكرر في قادم السنين.
لكن المسألة ظلت تتكرر مع أولادهما وأحفادهما، لكأنما ثمة شيء في الإنسان يلزمه أن يصطدم بالجدار الفاصل أولًا، أن يتألم كي يتعلم ويبصر الطريق جيدًا...​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى