اليمن والخليج في مراكز الدراسات الغربية.. معظم المنطقة الساحلية المحررة لا تزال عرضة للاستعادة

> عمر أحمد*

>
 اعتبر معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» أن «الأزمة الإنسانية القادمة التي سيشهدها العالم قد أرجئت، لكن ربما لأسبوع واحد فقط أو نحو ذلك»، وذلك بعد أن أعلنت القوات المدعومة من الإمارات «تمهلاً أحادي الجانب في وتيرة تقدمها نحو ميناء الحديدة الإستراتيجي».

وأشار المعهد، في مقال تحليلي لمدير برنامج «الخليج وسياسة الطاقة»، سايمون هندرسون إلى أنه «ومنذ 23 يونيو، تمنح الإمارات المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن جريفيثس فرصة لإحلال السلام. وقد تمّ إبلاغ الحكومات الأجنبية بأن توقف القتال سيستمر لمدة تتراوح بين سبعة إلى عشرة أيام، ولكن حتى الآن لم يتمّ إحراز أي تقدم، حيث تصرّ الإمارات على تخلي رجال القبائل الحوثيين عن الحديدة، في حين لا يظهر الحوثيون أي استعداد للقيام بذلك».

وأكد هندرسون على أن «سلامة حوالي 20 مليون نسمة من اليمنيين الذين يعيشون في الجزء الخاضع لسيطرة الحوثيين على المحك، كون معظمهم يعتمدون على واردات المواد الغذائية، إن لم يكن على المساعدات الإنسانية، وذلك بعد أن حذرت وكالات الإغاثة من أن ما يصل إلى 250 ألف شخص قد يواجهون شبح المجاعة إذا ما تفاقمت الأزمة».
ولفت هندرسون إلى أن أحدث التقارير من خط المواجهة «تشير إلى تأزم الوضع، حيث تواصل القوات التي تقودها الإمارات السيطرة على مطار الحديدة على مشارف المدينة، لكنها تواجه المقاتلين الحوثيين المتحصنين في الضواحي المجاورة، وبالتالي فإن توقف القتال لا يعني وقف إطلاق النار».

ورأى هندرسون أن «التحدي الذي تواجهه الإمارات - بافتراض أن أنصار الله لن يقدّموا تنازلات - يتمثل في إمكانية تقدم القوات التي تدعمها من مواقعها الحالية في الجنوب من ميناء البحر الأحمر، سواء للسيطرة على مرفأ الحديدة الذي يقع في الجزء الشمالي من المدينة، أو لقطع الطريق البري نحو العاصمة صنعاء».
واعتبر أن التوصيف الذي أطلقه جيمس ماتيس على دولة الإمارات قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة بـ«سبارتا الصغيرة»، من شأنه أن «يمنح جيش الإمارات مستوى أكثر دقة من الكفاءة»، مع تأكيده على أن «الحقيقة غالباً ما تكون مختلفة عن التصور الذاتي»، ولكنه بيّن أنه «ورغم ذلك يبقى أداء الجيش الإماراتي، أفضل بكثير من أداء الجيش السعودي، الغائب عن العملية الحالية باستثناء تنفيذه لبعض الضربات الجوية المشكوك في دقتها».

واستبعد هندرسون «أي حل للأزمة اليمنية، طالما ينظر إلى رجال القبائل الحوثيين على أنه بالإمكان قطع روابطهم بإيران»، مؤكداً على أن «هذه النظرية لا تنطبق، في ظل إصرار الإمارات والسعودية على مطلبهما القاضي بإرغامهم على الخروج من العاصمة صنعاء والعودة إلى معقلهم الرئيسي في صعدة شمالي البلاد».

وعن أين تتجه حرب اليمن، وما الذي يمكن للولايات المتحدة فعله لحلها، أوضح هندرسون أن «الأزمة بدأت على شكل مواجهة إقليمية، نتيجة تدخل السعودية الذي اعتُبر متهوراً، وقد أصبحت الآن عاصفة كاملة، تضم الخصوم الإقليميين السعودية والإمارات وإيران»، مؤكداً على أن «الأطراف غير اليمنية تريد هزيمة وإذلال خصومها».
وبيّن هندرسون أن «لمخاوف واشنطن من الحرب بعدين: الأول أن الكونغرس قلق بشأن الذخيرة الأمريكية التي تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين، والثاني أن إدارة ترامب تريد دعم حليفتيها السعودية والإمارات اللتين تعتبرهما مفيدتين وأساسيتين لجوانب أخرى من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط».

وتوقع هندرسون أن تضم النهاية المطلقة لهذه الأزمة عدة مكونات مهمة، في مقدمتها «ضمان أمن حدود الدول الواقعة جنوبي غربي شبه الجزيرة العربية، ونهاية التدخل الإيراني، وانحسار ملحوظ للمخاوف بشأن الوضع الإنساني».
وشدد في ختام تحليله على «وجوب عدم الانتظار، والتأمل أن ينجح المبعوث الخاص للأمم المتحدة جريفيثس في مهمته، لتضييق الخلافات بين الأطراف المتحاربة، خلال الفترة القليلة القادمة».

توقف ميناء الحديدة سيكون له آثار مدمرة
ومن جانبه كشف «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» (مؤسسة بحثية) أن «التحالف الذي تقوده السعودية تجاهل كل التحذيرات الذي وجهتها القوى الغربية الرئيسية ومنظمات الإغاثة الدولية، ومضى في إطلاق معركة الحديدة التي تعتبر العمود الفقري لعمليات الإغاثة الدولية وللاقتصاد اليمني».

وأشار «المجلس الأوروبي» إلى أنه «وعلى الرغم من مرور ما يزيد عن 20 يوماً على انطلاق المعركة، فإن تقدم قوات التحالف الذي تقوده السعودية لم يكن كبيراً، وبمعنى آخر بطيئاً، حتى وإن كان الحوثيون قد فقدوا السيطرة على مطار الحديدة المترامي الأطراف، الذي يتاخم ضواحيها الجنوبية».

ونوه «المجلس الأوروبي» إلى أن «معظم المنطقة الساحلية التي انتزعت من الحوثيين لا تزال عرضة للاستعادة، فيما لازالت المعارك مستمرة حول الطرق الجبلية العديدة التي ترتبط بالحديدة، والتي لا تزال تحت سيطرة الحوثي».
وذهب «المجلس الأوروبي» إلى القول «على الرغم من خسارتهم الظاهرة للمطار، فإن الحوثيين يواصلون شن هجمات شرسة في المدينة، وما لم يكن هناك انفراج في جهود جريفيثس للتفاوض، فمن غير المرجح أن يغادروا دون معركة».
وأضاف أن «الأمر بالنسبة للحوثيين ليس مجرد محاولة للبقاء في المدينة، ولكنهم يهدفون إلى إرسال رسالة إلى التحالف بجعل هجومه صعباً قدر الإمكان»، مبيناً أن «التحالف اعترف أخيراً بانتكاساته، من خلال إرسال المزيد من التعزيزات».

ولفت «المجلس الأوروبي» إلى أنه «إذا كان على المرء أن يتعامل مع انتصار التحالف باعتباره نتيجة مفروغا منها، فإن مستقبل العديد من الأمور في المدينة لا يزال قاتماً، حيث لازالت كيفية السيطرة على الحديدة تمثل أهمية قصوى».
وحذر من أن «طول المعركة يمكن أن يقطع شريان الحياة التجارية والمعونة لليمن، ما قد يتسبب في تدهور دراماتيكي للحالة الإنسانية الصعبة أصلاً في البلاد، على الرغم من أن الأمم المتحدة والتحالف قد أعلنا عن أن الهدف هو إبقاء الميناء ممراً إنسانياً مفتوحاً».

ورجّح «المجلس الأوروبي» أن «تمتد الأزمة في حال حدوثها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً»، وذلك بناءً على توقعات منظمات الإغاثة التي حذرت من أن «أي توقف لميناء الحديدة وإن كان قصيراً سيكون له آثار مدمرة، وأن الحرب في الحديدة ستقتل أو تجرح العديد من المدنيين، وستشرّد الآخرين بطريقة من شأنها أن تفرط في البنية التحتية الضعيفة والمرهقة في المدينة».

وأرجع «المجلس الأوروبي»، إعلان «التحالف» عن خططه للتخفيف من تلك المخاطر إلى «أسباب عقلانية وبراغماتية، لكون السيطرة على الحديدة تعني تحمّله المسؤولية عن المدينة وسكانها وعمليات مينائها»، مبيناً أنه وبناءً على تلك الأسباب سيكون من مصلحة «التحالف» أن «تكون المعركة مقيدة بقدر الإمكان، حيث إن العديد من أعضاء التحالف - وخاصة الإمارات العربية المتحدة - على وعي تام بالمخاطر التي ستلحق بسمعتها في هجوم الحديدة، لذلك حاولت التركيز على فوائده الإنسانية المحتملة من خلال إطلاق الوعود بإغراق المدينة بالمساعدات».

ونوه المجلس إلى أن معركة الحديدة «ستطغى على جميع القضايا الأخرى في اليمن، طالما أنها مستمرة»، مشيراً إلى أنها قد «أخرت، إن لم تكن قد أوقفت فعلاً، الاستعدادات التي أجراها المبعوث الأممي جريفيثس لعقد جولة جديدة من محادثات السلام».
وعن ماذا يمكن فعله حيال الوضع في الحديدة، قال «المجلس الأوروبي» «من الأهمية بمكان الحفاظ على اهتمام الحكومات الأجنبية ووسائل الإعلام بالحديدة، مع وجوب أن تستمر الجهات الفاعلة الدولية في الضغط على كلا الجانبين للحفاظ على تدفق المساعدات ومنع الصعوبات المدنية الكارثية».

وأضاف: «يجب أن تكون الرسالة واضحة، بأنه سيتم تسجيل كل انتهاكات القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك التخريب المتعمد للبنية التحتية للمدينة»، مبيناً أن «إجراء تحقيق دولي مستقل في مثل هذه الانتهاكات، ستكون الوسائل الأكثر وضوحاً وفعالية للقيام بذلك، وأن التنسيق الدولي هو مفتاح تضخيم هذه الرسالة».
كما أكد المجلس أيضاً على أهمية «اتخاذ إجراءات مباشرة بشكل أكبر، من قبل الجهات الفاعلة الدولية، من خلال إبقاء أو زيادة جهود مساعداتها الدبلوماسية للتخفيف من تداعيات العنف، وإعادة بناء الثقة في المجتمع اليمني، والحفاظ على خطوط الاتصال مع الأطراف المتحاربة، والمشاركة في عمليات وساطة لحل الصراعات المحلية، مع العمل على تمكين اليمنيين القادرين على التواصل مع جميع الأطراف».

ورجح المعهد في ختام تقريره أن «تأخذ تلك التوصيات الكثير من العمل الشاق لإصلاح التمزقات العميقة في المجتمع اليمني، في ظل استمرار حالة الاستقطاب السياسي».
أهمية التحديد الدقيق لبداية حرب اليمن
اعتبر معهد «بروكنجز» أن معركة الحديدة، الآخذة في التوسع مؤخراً، تمثل «فصلاً جديداً في حرب مخيفة ومليئة بالفوضى، حيث تتفكك التحالفات بين ليلة وضحاها وتلتئم بنفس السرعة، فيصبح فيها عدو الأمس غالبا صديقاً للغد»، موضحاً أنه «ولفهم ذلك التعقيد، يجب أولاً الإجابة عن السؤال البسيط: متى بدأت الحرب في اليمن؟».

ولفت «بروكنجز» إلى أن هناك «افتراضا شائعا يتكرر من قبل الدبلوماسيين والصحفيين والمحللين، وحتى خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي، وهو أن الحرب بدأت في 26 مارس من العام 2015، عندما أطلقت السعودية حملتها الجوية، التي أصبحت فيما بعد المرحلة الأولى لتدخل عسكري أكبر». وأكد في المقابل على «عدم صحة ذلك الافتراض»، ومبيناً أنه «ومن منظور قانوني وليس سياسيا، فإن عملية “عاصفة الحزم” لا تمثل بداية الحرب، وإنما تمثل مرحلة جديدة فيها».

وأوضح المعهد أن مصطلح «الحرب» الذي عرّفه علماء القانون بأنه «نزاع مسلح غير دولي»، “بدأ في اليمن قبل أشهر من تدخل التحالف بقيادة السعودية، وحتى قبل سقوط صنعاء في أيدي الحوثيين في سبتمبر من العام 2014”، لافتاً إلى أنه «واستناداً إلى الحقائق السياسية على الأرض، وكذلك المعايير القانونية الدولية القائمة، فإن الحرب في اليمن يمكن أن تؤرخ على الأقل في أقرب وقت ممكن 9 يوليو من العام 2014، وهو التاريخ الذي عزز فيه الحوثيون سيطرتهم على محافظة عمران، بهزيمة اللواء 310 التابع للجيش اليمني، واقتحموا منشآت الدولة الأمنية والعسكرية، حيث ظل الحوثيون والحكومة اليمنية ومنذ ذلك الوقت محصورين في نزاع مسلح غير دولي».

وأكد المعهد الأمريكي في ختام تحليله على أن أهمية التحديد الدقيق لبداية الحرب في اليمن «سيكون له آثار قانونية وسياسية خطيرة، وذلك لكونه يؤثر على تطبيق القانون الدولي الإنساني، كما أنه سيكون ضرورياً لوضع إطار مناسب لمفاوضات السلام»، بالإضافة إلى أنه «سيكون تاريخاً هاماً لأي آليات تعويضات مستقبلية».
* عن موقع (العربي)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى