ألغام الحوثي الأكثر منذ الحرب العالمية الثانية وتحتاج 20 عاما للخلاص منها

> «الأيام» صحيفة الوطن العربي

>  الألغام مشكلة يمنية مزمنة جددها الحوثيون، إذ لا تزال المليشيا الانقلابية تتوسع فى زراعتها بل وتتحفظ عن كشف خرائط توزيعها، كما شكلت الألغام المنتشرة بكثافة في مناطق الساحل الغربي عائقا أمام تقدم قوات التحالف العربى.
فبينما كانت المعارك الدائرة في محافظة الحديدة تشير إلى تقدم قوات التحالف عمدت الجماعة إلى استخدام أسلوبها المعروف والذي يتجسد في زرع الألغام بالمواقع التي يخسرونها، وكان من بينها الساحل الغربي ومحافظة الحديدة الاستراتيجية بهدف إعاقة قوات الشرعية وعرقلة تقدمها، لتأخذ قوات الحوثي الوقت الكافي حتى تتراجع وتعيد ترتيب نفسها دون مراعاة لمخاطر ذلك على المدنيين.. لذا تسعى القوات الإماراتية العاملة هناك إلى تمشيط تلك المناطق ونزع الألغام الأرضية، وتقيم ندوات للتوعية بأخطارها في الحديدة، لاسيما وأن التقارير تكشف عن قيام التنظيم المسلح بنشر الألغام البحرية الطافية والغاطسة على طول الميناء مما يهدد سلامة الملاحة البحرية والتجارة الدولية، ومن الممكن أن تتسبب بكارثة بيئية، في حال استهدفت إحدى ناقلات النفط.

إعادة التركيز على قضية الألغام جاء رداً على توسع الجماعة الحوثية في إنتاجها فقد حولت المليشيا اليمن إلى حقل ألغام ضخم، حيث زرعت نحو 100 ألف لغم في عدن وأكثر من 150 ألف لغم في محافظات يمنية أخرى.
أشار مسئول يمني عن نزع الألغام إلى أن الحوثيين زرعوا 500 ألف لغم منذ عام 2015؛ لكن بعض التقارير أفادت أن فرق نزع الألغام أزالت 300 ألف لغم أرضي.

الأمطار الغزيرة والسيول التى اجتاحت اليمن العام قبل الماضي كشفت عن عدد كبير من الحقول التي زرعتها الميليشيا بأنواع مختلفة من الألغام في محافظات عدة، وذكرت مصادر محلية في محافظة لحج أن السيول جرفت أعدادا كبيرة من الألغام التي تناثرت في مناطق عدة وبعضها أخذتها السيول لتقذف بها في عمق البحر.

ففي الوقت الذي ترفض المليشيا الكشف عن خرائط حقول الألغام التي زرعتها وتتعمد عدم الإفصاح عنها باستثناء تلك التي كشفت عنها في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية، يحذر خبراء الألغام من عدم امتلاكهم خرائط لتلك الألغام المزروعة، ففي الحروب النظامية عادة ما يتم زرع الألغام بشكل منظم وفق تسلسل معين غير أن إحدى الجرائم الكبرى التي ارتكبتها عصابات الحوثي تمثلت في أن عملية الزراعة كانت تتم بطريقة عشوائية دون توثيق، إذ أن المتفجرات مدفونة عشوائيا في مختلف أنحاء البلاد بما فيها مناطق سكنية وملاعب وتحت الأشجار حيث اعتاد اليمنيون الجلوس، بل وصل الأمر إلى حد وضعها في الثلاجات وعلى أبواب المنازل وفي داخل «دواليب» الملابس مما يجعل اليمن أمام معركة صعبة ورهين مأساة إنسانية قد تمتد لسنوات.

الكيفية التي حصل بها الحوثيون على الألغام قد لا تتطلب المزيد من الاجتهادات، ففي حين يؤكد أحد قادة قوات العمالقة الجنوبية أن عمليات انتزاع الألغام كشفت أن معظمها إيرانية غير أن العدد الهائل منها يضفي إلى سيناريو تصنعيها محلياً قدرا من المصداقية.

فقبل مقتل صالح الصماد بأيام نشرت الصحف اليمنية صوراً لجولته في أحد مصانع الأسلحة، وأظهرت إحدى الصور عشرات الأغلفة للألغام الأرضية والتي بدت متطابقة مع أخرى تم انتزاعها، فعلى الأرجح يتولى الخبراء من الحرس الثوري ومن حزب الله اللبناني مسؤولية تدريبهم ومساعدتهم على صناعة متفجرات وألغام يدوية الصنع مستخدمين في ذلك بعض المواد البدائية مثل أنابيب «الكلوريد المتعدد الفاينيل» أو الأسطوانات المعدنية.

أساليب وطرق زرع المليشيات للألغام والعبوات الناسفة حملت قدراً من التنوع يؤشر على ما تحمله الجماعة من تقلبات وغدر، حيث تتم عملية التفخيخ بطرق غير متعارف عليها ومنها زرع لغم مدرع وتحته أيضاً لغم آخر من أجل إذا تم نزع الأول انفجر الآخر. كما عملت المليشيات على زراعة لغم مدرع وبمحيطه شبكة ألغام فردية، مع وضع دواسات بمحيط اللغم، ومن ضمن الطرق الأخرى أيضاً عمل شبكة ألغام على أوتار شفافة ودقيقة بحيث إذا مر أحد سحب معه الوتر الأمر الذي يؤدي إلى فتح صاعق التشريت.

بالنسبة للعبوات الناسفة فقد ابتكرت الجماعة طرقاً جديدة، فبعد أن يتم تجهيز العبوة من الحشو المتفجر ومن شظايا سامة يضيفوا لها حبوب الجولي أو ما تسمى «بيرنجات»، وهذه البيرنجات عندما تنفجر العبوة تنطلق وكأنها طلقات رصاص، مما تحدث ثقوبا كثيرة في الجسم الذي تنفجر فيه ناهيك عن الشظايا السامة، إضافة إلى مقذوف موجه.

وعن أنظمة صعق العبوة تعمد المليشيات إلى عمل عدسة حساس للعبوات بحيث إذا مر أي جسم مقابلها تعطي إشارة إلى الصاعق وتنفجر في الحال، وتسببت تلك العبوات في موت الكثير من الأبرياء.
ومن الطرق الأخرى وضع صاعق تحكم عن بُعد بحيث إذا اقترب منها الفريق الهندسي للتعامل معها فجروها فيه، إضافة إلى أن المليشيات وبعد أن يتم تجهيز العبوة تعمل لها إطار «فيبر» مموه بشكل صخرة حتى لا يتم تمييزها وتوضع بجانب الطريق وبمجرد مرور أي جسم مقابلها يأتي دور المقذوف حيث يدفع بالعبوة باتجاه الجسم المار مخلفاً انفجارا عنيفا مع انتشار الشظايا المحشية.

الميليشيا المدعومة من إيران لجأت إلى استخدام الأطفال لزرع الألغام في المناطق التي يطردون منها، مما أسفر عن مقتل الكثيرين منهم، حيث تقوم الجماعة باستدراجهم مستغلة تدني الظروف الاقتصادية عبر تقديم الإغراءات المالية والوظيفية، إذ تقوم العديد من الأسر بإرسال أبنائهم للانضمام إلى الميليشيات مقابل الحصول على ما يقرب من 50 ألف ريال يمني شهريًّا (حوالي 150 دولارًا)، في محاولة لتوفير موارد مالية تساعدهم على توفير الحد الأدنى المطلوب من احتياجاتهم اليومية.
 هذا إلى جانب عمليات التعبئة الدينية خاصة في محافظة صعدة (شمال اليمن)، حيث يقومون بتخصيص حصص أسبوعية لطلاب المدارس تتحدث عن فضيلة الجهاد الأمر الذي يساهم في انخراط الأطفال في الحرب.

الإرث اليمني من حقول الموت يعود إلى ستينيات القرن الماضي أثناء فترة الصراع بين الإماميين والجمهوريين، حيث قامت القوات الموالية للإمام البدر بن أحمد حميد الدين بزراعة حقول ألغام في كل من محافظة الجوف، شمال اليمن، ومديرية صرواح، شرق صنعاء، ومديرية أرحب، غرب شمال العاصمة اليمنية صنعاء.

كما أن الفترة بين ما تعرف بحرب المناطق الوسطى في الشمال ثم حرب صيف 94 تم فيهما زراعة حقول واسعة بالألغام، ولازالت بقايا الألغام في هذه المناطق تهدد حياة الناس إلى اليوم.
وخلال حروب صعدة الستة شهدت عملية زراعة للألغام على نطاق واسع. وعقب أحداث ثورة الربيع العربي في العام 2011 أقدمت قوات الحرس الجمهوري في محيط معسكراتها في نهم وأرحب وبني جرموز على زراعة ألغام مضادة للأفراد سقط على إثرها ضحايا من المدنيين بينهم نساء وأطفال.

وفي هذا الخصوص كانت منظمات حقوقية وثقت حالات لضحايا تلك الألغام من أطفال ونساء ورجال. كما قامت جماعة الحوثي في العام 2011، أثناء اقتحامها مديرية كشر في محافظة حجة بزراعة الألغام في مناطق «كشر وعاهم» وسقط على إثرها ضحايا من المدنيين، حيث قتل 36 مدنيًا بينهم 4 أطفال وأصيب 45 مدنيًا بينهم 6 أطفال و3 نساء.

وفي مطلع 2014، قامت جماعة الحوثي بالتعاون مع قوات الحرس الجمهوري في تحالف مع «صالح» ضد الشرعية وقاموا مطلع العام 2015م، بمواصلة حربهم العبثية على اليمنيين في مختلف المحافظات وكانت زراعة الألغام بالطبع واحدة من أبرز الوسائل التي استخدمتها هذه الجماعة الانقلابية ضد خصومها في مختلف مناطق البلاد بقصد إرهاب المواطنين، وتعريض حياتهم للخطر، وإعاقة أي محاولة لوقف مشروعهم الانقلابي.

عمق الجريمة الحوثية يدلل عليها ضخامة أعداد الضحايا. فبحسب تقارير صدرت عن الحكومة اليمنية منذ شهر ديسمبر عام 2014 حتى شهر ديسمبر لعام 2016، فقد تم تسجيل 1539 قتيلا ومصابا جراء ما تم زراعته من ألغام لأكثر من 3 آلاف من العسكريين، ومن المدنيين والنساء والأطفال، تسببت بإعاقات دائمة وكلية لأكثر من 900 شخص. وأدت زراعة الألغام خلال تلك الفترة إلى مقتل 615 شخصا منهم 101 من الأطفال و 26 امرأة، فيما بلغت الإصابات 924 إصابة بينهم 10 أطفال و36 امرأة، بينما ما تم تسجيله في محافظة تعز وحدها 274 حالة بتر لأطراف وإعاقات دائمة منهم 18 حالة لفقدان البصر.

ألغام الحوثيين باليمن هي الأكثر منذ الحرب العالمية الثانية، لذلك ستظل مشكلة الألغام والذخائر غير المنفجرة، والتي خلفتها المليشيا في المحافظات والمدن اليمنية من أهم المنغصات طويلة المدى خلال حقبة ما بعد الحرب، فعلى الرغم من كل الجهود التي تقوم بها الإمارات والسعودية في انتزاعها إلا أن التقارير تشير إلى أن البلاد بحاجة إلى 20 عاماً للتخلص من المتفجرات التي زرعتها المليشيا الحوثية والتي قد تجنى هي نفسها ثمرة ذلك كما حدث في تعز لبعض أفرادها ممن راحوا ضحية ألغام غرسوها بأيديهم.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى