ضحايا كأس العالم في لحج

> عياش علي محمد

>  كان قصر الأمير عبد المجيد العبدلي ، يطل على الشارع الرئيسي في الحوطة ، حيث وضع على شرفته (مذياعاً) ضخماً ، يفتحه كل مساء لأبناء لحج ، يُطلعهم فيه على أخبار الحرب العالمية الثانية (39 - 1945)
حيث كان أبناء لحج يفضلون الاستمتاع بهذا الجو ، خاصة وهم يجلسون أمام شرفة قصر الأمير ، يتناولون الشاي والمرطبات ، ويستمعون إلى إذاعة (البي بي سي) اللندنية ، وهي تحكي لهم مآسي الحروب ، بلسان المذيع الفلسطيني يونس بحري.
 وحين كانت رؤوس أبناء لحج تُحشى بأخبار الحرب ، جاءت فرصة مباريات كأس العالم في الخمسينات من القرن الماضي ، حيث كانوا يتابعون أخبار البطولات من تلك الإذاعة.

 وفي تلك الليلة ، ليلة ضحايا مباريات كأس العالم التي سقط فيها العديد من الجرحى، أثناء استماعهم لمباريات كأس العالم بلحج ، وخاصة في الليلة الأخيرة من المنافسات الكروية العالمية ، إذ بينما كان المذيع الفلسطيني مسترسلاً في وصفه لمجريات المباراة الختامية بين (إنجلترا وفرنسا) ، وتحسره على الخاسر ، ومهنئاً الفائز بالكأس الذهبية كان الجو هادئاً ، والظلام كثيفاً ، لا يشعر المرء بنفسه ، ولا يرى حتى أصابعه.

 وبينما كان الانسجام كاملاً مع المذيع ، حدثت مفاجأة ضخمة ، إذ دخلت إلى ساحة العروض ، جموع ضخمة من الثيران المملوكة للسلطان ، والذي كان عددها يقدر بعشرين ضمد ، أي (40) ثور خارجة بقوة من موقع عملها في الحسيني ، ومتجهة نحو قصر الروضة (كلية الزراعة حالياً) ، لكي ترعى وتعيش هناك ، وتنام في حظائرها إندفعت قطعان الثيران ، بينما كان الجمهور اللحجي الرياضي ، في انسجام تام مع صوت المعلق الرياضي (يونس بحري) وكأس العالم ، وصورة الحرب المرعبة في أذهانهم أشارت لهم إلى وقوع حرب في لحج ، وصُورت  اقتحام الثيران لهم ، وكأنها عربات مجنزرة ، أو دبابات متجهة نحو حظائرها.

 ما حصل تلك الليلة إنما هو التدافع الشديد بين الجمهور في الظلام الحالك ووقوعهم فريسة للثيران التي قامت بدهس البعض منهم أو رفسهم ونطح البعض الآخر ، فيما تم سحب بعضهم بواسطة قرونها الصلبة ، ومن خلال ذلك التدافع وقعت صدامات دامية بين الهاربين ، كما انصدم بعضهم بجدار ، أو بحجارة في الطريق ليصبح كثير منهم في عداد الجرحى أو الموتى بفعل وقوعهم بين أرجل وقرون أربعين ثوراً بخطى واحدة، وخوار واحد ، وعضلات مفتولة ، فوقع الجمهور في مصيبة غير منتظرة ولا متوقعة.

 وبعد أن ذهبت الصدمة الفاجعة وزالت الرهبة من القلوب جاءت الضحكة على أثوار السلطان ، التي أطاحت بهم ، كما أطاح اللاعبون الإنجليز بالفرنسيين ، في تلك المباراة ، التي سجلت تلك الواقعة في قصائد فكاهية ، وفي حكايات نثرية ، حيث لا تزال حادثة اصطدام أثوار وبقر السلطان بالجمهور الذي كان يتابع مباراة كأس العالم حينها ، أمراً يثير ضحكات الجمهور اللحجي ، كلما جاءت مناسبة قيام مباريات كأس العالم.
 وما أجمل مباريات كأس العالم عندما يتزامن وقتها مع أحداث فكاهية أو حتى مأساوية تثير الأسى والضحك معاً بين وقت وآخر ليتسلى بها الناس من جيل إلى آخر.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى