الحكومة والحوثيون يتنافسان على صدارة قوائم منتهكي الحريات الصحفية

> أحمد الأغبري*

>
تتضاعف كل يوم معاناة الصحافيين والإعلاميين اليمنيين بسبب الحرب، ذلك أن بيئة ممارسة مهامهم صارت أكثر خطراً على حيواتهم واستقرار عائلاتهم، إذ يمكن اعتقال واحتجاز الصحافي وصولاً إلى الحكم عليه بالإعدام بلا سبب (تحت لافتة العمالة والارتزاق) وهي جملة مطاطية يمكن الاحتجاز والحكم من خلالها على أي صحافي أو إعلامي، لأن ممارسة مهنة الصحافة، خارج دائرة سلطات الحرب، صارت جريمة في بلد تتراجع فيه قيمة الحياة مقابل اتساع مخيف لدائرة الموت.

والحرب جعلت الصحافيين والإعلاميين في هذا البلد الأشد فقراً في المنطقة يعيشون، بين حالتين: إما حالة خوف وتوجس يكون لها تأثيرها، على المدى الطويل، في التكوين النفسي، وإما حالة الاحتجاز أو الاعتقال أو الاخفاء أو القتل أو غيرها من أشكال انتهاكات الحريات الإعلامية التي ارتفعت مؤشراتها حالياً حد سجلت «نقابة الصحافيين اليمنيين» مقتل 27 صحافياً وإعلاميًا منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات، منهم ثمان حالات قتل شهدتها ثلاث محافظات فقط خلال النصف الأول من العام 2018 وفق «مرصد الحُريات الإعلامية» التابع لـ«مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي» في عدن.

والمثير للاستغراب أن جميع سلطات الحرب هناك في الحكومة الشرعية وفي جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) يتنافسون على انتهاكات الحريات الإعلامية، لدرجة لا تستطيع التمييز بين مَن الدولة ومَن اللا دولة.

مؤشرات الرصد
وأكدت تقارير رصد إعلامية يمنيّة إن واقع الحريات الإعلامية خلال النصف الأول من العام 2018 شهد تراجعاً في ظل واقع خطير من الانتهاكات المتصاعدة.
ففيما أعلن «مرصد الحريات الإعلامية» التابع لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وهو منظمة مجتمع مدني مقره عدن، تسجيل 53 حالة انتهاك ضد الحريات الإعلامية، كانت «نقابة الصحافيين اليمنيين» قد أعلنت رصد 100 حالة انتهاك استهدفت مئات الصحافيين ومؤسسات إعلامية.

وقال تقرير المرصد إن جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) تصدّروا قائمة منتهكي الحريات خلال الشهور الستة الماضية. في وقت قال تقرير النقابة إن الحكومة الشرعية بكافة هيئاتها تصدّرت قائمة المنتهكين للحريات الإعلامية في اليمن خلال النصف الأول من العام الجاري.

على صعيد تقرير المرصد، فقد سجل 53 حالة انتهاك ضد الحريات الإعلامية في اليمن خلال النصف الأول من العام الجاري، تنوعت بين: 8 حالات قتل في محافظات تعز والحديدة والبيضاء، 5 محاولات قتل، 6 حالات إصابة، 5 حالات اختطاف، 6 حالات اعتداء ،7 حالات اعتقال، حالة واحدة محاولة اعتداء، 3 حالات تهديد، 5 حالات اقتحام ونهب منازل إعلاميين، وحالة تحريض واحدة، بالإضافة لـ 6 حالات انتهاك مورست ضد وسائل إعلامية، شملت اقتحام وإحراق واستهداف مؤسسات إعلامية.

وحسب هذا التقرير، فقد تصدّرت جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) قائمة الانتهاكات ضد الصحافيين بواقع 27 حالة انتهاك من إجمالي الحالات المسجلة و 14 انتهاكا مارستها أطراف تابعة للحكومة الشرعية و7 انتهاكات قام بها مجهولون و3 انتهاكات من قبل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وانتهاكين مارسها متنفذون، فيما ما زالت جماعة الحوثي ترفض الإفراج عن 14 صحافياً مر على اعتقال بعضهم أكثر من ثلاثة أعوام، وبالمقابل تستمر حالة الانتهاكات للحريات الإعلامية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.

100 حالة انتهاك
وكانت نقابة الصحافيين اليمنيين أعلنت مؤخراً تقريرها لنصف العام الجاري في هذا الشأن، حيث رصدت 100 حالة انتهاك. وأكدت النقابة في تقريرها أن الحريات الإعلامية في اليمن تشهد وضعاً خطيراً ومعقداً.
وحسب التقرير فقد تنوعت الانتهاكات بين الاختطافات والاعتقالات بـ 38 حالة بنسبة 38 في المئة، والاعتداءات بـ 18 حالة بنسبة 18 في المئة، والمنع من التغطية بـ9 حالات بنسبة 9 في المئة والتهديدات بـ 8 حالات بنسبة 8 في المئة، والمحاكمات بـ 5 حالات بنسبة 5 في المئة، والتعذيب بحالة واحدة بنسبة 1 في المئة، ومصادرة مقتنيات الصحافيين والصُحف بـ5 حالات بنسبة 5 في المئة، وايقاف الرواتب بـ 2 حالات بنسبة 2 في المئة طالت مئات الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام، وقتل الصحافيين 5 حالات بنسبة 5 في المئة، وحجب المواقع الاخبارية 7حالات بمعدل 7 في المئة ، وايقاف وسائل الإعلام بحالتين بنسبة 2 في المئة.

وتصدّرت الحكومة الشرعية بكافة هيئاتها قائمة الانتهاكات بارتكاب 47 حالة انتهاك بنسبة 47 في المئة فيما ارتكب جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) 39 حالة انتهاك بنسبة 39 في المئة، وارتكبت جهات مجهولة 8 حالات بنسبة 8 في المئة، والتحالف العربي 6 حالات بنسبة 6 في المئة من اجمالي الانتهاكات.

وحسب التقرير فقد تنوعت حالة الاختطاف والاحتجاز بين احتجاز الحرية بعدد 19 حالة بنسبة 50 في المئة، و12 حالة اختطاف بنسبة 32 في المئة و5 حالات اعتقال بنسبة 13 في المئة، وحالتي ملاحقة بنسبة 5 في المئة. وارتكبت الحكومة 27 حالة احتجاز حرية من 38 حالة فيما ارتكب الحوثيون 11 حالة انتهاك من اجمالي احتجاز الحرية.

ونوه تقرير نقابة الصحافيين اليمنيين بـ18 حالة اعتداء بنسبة 18 في المئة من اجمالي الانتهاكات طالت صحافيين ومنازلهم ومقار إعلامية وممتلكات صحافيين.
وتنوعت الاعتداءات بين الاعتداء على الصحافيين بالضرب والإصابة أثناء التغطية بـ 7 حالات بنسبة 39 في المئة، و5 حالات شروع بالقتل بنسبة 28 في المئة، والاعتداء على مقار إعلامية وممتلكاتها بـ 4 حالات بنسبة 22 في المئة، والاعتداء على منازل الصحافيين وممتلكاتهم بحالتين بنسبة 11 في المئة. وحسب التقرير فقد ارتكب الحوثيون 7حالات من هذه الجرائم، بينما ارتكبت الحكومة 5 حالات، وارتكب مجهولون 4 حالات، والتحالف العربي حالتين.

وحسب التقرير فقد وثقت النقابة خمس حالات قتل خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 5 في المئة من إجمالي الانتهاكات، استهدفت خمسة صحافيين ومصورين وعاملين في وسائل الإعلام، ليصل «عدد الشهداء من الصحافيين منذ عام 2014 حتى منتصف العام الجاري 27 صحافيا ومصوراً وعاملاً في مجال الإعلام». وحسب النقابة فقد ارتكب الحوثيون ثلاث حالات قتل خلال النصف الأول من العام الجاري، فيما ارتكب التحالف العربي حالتي قتل بغارة جوية.

وأشار تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي إلى احتجاز 14 صحافياً لدى جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتحدث تقرير نقابة الصحافيين اليمنيين عن 13 صحافياً مختطفا لدى هذه الجماعة أغلبهم منذ العام 2015 «ويعيشون ظروف اختطاف قاسية ولا إنسانية بينهم صحافي مخفي قسريا هو وحيد الصوفي، فيما لا يزال الصحافي محمد المقري محتجزا لدى تنظيم القاعدة في حضرموت في ظروف اختطاف غامضة».

ورصدت النقابة 8 حالات تهديد بنسبة 8 في المئة من اجمالي الانتهاكات، وتنوعت هذه الانتهاكات بين التهديد بالأذى بـ 4 حالات، والتهديد بالتصفية الجسدية بـ 3 حالات وحالة تحريض واحدة. كما سجلت 4 حالات ضد جهات مجهولة، فيما ارتكب التحالف العربي حالتين، والحكومة حالة واحدة، والحوثيون حالة واحدة أيضا.

وسجل التقرير خمس حالات محاكمات واستدعاءات واستجواب بنسبة 5 في المئة من إجمالي الانتهاكات طالت ستة صحافيين، وارتكبت الحكومة 3 حالات من إجمالي الخمس حالات، فيما ارتكب (الحوثيون) حالتين.
وفيما يخص مصادرة معدات الصحافيين تم رصد تقرير النقابة 5 حالات بنسبة 5 في المئة من إجمالي الانتهاكات منها 4 حالات مصادرة أدوات ومعدات صحافية شملت كاميرات تصوير، وكمبيوترات وتفتيشها، وحالة نهب ممتلكات مؤسسة «الشموع» في عدن، حيث ارتكبت الحكومة 4 حالات منها، فيما ارتكب الحوثيون حالة واحدة.

ورصدت النقابة سبع حالات حجب لمواقع الكترونية إخبارية قامت بها جماعة الحوثي ليبلغ إجمالي حالات الحجب للمواقع الالكترونية المحلية والعربية والدولية قرابة 150 حالة حجب خلال الأعوام الثلاثة والنصف الأخيرة.

لماذا؟
لا يبدو أن ثمة مرحلة عاشها الصحافيون اليمنيون كانت أسوأ من هذه المرحلة. ويتحدث نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق عبد الباري طاهر موضحاً: كنا في المراحل السابقة نتحدث عن نواقص تطال العمل الصحافي. كنا نطالب باستكمال آليات الحصول على المعلومات، وعدم وجود قيود على العمل الصحافي، وعدم اعتقال الصحافيين، وعدم الانتقاص من الحريات الإعلامية. كانت مطالبنا تتعلق بالتشريعات والممارسات، لكن المشكلة اليوم لم تعد في تلك المطالب، بل أصبحت متمثلة في انعدام فاعلية كل شيء: انعدام فاعلية القضاء، والدولة، بكل ما فيها، وما لها وما عليها.

وأضاف: «كان اليمن في السابق من ضمن الدول الآمنة بالنسبة لحياة الصحافيين، لكنها، اليوم، صارت من الدول التي تشكل خطراً على حياتهم. صحافيون اُعتقلوا، وآخرون قُتلوا، ومثلهم مهددون، وقنوات تلفزيونية أُغلقت، ومواقع الكترونية حُجبت، ورواتب مقطوعة، كارثة يعيشها الصحافيون اليمنيون، كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى».

وأشار طاهر إلى التقرير النصفي لنقابة الصحافيين اليمنيين، الأخير، وقال: تقرير النقابة، الصادر مؤخراً، تحدث موثقاً كل الانتهاكات، وأكد أن جميع الأطراف مشاركة في ارتكاب هذه الانتهاكات، كل الميليشيات مشاركة وتتسابق على ارتكاب الأسوأ من الانتهاكات، حتى صرنا لا نستطيع التمييز بينهما.

الحكومة الشرعية
وأضاف نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق: لقد جاء تقرير النقابة الأخير مسؤولاً ورصيناً، موضحاً أن الحكومة الشرعية احتلت المرتبة الأولى في الانتهاكات بنسبة 47 في المئة. فإذا كانت الدولة ترتكب كل هذه الانتهاكات، فكيف هو حال الآخرين؟ نحن أمام وضع كارثي في الممارسات الهادفة لإسكات الأصوات وانتهاك الحريات في اليمن.

وأرجع، الوضع الذي تعيشه الحريات الإعلامية في اليمن إلى الحرب باعتبارها أم الكوارث، يقول: «الحرب تُلغي الحياة، وتُلغي الإنسان، وتُلغي السياسة. الحرب إلغاء لكل شيء جميل. مع الحرب تحوّل الجميع إلى ميليشيات مسلحة، ميليشيات بدون عقل وبدون ضمير، فألغت الحرب الحياة العامة والتجارة، وكممت وسائل الاتصال، وأخطر من ذلك أنها دمّرت كيان اليمن، وهي رمزية الدولة، بما تعنيه من حضارة وتنوع وتعايش. ونتيجة لكل ذلك اُرتكبت وتُرتكب الانتهاكات بحق الحريات كل يوم، ويأتي الصحافيون ضمن ضحايا هذه الحرب القذرة، وبهذا المستوى الذي تعبر عنه تقارير النقابة، وآخرها التقرير الصادر، مؤخراً، عن انتهاكات الحريات الإعلامية لنصف العام الجاري».

تواصل الانتهاكات
ومع تواصل الحرب تتواصل الانتهاكات وتتسع، ولا نعلم في أي مستوى ستتوقف، لاسيما والواقع يقول إنها لن تتوقف عند مستوى معين ما دام الصحافي معنيٌ بالحقيقة، والحقيقة، هي وحدها، ما يخافها أطراف الحرب، ويحرصون على إخفائها، وسيعملون، في سبيل إخفائها، ما لا يخطر على البال، ما يجعل باب الانتهاكات مفتوحاً على احتمالات خطرة، ويكفي أن نقرأ الأخبار المنشورة عن واقع الانتهاكات التي تعرضت لها الحريات الإعلامية في اليمن خلال النصف الأول من يوليو الجاري، عقب صدور التقرير الأخير، وذلك في كل من صنعاء وعدن فقط حيث سنجد الوضع هناك يزداد خطورة على حياة الصحافيين والحريات الإعلامية.
* (القدس العربي)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى